13- اشتياق ...
كاد الأسبوع أن ينتهى دون أن ينتهى بعد تجهم أوسكار الذى التصق بوجهه كجلده حتى امتلأ باسل ضيقاً وفاق شعوره بالتذمر شعوره السابق بالذنب .. عدا نظراته الشاردة وكلماته المقتضبة لتوجيهه أثناء التدريب .. كان يتجنبه .. حتى طعامه أصبح يتناوله في غرفته تجنباً للاحتكاك به .. وكأنه اكتفى من رؤيته مرغماً طيلة فترة المران ..!
يبدو أنه لا مفر من المواجهة العلنية .. فهو يكره أن يبقى في صراع معه للأبد .. إن كان قد تغاضى عن خطئه فلمَ لا يغفره أيضاً ؟
حمل صينية طعامه وذهب بها إلى غرفته .. طرق بابه بهدوء ودلف إليها مبتسماً ما ان سمح له بالدخول .. رفع بصره إليه في دهشة ولكنه ما لبث أن عاد لالتهام طعامه صامتاً .. غمغم باسل في هدوء :
- منذ فترة لم نتناول طعامنا معاً
- نعم .. من ستة أيام
ابتسم باسل في عصبية قائلاً :
- أتيت لأعتذر لك
استمر أوسكار في تناول طعامه غير عابئ بوقوفه حاملاً طعامه على مقربة منه .. فأردف باسل بعد فترة :
- هل أجلس أم أذهب ؟
أجابه دون أن ينظر إليه :
- اجلس
ابتسم باسل وهو يتطلع إليه في حب انعكس على وجه أوسكار الذى قال وهو يرمقه معاتباً :
- فى المرة القادمة .. عندما يداهمك ذلك الجنون لرؤيتها .. اطلب منها أن تأتى لزيارتك هنا
هتف باسل في سعادة طفل صغير :
- أحقاً ..؟ هل هذا مسموح به هنا ؟
- سنعتبره استثناءً
ربت باسل على كفه في امتنان .. فتنهد أوسكار قائلاً :
- على أية حال .. هذا أفضل كثيراً من كسر عنقك وهدم كل ما بنيناه معاً
ضحك باسل وراح يتناول طعامه في شهية لم يشعر بها منذ غضبه عليه .. تطلع إليه أوسكار مستنكراً ثم مبتسماً قبل أن يحذو حذوه ويشاركه بذات الشهية .. ما أجمل أن تعود الحميمية بينهما مجدداً ..!
في اليوم التالي.. كانت الشمس قد بدأت في المغيب وكانا يتسامران معاً في حديقة المعسكر عندما فوجئ أوسكار بمجيئها .. وكأنه كان ينتظر موافقته على السماح لها بزيارته .. ربما لهذا السبب بقى شارداً اليوم كله .. وحتى خلال التدريب ..!
راح يراقبه وهو ينهض لاستقبالها في عتاب لا يخلو من اللهفة بينما اقتربت هي منه في حذر أثار حفيظة أوسكار بالأكثر نحوها .. لا تبدو متيمة به بذات المقدار .. عشقه لها أعنف وأخطر .. سوف تدمر مستقبله إذا استمر الوضع بينهما على هذا المنوال ...
...
استأذن مرغماً ليعفيه من حرج مبادرته بالتخلص منه .. وما أن ابتعد حتى همس باسل معاتباً :
- لماذا تأخرت ؟
- أردت أن أمنحك الوقت لتنتهي من مرانك
- ولكن هذا يعنى بأنك لن تمكثي معي طويلاً
- ما دمت تعرف هذا فكف عن توبيخي وقل شيئاً أكثر تشويقاً
ابتسم في حنين وهو ينظر إلى الوردة الحمراء التي تمسك بها فقدمتها له صامتة .. ارتبكت عندما راح يستنشق عبيرها في نشوة قبل أن يقربها من فمه ويقبلها متيماً .. هتفت في عفرتة ربما للتخلص من انفعالاتها لتصرفه غير المتوقع :
- حذار أن تأكلها أيها المفترس
ضحك في مرح واستمرا بعدها في الثرثرة طويلاً .. أسعده أن تكون أفضل حالاً مما تركها عليه في المرة السابقة .. تبدو واثقة ومطمئنة وأكثر هدوءاً أيضاً .. وكأنها كبرت في أسبوع واحد ..
همت بالانصراف عندما استوقفها قائلاً :
- انتظري .. سأكتب لكِ شيكاً لربما احتجت شيئاً
- كلا .. لا تحمل همى .. سأحصل على راتبي قريباً
تطلع إليها في صدمة فأردفت في نبرة جاهدت لتبدو قوية :
- وجدت عملاً في كشك صغير لبيع الزهور
- وما حاجتك لهذا العمل ؟ لديك نقوداً تكفيكِ طويلاً .. عندما أخرج من هنا سأعيدها كلها لكِ
- أخبرتني سابقاً بأن هذه النقود للطوارئ فقط
- لا بأس من منحك بعض الرفاهية .. أكد لي أوسكار بأنني سأفوز حتماً بهذه المسابقة .. حينها سيكون معي الكثير من المال و.....
- المسألة لا تتعلق بالمال وحده .. أنا في حاجة للاعتماد على نفسى .. أشعر بأنني أفضل حالاً .. لم أعد خائفة كما كنت سابقاً
- لماذا لم تخبريني منذ وصولك عن عملك هذا ..؟ سهوت بلسانك مصادفة .. وكأنك كنت تريدين إخفاء الأمر عنى
- كنت أحاول تأجيل تلك المحاضرة الطويلة منك بقدر المستطاع
- تعلمين كم أخاف عليك ..
- خوفكما ضاعف خوفي ووطنه داخلي
كان يعلم من تقصد معه .. تجاهل مغزاها وهو يتأملها في مزيج من الغضب والحيرة قبل أن يسألها :
- كيف حصلت على هذه الوظيفة ؟
- عن طريق الإعلان الذى علقه عبدالله على باب الكشك
- ومن هو عبدالله ؟
- شاب طيب .. من أصل أردني .. يسرح بوروده كل الوقت ويحتاج لمن يبقى في الكشك فترة غيابه
- وماذا عن أخلاقه ؟
- لا بأس بها
- ألم يطلب منكِ أن تسرحي بالورود معه في الشوارع ؟
ضحكت في مرح قائلة :
- ليس بعد
زفر في عصبية وهو يزداد تشبثاً بكفيها حتى حررتهما منه عنوة وخطفت حقيبتها لتبتعد قائلة :
- يكفى هذا .. أوسكار يتطلع إلينا في غضب .. لن أنتظر حتى يأتي ويطردني بنفسه
استدار ليتطلع إلى أوسكار بدوره .. كان يبدو غاضباً بالفعل .. تركها تذهب مرغماً وهو يمطرها بوابل من التحذيرات والنصائح حتى غادرت المعسكر .. بقى ساكناً في مكانه فترة قبل أن يستدير ليذهب إلى غرفته .. في طريقه تصنع ابتسامة لم تقنع أوسكار .. ولكنه لن يلتفت لغضبه الآن .. تكفيه معاناته ...
*****
أنت تقرأ
في قبضتي
Short Storyتطلع إلى نفسه فى المرآة ساخطاً : ما جدوى كل هذه العضلات المفتولة إن كانت المرأة الوحيدة التى يريدها لا ترى فيه رجلاً ..؟! نعم .. سيحيا عبداً لعام واحد .. واحد فقط .. سيعيش فيه العبودية ويستسيغها بكل مرارتها وآلامها .. سيتقبل الهزيمة بقلب رحب ما دامت...