19- حبيبي...
تسمرت عيناها فوق صورته في عشق لم تنجح سنوات الهجر في نزعه من قلبها الذى ازداد تعلقاً به رغم الفراق .. الجرائد والمجلات التي تنشر صوره وأخباره تستنزف جزءاً كبيراً من ميزانيتها البسيطة التي تتحصل عليها من عملها في مصنع الملابس .. لكن ذلك لا يؤرقها .. لو أمكنها أن تشترى كل الجرائد والمجلات حتى لا يراه سواها لفعلت بلا تردد ..
بقدر سعادتها لأجله كانت تشعر بالغيرة من كل معجباته ..
تنهدت في حنين وهى تتذكر رحلتها الأخيرة التي رأته فيها الشهر قبل الماضي .. لم يعد يختلف عن المحترفين العمالقة سوى في وسامته التي جذبت الأنظار إليه وأثارت فيها المزيد من الشوق والشجن ..
عيناه يومها كانت تشع ناراً لا بريقاً .. شعرت بخوف شديد منه ورغبة أشد تدعوها للاقتراب ورمى نفسها بين ذراعيه .. تريد أن تتأكد من كونه لن يقتلها حال رآها مصادفة ..
ترى .. ألا زالت قبضته الحديدية تتحول حريراً ما أن يضمها إليه ..؟ وماذا عن أنفاسه التي تحرق خصومه وتصهرهم .. هل بقيت على عهدها معها .. نسيماً يداعب بشرتها كلما اقترب منها ؟
تأخرت كثيراً لتدرك أن خوفها كان مرضياً لا أكثر .. أوهام جسدتها كوابيس طفولة بائسة عاشتها قبل أن تراه .. أعداء باسل يختلفون كثيراً عن أعداء خورشيد .. عمله لا يجرمه القانون .. طموحه مشروع لا يطارده أحد .. ولكن .. لو أخبرته بشأن أوهامها التي اقامت كل تلك الحواجز بينهما .. أتراه سوف يصدقها ؟
ألا زال يعشقها ؟ وهل حقاً كان يعشقها ؟لم يتزوج بعد .. عدا لارا التي تلتصق به كظله أينما ذهب لا نساء في حياته .. ولكن إلى أي مدى وصلت علاقته بهذه المتوحشة ؟
قرأت تصريحاً لـ جوناثان في إحدى المجلات بأن باسل تلقى عروضاً كثيرة للعمل في حقل السينما وعروض الأزياء وشتى شركات الدعاية أيضاً .. ولكنه لا يفكر حالياً في قبول أي من العروض المقدمة له .. وحشه الوسيم لا يجيد إلا القتال والمصارعة الحرة .. فهي همه الأوحد حتى الآن
عشاقه الذين استنكروا عليه أن يحرمهم من رؤيته بشكل دائم على شاشات السينما والتلفاز يزيدون إلحاحاً ويدعونه لقبول كل العروض مجتمعه .. لا زلوا يتضاعفون عدداً رغم القسوة التي أصبحت طابع مميز لجبهته .. ورغم بصمته العنيفة التي يتركها على منافسيه بعد كل مبارياته ...
- هذا المصارع مجدداً ؟ يبدو أنه يسحرك أنت أيضاً .. وأنا من ظننتك تختلفين عن بقية الفتيات ..!
انتفضت من شرودها وابتسمت في عصبية لـ باولو الذى ضبطها متلبسة بشوقها اليه .. بادلها ابتسامتها وهو يتابع مازحاً :
- استيقظي أيتها الحالمة .. ليون يريد التعديلات التي أجريتها على التصميم الأخير
- نحن في فترة الراحة حالياً
تطلع إلى ساعته قائلاً :
- انتهت منذ خمس دقائق .. هيا قبل أن يأتي بنفسه ليعنفك
هتفت في غيظ :
- من يرى تحكمات هذا اللص يظنه يجزل لي العطاء مقابل أفكاري الذى يسرقها وينسبها لنفسه ..
- لا تغتمي كثيراً .. فتصميماتك لم تجعل منه مصمماً عالمياً بعد
- العيب ليس في تصميماتي بل في الخامات الرديئة التي يستخدمها هذا البخيل لتنفيذها
- لمَ لا تنظري للجانب المشرق في الأمر ..؟ ألا يكفى أن راتبك هنا مهما كان ضئيلاً قد أنقذك من التسول ؟ 2 a
هتفت فيه ساخطة :
- هل تعلم يا باولو بأنك ستبقى أجيراً ولن تمتلك مشروعك الخاص أبداً .. وذلك رغم موهبتك الفذة في تنفيذ التصميمات وتطريزها ؟
نظر إليها مستنكراً فأردفت في تأكيد :
- من يرض بالفتات التي يمن بها الأخرين عليه سيأتي يوماً ويفقدها هي أيضاً
ضحك باولو في لامبالاة قائلاً :
- لا بأس .. عندما تمتلكين أنت مشروعك الخاص خذيني لأعمل عندك .. وأعدك بأن يفوق ولائي لكِ ولائي لـ ليون
همت أن تعلق بقول لاذع آخر لولا وصول ليون بوجهه العابس وعيناه التي ينبعث منها الشرر لقتل أي اعتراض قبل أن يولد منها .. هتف في لهجة خشنة :
- أنسة ندى .. أريد الرسومات الأخيرة حالاً على مكتبي
- لكنني لم أنته منها بعد
- وكيف ستنتهين منها وأنت تجلسين هنا لشرب العصائر وتصفح المجلات ؟
أمسك بالمجلة وراح يقلب صفحاتها في عصبية وما لبث أن ألقى بها أرضاً وهو يصرخ في المزيد من الضجر :
- وليتك تقرئين في مجلات الموضة والأزياء لوجدت لنفسك حجة تبررين بها كسلك واستهتارك
لم يغضبها سلوكه الجاحد معها بقدر ما أغضبها أنه ألقى بالمجلة التي تزين غلافها صورة باسل أرضاً فهتفت به في عنف :
- ليس من حقك أن تفعل ذلك حتى وإن كان ما أقرأه لا يروقك
- لن يدهشني عنفك ما دمت تتخذين من هذه الوحوش الأدمية قدوة لكِ
- لو كان هنا الآن لـكـ......
ابتسم في تهكم فتبهت إلى حماقتها وأحنت رأسها صامتة .. بينما عاد هو يتابع في شراسة لا تعلم من قدوته فيها :- هو ليس هنا .. ولن يكون هنا أبداً ليدافع عنكِ .. استيقظي من أحلامك واهتمي بواقعك خير لكِ
كلماته تعنى لها الكثير حتى وإن كان هذا الأحمق قد ألقاها مصادفة ولم يفهمها .. باسل لن يكون هنا أبداً ليدافع عنها .. أغمضت عينيها في ألم ولكن مظهرها البائس لم يخفف من قسوته وهو يردف في تشف :
- أمامك ساعة على الأكثر حتى تنتهى من عملك المتأخر .. إن لم أجده فوق مكتبي بعدها .. لا تلومي إلا نفسكما أن ابتعد حتى زفر باولو قائلاً :
- حاولت أن أجنبك هذا الموقف لكنك لم تساعديني
رمقته ساخطة وذهبت مرغمة لتنتهي من تعديل التصميم الذى يريده هذا المتسلط البغيض .. يا له من زمن عجلته لا تكل ولا تسهو .. لو أنه يصفح عنها ويعود بها بضع سنوات للوراء .. لقيدت ليون هذا بسلاسل من الحديد وأوسعته ضرباً حتى يصرخ ويطلب الرحمة
أنت تقرأ
في قبضتي
Short Storyتطلع إلى نفسه فى المرآة ساخطاً : ما جدوى كل هذه العضلات المفتولة إن كانت المرأة الوحيدة التى يريدها لا ترى فيه رجلاً ..؟! نعم .. سيحيا عبداً لعام واحد .. واحد فقط .. سيعيش فيه العبودية ويستسيغها بكل مرارتها وآلامها .. سيتقبل الهزيمة بقلب رحب ما دامت...