14- ابحثي عن رجل آخر
عادت من عملها منهكة تجر أقدامها جراً .. لم يكن كشك عبدالله بعيداً عنها .. ولكنها اعتادت مؤخراً أن تدور حول الفندق ساعات قبل أن تعود إليه .. كانت الطريقة الوحيدة التي نجحت في تخليصها من الأرق وجعلتها تنعم بنوم متصل حتى الصباح التالي
اتسعت عيناها في قلق عندما فوجئت بأوسكار ينتظرها جالساً في استراحة الفندق الصغيرة .. ما أن رآها حتى وقف وتعلقت أنظاره بها .. تسمرت في مكانها عجزاً بينما اقترب هو منها وصافحها في وجوم .. سألته قبل أن ترد حتى تحيته :
- هل باسل بخير ؟
تطلع إليها بنظرات زادتها قلقاً قبل أن يغمغم بلهجة أقرب للسخرية :
- وكأنك تهتمين لأمره ..!
هتفت في عصبية :
- بالطبع أهتم .. باسل صديقي
- ظننت ما بينكما أكثر من مجرد صداقة
- لست مسئولة عن ظنونك الغبية
- ليته يسمعك الآن ليصدقني
- كفى ثرثرة وقل أنه بخير ..
- نعم باسل بخير .. وسيبقى دائماً بخير طالما بقيت بعيداً عنه
شعرت بارتياح رغم دهشتها من ذلك العداء في صوته ونظراته .. رفعت ذقنها قائلة في نبرة لا تخلو من الوعيد :
- هل باسل هو من طلب منك أن تخبرني بذلك .. أما أنه سيغضب عندما يعلم بإهانتك لي ؟
- تعلمين بالطبع أن باسل متيم بكِ .. ولكنك في المقابل ....
لم يكمل عبارته .. فحتى تلك الصداقة التي تتحدث عنها لا يصدقها .. منع نفسه بصعوبة من توبيخها حتى لا تتضاعف رغبتها في الانتقام من ذلك المسكين .. ربما عليه أن يكون أكثر صبراً طالما أراد الخير له
أشار لها بالجلوس فحدجته طويلاً قبل أن تستجيب له في فضول لم تستطع مقاومته .. رمقته بصبر نافذ بينما تنهد مفكراً قبل أن يقول في هدوء :
- أنت فتاة ذكية جداً يا .... نانا هانم .. رغم صغر سنك فقد اختبرت الحياة و.....
خمنت أن باسل لابد وأن يكون قد ثرثر معه بماضيها في لحظة طيش سوف تحاسبه عليها لاحقاً .. فقاطعته في عصبية وهمت بالنهوض قائلة :
- لقد مللت أسلوبك المستفز هذا
أمسك بذراعها لتجلس مجدداً وسألها مباشرة :
- مهلاً .. أريد فقط إجابتك على سؤال واحد .. هل لديك استعداد للبقاء مع باسل مهما بلغ حجم الخطر الذى يهدده ..؟
أجابته بلا تردد :
- كلا
ارتفع حاجبه واتسعت عيناه في دهشة أقرب للصدمة .. لم يكن يتوقع أن تكون بهذه الصراحة والوضوح .. هز رأسه في تفهم وعاد يسألها :
- أشكرك على صدقك .. ولكن لماذا تزيدينه تورطاً في عشقك إذاً ؟
- ربما فعلت ذلك بلا قصد في البداية .. ولكن أعدك بأن أكون أكثر حرصاً مستقبلاً ..
تأملها في شك فأردفت في عصبية :
- هل أخبرك بأنني أغلقت هاتفي مؤخراً ؟
- نعم .. وأرسلني خصيصاً لأطلب منك مهاتفته
- ولكنك بالطبع لا تريدني أن أهاتفه ..
هز رأسه موافقاً فأردفت محبطة :
- اطمئن .. لا أنكر أنني تماديت معه قليلاً ولكنني بدأت أشعر بالقلق من علاقتي الخطرة به.. لن أحيا في رعب للأبد ..
شردت لحظات لتتابع في انفعال :
- يمكنني أن أجعله يكرهني أيضاً إن كان هذا يروقك
- كلا .. في الكره اهتمام لا يختلف عن الحب .. بل ربما يفوقه
- يا لكَ من بغيض ..!
- باسل ينتظره مستقبل رائع .. يوماً ما سيصبح بطلاً عالمياً .. مادامت اهتماماته لا ترضى طموحك ابحثي لنفسك عن رجل آخر .. واتركيني أنا أحميه حتى من نفسه
- ولكن .. ماذا لو خلقت له النجومية أعداء ؟
- بالتأكيد هذا سيحدث .. وسيكون قادراً على مواجهة الجميع .. لن يضعفه سوى وجودك في حياته
- ما الذى تريده منى بالضبط وسوف أفعله ؟
- أريدك أن تخرجي من حياته بلا ذكريات .. أن تصبحي كالماء فيما يتركه من أثر .. لا لون ولا طعم ولا رائحة
تطلعت إليه في إحباط وهو يخرج هاتفه ويقدمه إليها قائلاً :
- اخبريه أن هاتفك تعطل فجأة .. وبأنك سوف تذهبين لتصليحه ما أن تجدى وقتاً
- ألا تعتقد أن هذه ربما تكون حجة لصالحي ؟
- كلا .. لو كنت تهتمين لأمره لكنت سعيت لإصلاحه ما أن تعطل .. أو على الأقل كنت حاولت التواصل معه من أي هاتف آخر .. سوف أفسر له الأمر بطريقتي الخاصة
ابتسمت ساخرة وأطلقت تنهيدة طويلة وهى تتناول الهاتف منه لتتصل به .. تتطلع إليها في شك وهى تبتعد عنه قليلاً .. ليتها تصدق فيما وعدته به..!
كانت تحفظ رقم هاتفه عن ظهر قلب .. ربما كان الأمر طبيعياً .. ما لم يكن طبيعياً أبداً هو ذلك العشق الذى تجسد فوق ملامحها وهى تتحدث إليه .. ما نفته شفتاها منذ قليل صرح به في قوة كم من الحنين إليه لم تستطع كبحه .. حنين يمنحه ألف عذر للهيام بها .. !
لا تدرى كم من الوقت مضى قبل أن تغلق الخط .. بقيت تتطلع إلى الهاتف لحظات أعادته بعدها إلى أوسكار وهى تصرخ به في غضب ضاعف حيرته من أمرها :
- والآن اذهب .. أنا في حاجة إلى الراحة .. بالكاد عدت من عملي
أسرعت بعدها عدواً إلى غرفتها دون حتى أن تصافحه .. ظل يتابعها بعينيه حتى اختفت .. لو لم يكن ماكرات ويظهرن عادة عكس ما يبطن .. لكان أقسم بأنها فتاة عاشقة ..
خلعت حذاءها واسترخت في سريرها بكامل ملابسها .. بكت وهى تلعن أوسكار بسبب ما أعاده إليها من هموم وقلق متذرعاً بخوفه عليه .. وكأن أمره يهمه أكثر منها .. وكأنه في قلبه أغلى ..!
أنت تقرأ
في قبضتي
Short Storyتطلع إلى نفسه فى المرآة ساخطاً : ما جدوى كل هذه العضلات المفتولة إن كانت المرأة الوحيدة التى يريدها لا ترى فيه رجلاً ..؟! نعم .. سيحيا عبداً لعام واحد .. واحد فقط .. سيعيش فيه العبودية ويستسيغها بكل مرارتها وآلامها .. سيتقبل الهزيمة بقلب رحب ما دامت...