استمع إليه أوسكار في غضب مكبوت وهو يقص عليه ما حدث بينهما من تطورات جذرية .. لم يشفع لها في عينيه أو قلبه ما عرفه للتو بأن خورشيد كان والدها وليس عشيقها كما ظنا سابقاً ..
يكفى أن هذا الأمر زاد فتاه الأحمق تورطاً فيها ..
من وجهة نظره .. باسل شاب ساذج يمتلك قلب طفل لم يتلوث بعد بخبرات الحياة وخباياها .. أما هي .. فقد مرت بكم من الخبرات السيئة يكفى ليجعل منها مريضة نفسياً .. ولكم يخشى أن تنقل عدواها لذلك المسكين المتيم بها ..!
تنهد بصبر نافذ عندما راح باسل يلوم نفسه ويوبخها على كل ما سببه لها من إهانات وألم نتيجة جهله وحماقته .. وكأنها ليست هي من أخفت عنه أسرارها بحرفية فاقت إجرام والدها ؟!
ولكنه رغم كل مخاوفه وقلقه الذى تضاعف بسببها .. لم يجد في نفسه القدرة على الاعتراض بشأن انتقالها للسكن معه ..
ومن يكون هو حتى يمنع القدر ..؟!
ماضيه البشع يسخر منه .. يصر على أن يعيد نفسه مجدداً غير عابئ بتوسلاته وتضرعاته ليل نهار .. تجسد فوق ملامح عملاقه المسكين وراح يكشر عن أنيابه في وحشية وتحدٍ مقيت ...
نهض أخيراً وربت على ذراعه بابتسامة باهتة لم يحاول دعمها بكلمة طيبة وتهنئة مزيفة .. فأمسك باسل بمعصمه قائلاً :
- أوسكار .. لا تقلق لأجلى .. ندى ليست كارولين
تنهد أوسكار بمرارة وهو يتطلع إليه فى مزيج من الحنان والإشفاق وما لبث أن غادر الغرفة متمنياً له حظاً موفقاً*****
شقته الصغيرة بغرفتيها وردهتها الضيقة تحولت إلى جنة بوجودها فيها .. الورود التي اشتراها كلها من عبدالله الأسبوع الماضي وأهداها لها .. وزعتها في انسجام ورونق بين كل زواياها .. المطبخ والحمام المكتنز نالا نصيبهما من الغنيمة ..
حتى ما جف منها عبيره لم يضمحل بعد ..
اشترى لها ثوباً فضفاضاً لترتديه في المنزل مع ذاك الذى كاد أن يبلى لفرط ما غسلته .. سوف يشترى لها المزيد كلما حصل على نقود من عمله .. دخل إلى الشقة ونادها في لهفة ارتد صداها كلكمة إلى صدره .. لم تكن قد عادت بعد من عملها الذى أصرت على العودة إليه رغم اعتراضه
بدل ملابسه وجلس ينتظرها ساخطاً لتساعده في إعداد الطعام .. لم يكن في حاجة لمساعدتها الواهية بقدر ما كان يريدها أن تتعلم بعض الواجبات البسيطة وتلتزم بها .. قليل من الإحساس بالمسئولية نحوه .. ونحو أبناءه مستقبلاً۔۔۔۔۔
عادت أخيراً وتطلعت إليه متهللة قبل أن تقترب لتطبع على وجنتيه قبلاتها التي تبدد ثورته قبل أن يبدأها .. جاهد ليبدو حازماً وهو يعنفها :
- كم مرة أخبرتك بضرورة العودة من عملك قبل عودتي ؟
- وأنا أيضاً أخبرتك بأن لا تكن متسلطاً
آهِ .. لو يدرى بأن كلماته الطائشة .. تلك التي ينطق بها بلا وعى ولا تفكير .. رصاصات تعرف طريقها إلى قلبها وتدميه .. حياة يقتات بها عشق وحشى ينمو كل يوم حتى كاد يمزق أضلعها ويعبر منها ليبتلعها بلا شفقة أو رحمة ....
