اتسعت عيناه في دهشة عندما عادت إلى الغرفة بعد دقائق معدودة وقد بدلت ملابسها بالفعل .. لم تفعلها يوماً بهذه السرعة ..!
وقفت أمام المرآة لتمشط شعرها .. رفعته لأعلى وهمت بتغطيته بآخر أشقر اللون فاقترب ليمسك بيدها قائلاً :
- لماذا ؟ لونه الطبيعي أفضل كثيراً
- أخشى أن يتعرفوا علىَ
- لا أحد يعرفنا هنا
تطلعت إليه في قلق فأردف في جدية :
- لا أريدك أن تخافي أحداً بعد الآن .. لا هنا ولا في أي مكان آخر
امتزج القلق في عينيها ببعض الألم وهى تغمغم وكأنها تحدث نفسها :
- قتلوا والدتي من قبل .. حتى خورشيد نفسه لم يستطع حمايتها
قطب حاجبيه وصمت لحظات ليستوعب ما صرحت به مصادفة قبل أن ينتزع المشابك من شعرها لينسدل فوق كتفيها قائلاً :
- هيا بنا
ساد الصمت طويلاً وهى تلاحق خطواته في عصبية دون أن تكف عن مراقبة كل من حولها في قلق .. سألها في هدوء :
- ماذا بكِ .. ألا زلت خائفة ؟
- أشعر وكأنني عارية .. لا مساحيق تجميل .. ولا شعر مستعار.. لم أعتد السير في الشوارع بهذا المنظر
- اعتبري نفسك ولدت اليوم من جديد
التفتت إليه في شك ورجاء .. فعاد يسألها في فضول :
- لم تخبريني بعد .. أين والدك من كل هذا ؟
تنهدت في أسى قبل أن تغمغم بعد فترة :
- قتلوه هو أيضاً
توقف عن السير وتسمرت عيناه فوق ملامحها في إشفاق جعلها تدمع مرغمة .. فراح يدور حول نفسه وكأنه يلتمس معونة يعينها بها .. داهمته رغبة في مواساتها بلغت حد المعاناة معها .. بحث طويلاً عن كلمات منمقة من تلك التي يتفوهون بها في مثل هذه الكوارث .. هتف فجأة :
- سأشترى لكِ بيتزا
ضحكت في مرارة قائلة :
- هل أشفقت علىَ بعد أن علمت بأنني يتيمة الأبوين ؟
تلعثم في حرج قائلاً :
- كلا بالطبع ..
أشار لأحد مطاعم البيتزا أمامه وأردف :
- تذكرت الأمر مصادفة .. عندما رأيت هذا المطعم .. كفى مشاكسة وانتهزي الفرصة قبل أن أحسبها وأبدل رأيي
- لست جائعة
- كيف هذا ؟ أنت لم تتناولي شيئاً منذ كنا في الطائرة
- دعنا نلحق بموعدك أولاً .. فلنؤجل البيتزا لحين عودتنا
تطلع إليها فى حيرة وما لبث أن أمسك بيدها وضغطها في مواساة صامتة وهو يواصل سيره .. فهمست :
- من الجيد أنك تمتلك قلباً يفوقك حجماً
- وأنت تمتلكين إحساساً أقصر قامة منكِ
- لست قصيرة جداً على أية حال
ما أن وصلا إلى مكان المسابقة حتى ارتجف قلبه كطفل صغير وانتقلت رجفته إلى أصابعه الملتفة حول يدها مما جعلها تلكمه بالأخرى وهى تهتف مازحة : 1 a
- كن أكثر صلابة
ابتسم وهو يعنفها :
- كونى أنتِ أكثر إحساساً وقدري مشاعري .. الفوز في هذه المسابقة يعنى لي الكثير
- لهذا عليك أن تكون أكثر صلابة .. احتفظ باهتمامك لنفسك ولا تظهره للمسئولين عنها حتى لا تبدو لهم متسولاً
تطلع إليها بشيد من الغضب فابتسمت قائلة :
- احتفظ بهذه التكشيرة لهم في الداخل
- شكراً للنصيحة .. والآن اصمتي
تابعت وكأنها لم تسمعه :
- ارفع صدرك لأعلى .. قليل من الكبرياء يليق بك
زفر بصبر نافذ فأردفت في استفزاز :
- رائع .. هذا ما أريده۔۔
أنت تقرأ
في قبضتي
Short Storyتطلع إلى نفسه فى المرآة ساخطاً : ما جدوى كل هذه العضلات المفتولة إن كانت المرأة الوحيدة التى يريدها لا ترى فيه رجلاً ..؟! نعم .. سيحيا عبداً لعام واحد .. واحد فقط .. سيعيش فيه العبودية ويستسيغها بكل مرارتها وآلامها .. سيتقبل الهزيمة بقلب رحب ما دامت...