عندما استيقظ كان الظلام دامساً .. تمطى في ارتياح ومد يده ليضيء المصباح الصغير المجاور لسريره فصدمه مشهد سريرها الخالي .. لم يكن في حاجة لمن يخبره بأنها فعلتها وخرجت للتنزه بمفردها .. تطلع إلى ساعته فتضاعف جنونه .. لقد غفى النهار كله .. ساعات طويلة .. أكثر من ست ساعات كاملة .. فأين ذهبت ؟ تناول هاتفه الجوال وطلب رقم هاتفها متلهفاً إلى ردها بصبر نافذ ولكنها لم ترد .. كرر المحاولة مراراً بلا جدوى .. فأسرع يرتدى ملابسه ويغادر الغرفة بحثاً عنها
دار حول الفندق وحول نفسه في هيستيريا عله يلمحها بين المارة .. ولكن لا أثر لها في كل المحيط الذى وعدت أن تتواجد به .. عض على شفتيه يطارده شعور قاتل بالذنب .. كان عليه أن يكون أكثر إحساساً بالمسئولية التي ارتضى أن يحملها على عاتقه .. ربما هو من زرع في رأسها تلك الفكرة السخيفة التي دعتها للتنزه منفردة .. هو من طلب منها أن تكف عن التعلق به كالأطفال
ترى أين هي الآن ؟ هل هي خائفة ؟ ربما طاردها أحدهم فاختبأت هرباً منه وضلت طريق عودتها إليه .. منحها بعض النقود .. فهل تذكرت أن تحملها معها أم تركتها في الفندق ؟
ماذا لو كانت كررت فعلتها المجنونة واستقلت الحافلة إلى ضاحية منعزلة أخرى لا حياة فيها ؟ كيف ستتصرف حينها ومن سينقذها هذه المرة ؟
كان قد بدأ يهذى عندما رن هاتفه .. لا أحد يعرفه سواها.. أسرع يجيب وهو يصرخ في لهفة :
- أين أنتِ أيتها المستبدة ؟
ضحكت قائلة :
- أنا في مقهى قريب من الفندق أشاهد مباراة لكرة القدم .. اسمه مقهى السعادة .. عذراً .. الضوضاء شديدة فلم أنتبه لرنين الهاتف عندما طلبتني
- لا تتحركي من مكانك حتى أصل إليكِ
- سأنتظرك
أغلق الخط وتوجه مسرعاً للبحث عن ذلك المقهى .. لم يكن بعيداً .. كان قد مر به في طريقه للبحث عنها ولكنه لم يلحظها ربما لشدة الزحام وربما لشرود عقله وانشغاله بها .. تنفس الصعداء ما أن لمحها تلوح له مبتسمة .. تطلع إليها بنظرات يتطاير منها الشرر قبل أن يشاركها الطاولة مع اثنين من الشباب عرفته عليهما في حميمية زادته غيرة وسخطاً
رفعت يدها تطلب له مشروباً ولكنه أسرع وأمسك بأصابعها ليسحبها إلى الخارج غير مبالٍ بالنظرات المستنكرة التي رماه بها أحد الشابين ..
تجاهلت ثورته وهى تتأبط ذراعه قائلة :
- أرجو أن تكون قد نلت كفايتك من النوم
- ونلت كفايتي أكثر من القلق عليك أيتها المستهترة
كانا قد وصلا إلى مطعم البيتزا الذى توقفا عنده أمس .. فأشارت إليه قائلة :
- أنت مديون لي بفطيرة من البيتزا .. ومن النوع الفاخر أيضاً
تفرس في ملامحها ساخطاً .. كيف أصبح أسيراً حتى لإزعاجها المستمر ؟! تبعها صامتاً وهى تدلف مبتسمة إلى المطعم .. لم يجادلها عندما طلبت منه أن يختار أكبرها حجماً حتى يتشاركانها معاً ولا عندما تمادت وطلبت منه أن يتناولانها في المطعم هذه المرة .. ولكنه أرغمها على تناول كميات أكبر مما اعتادته واعترض عندما دعته للعودة إلى مقهى السعادة لمعرفة نتيجة المباراة التي كانت تتابعها مع رفيقيها
تأبطت ذراعه وتركته يقود خطواتها للأمام بينما تعلقت نظراتها بنوافذ العرض على جانب الطريق .. أشارت فجأة إلى حذاء من الجلد الأسود اللامع وهتفت في دلال :
- اشتر لي هذا
نظر إلى حيث أشارت وقال :
- كعبه عالٍ جداً .. ربما يتوجب علينا شراء سيارة قبل أن نشتريه
- أستطيع السير به .. بل والركض أيضاً إذا استدعى الأمر ذلك
- سوف يؤلم قدميك
- ألم تخبرني من قبل أن إحساسي يضاهى قامتي قصراً
ابتسم في تسلية فأردفت :
- يمكن لإحساسي أن يرتقى عندما أرتديه .. وحينها سأكون أكثر لباقة معك
ضحك قائلاً :
- حسناً .. سوف أشتريه لكِ .. فقط انتظري حتى أفوز بجائزة المسابقة .. أخبرني أوسكار بأنني سأحصل على مكافأة مالية كبيرة حال حصولي على المركز الأول
- لسنا مفلسين
- كم مرة يجب أن أخبرك بأن نقودك نستخدمها للطوارئ فقط .. ولا تنسى أننا فى حاجة إلى تأجير مسكن مناسب
برقت عيناها قائلة :
- أخبرني باولو بأن لديهم شقة للإيجار في منزلهم .. ووعدني بأنه سيكرمني كثيراً في سعرها
- من هو باولو ؟
- صديق جديد تعرفت عليه خلال نزهتي .. ذلك الذى كان بصحبتي في مقهى السعادة
- ذلك الأحمق الذى اشتعل غضباً عندما أخذتك وكأنه أقرب إليك منى ..؟
- كنا مندمجين في مشاهدة المباراة ومتحمسين لمعرفة نتيجتها النهائية .. ولكنك أتيت لتفسد كل شيء
- كدت أموت قلقاً عليك بينما أنت تتنزهين بصحبة ذلك الـ باولو ..!
- ما الذى يغضبك ؟
زفر بضيق قائلاً :
- هيا لنعود إلى الفندق
- لم تخبرني بعد .. ما رأيك في السكن بمنزل باولو ؟
ضحكت في مرح عندما تطلع إليها في غيظ قبل أن يتمتم بسباب مطول لها ولـ باولو أيضاً......
أنت تقرأ
في قبضتي
Short Storyتطلع إلى نفسه فى المرآة ساخطاً : ما جدوى كل هذه العضلات المفتولة إن كانت المرأة الوحيدة التى يريدها لا ترى فيه رجلاً ..؟! نعم .. سيحيا عبداً لعام واحد .. واحد فقط .. سيعيش فيه العبودية ويستسيغها بكل مرارتها وآلامها .. سيتقبل الهزيمة بقلب رحب ما دامت...