- استقبالك لي يجعل الأمر مختلف
- لم يكن عبدالله قد عاد بعد .. ماذا تريدني أن أفعل ؟
- سأتحدث مع عبدالله في هذا الشأن .. والآن اذهبي لتبدلي ملابسك حتى تساعديني في إعداد المائدة
ما أن دخلت إلى غرفتها حتى عادت إليه تحمل الثوب الجديد الذى وضعه فوق فراشها وهى تهتف في سعادة :
- باسل .. هل هذا لأجلى ؟
هز رأسه مبتسماً فأسرعت إلى غرفتها مجدداً .. لم تدم لهفته طويلاً وهو ينتظر رؤيتها به .. خرجت كالبرق وراحت تدور حول نفسها كطفلة في ليلة عيد .. مقاسه يناسبها تماماً .. لونه الأبيض ازداد نقاءً عندما عانق بشرتها الوردية ..
تقدمت منه لتحيط عنقه بذراعيها وتمس شفتيه بقبلة امتنان صغيرة هدمت كماً من أسوار يحرص على زرعها بينهما كل يوم منذ أتيا إلى هنا .. هذه الشيطانة الصغيرة .. كيف يحق لها بعد ذلك أن تتهمه بمحاولة إغوائها ؟!
غمغم بصوت مختنق :
- هيا لتساعديني
- من ترتدى ثوباً أبيض لا تدخل المطبخ
- من زعم هذا ؟
- أنا
جذبها فى مرح إلى المطبخ رغم استنكارها ومشاكستها التي تغريه لابتلاعها حية .. لولا بقايا من عقل سلبته أيضاً ....*****
كلما اشتاق إليها تجدد حماسه للسباق مع الزمن حتى تغدو جائزته .. كل نجاح يحرزه بمثابة درجة تحمله علواً ليبلغها .. وهو لن يكف عن النجاح طالما شوقه إليها لن يهدأ أبداً
لم يعد أوسكار وحده هو المهتم بموهبته وإن كان لايزال الراعي الرسمي لها .. عديدون التفوا حوله مؤخراً وبدأوا يراقبونه عن كثب كما تراقب الصقور فرائسها .. تبقى له أقل من أسبوعين على خوض المباراة الأخيرة في هذه البطولة .. فوزه بها سوف يحدد ماهيته القادمة ..
أما هذه المباراة التي أنهاها للتو بفوز ساحق فقد لا تمثل أهمية له تذكر .. اعتاد التصفيق والإطراء بعد كل جولة شبيهة حتى بات يمل ويتذمر .. عدسات الكاميرات أصبحت تصيبه بشيء من العمى المؤقت .. صفير الإعجاب يصيبه بالصمم أحياناً .. وحتى ولع الفتيات به حد البكاء ما بات يؤثر فيه
رفع ذراعيه لتحية جمهوره الذى يزداد تعلقاً به بعد كل مباراة .. استدار يحدق في ذلك الوحش الآدمي الذى اقترب ليربت على كتفه في قوة قائلاً :
- مايكل جوناثان
انصرف بعدها قبل أن ينتظر تعليقه .. تابعه باسل في دهشة ضاعفتها صيحات الجمهور التي تعالت فجأة وكأنها ترحب بلقائه بهذا الغريب المتحفظ..
تنبه إلى أوسكار الذى اقترب منه في وجوم قائلاً :
- ماذا قال لك ؟
- من تقصد ؟
- مايكل جوناثان
- هل تعرفه ؟
- لا تقل بأنك لم تسمع عنه من قبل ..!
- اسمه يبدو مألوفاً لي .. ولكن .....
برقت عيناه فجأة وضحك في عصبية قائلاً :
- يا إلهى .. أيعقل أن يكون هو ذلك المدرب الأمريكي صانع النجوم ؟
- تبدو سعيداً بمقابلته القصيرة
- ومن لا يسعد بها ؟!
- أيعنى ذلك بأنك قد توافق على السفر معه إلى أمريكا ؟
- بالطبع۔۔۔۔۔
- وتتركني بعد كل النجاح الذى أحرزناه معاً ؟!
- تعال معي
- حتى أصبح ظلاً لـ مايكل جوناثان .. أليس كذلك ؟!
- لا تعقد الأمور .. يمكننا أن نعمل سوياً
- مستحيل .. هذا لن يحدث أبداً۔۔۔۔۔۔
أنت تقرأ
في قبضتي
Short Storyتطلع إلى نفسه فى المرآة ساخطاً : ما جدوى كل هذه العضلات المفتولة إن كانت المرأة الوحيدة التى يريدها لا ترى فيه رجلاً ..؟! نعم .. سيحيا عبداً لعام واحد .. واحد فقط .. سيعيش فيه العبودية ويستسيغها بكل مرارتها وآلامها .. سيتقبل الهزيمة بقلب رحب ما دامت...