5. "سررت بلقائكِ."

207 19 52
                                    

"سررت بلقائكِ، إنني ڤي، قائد المخيم." قالها بصوت عميق لم يكن غريبًا عليها أو على أي أحد بتلك الغرفة، بأعين لامعة كعادته و وجه دافيء مُمددًا يده أمامها، و في المقابل لم يجد يدها تُسلم عليه كما توقع بل وجدها واقفة كما هي، ساكنة دون حراك و كأنها تجمدت للتو.

كانت عيناها متسعة، لا تعرف لماذا هي منصدمة .. هل بسبب رؤيتها لوجهه التي لم تظن أنها قد ترااه أم من مُعاملته الغريبة و كأنه لم يكُن ميتًا لمدة سنتان، عقلها فقط لم يستطع إستيعاب الأمر و كأنه قد توقف عن العمل موقفًا جسدها كذلك، و مع مرور دقيقة على هذا الوضع شعرت بقدم چين تُفيقها من الخلف لتجد يدها و بدون تحكم ترتفع مُصافحة ليده.

"م-- مين نابي." قالتها من خلال حلقها الجاف مُتجاهلة الشرارة التي سرت بجسدها لأول مرة منذ فترة طويلة، و بعد مصافحتهم التي جرت لوقت قصير شعرت بجسدها يبرد فجأة بينما كانت يدها تتعرق و أنفاسها تتباطئ لتُحرك قدمها ببطئ حتى تصل للمقعد الذي ألقت جسدها عليه قبل أن يقع أرضًا بسبب قواه التي خارت.

"لقد سمعت الكثير عنكِ." قالها ليجلس أمامها ناظرًا لها بشك و تساؤل بسبب ما حدث للتو، فمن حديث سانا عندها هي كانت أمرأة لا يظهر على وجهها سوى القوة ولا مشاعر غير ذلك، و ما يراه الآن مُختلف تمامًا عما توقعه، لكنه قرر تجاهل الأمر فكل شخص له يومه السيء الذي لا يتصرف به على طبيعته، فربما هي لديها ما يشغلها، "فقط أردت إخباركِ بشيء بما إنكِ قد أخذتي قيادة المُخيم مني، عليكِ معرفة أنني فعلت هذا فقط لقلقي على--"

هي لم تسمع شيء مما قاله بعدها، لم تدخل الكلمات إلى مسامعها حتى تخرج، كان كل شئ صامت حولها، حتى صوت رياح الشتاء لم يكن له وجود بالنسبة لها، كل ما كانت تفعله هو النظر إليه بصدمة داخلية لم تظهر حقًا على ملامحها الباردة، عيناها ظلت تحدق بكل تفصيله به، بداية من خصلات شعره التي تتحرك بسهولة بينما يتحدث، حتى أصابعة الطويلة الموضوعة على الطاولة، صوته العميق الذي تتذكره جيدًا و ملامح وجهه التي تحفظها عن ظهر قلب، ظلت تنظر آملة أن تجد شيء واحد مُختلف عن الشخص الذي في ذكرياتها، شئ واحد فقط يثبت لها بأنه ليس هو، و عندما فشلت فالأمر بدأت بالتساؤل عن الكثير من الأشياء، كيف نجا ؟ ماذا حدث له ؟؟ أين كان كل تلك السنوات ؟! و ..

هل حقًا .. لا يتذكر أي شيء ؟ أم أنه يُعاقبها ؟ يُعاقبها على أنها ذهبت و لم تنظر خلفها ؟ على أنها لم تُحاول البحث عنه ؟ هل كان ينتظرها حتى تنقذه ؟؟ هل كان يُنادي عليها آملًا بأن تسمعه ؟؟ هل خيبت ظنه ؟؟

أجل .. لقد فعلت.

"ما رأيك ؟؟" أفاقها صوته فجأة لتُرمش بعيناها و كأنها تُفيق نفسها الداخلية ثم نظرت حولها لترى الجميع ينظر لها بقلق و دهشة مماثلة لدهشتها فقط واحدة هي التي تنظر لها بتساؤل و الأخر يحاول إخفاء ما يشعر به.

Blank | فَارِغ.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن