.4

534 52 13
                                    


سَمِعَها جونغكوك وهي تُغَني حينَ دلفَ لغرفتِه يومَها، فساقَه الصوتُ مفتونًا بدونِ وعيٍّ إلى ستائرِ نافذتِه كي يختِلسَ نظرَة.
ضلّ يتمعنُ في هيئتِها وهي تجلسُ هناكَ وقد تدّلت قدماها من النافِذَة، تعزفُ على الغيتار، وتطالعُ سَماء الليل، ولأنّ الاعترافَ بالحقِّ فَضيلة، أقرَّ في قرارةِ نفسِه كم أنّها حَسنَاء، وكيفَ يطغى ذلكَ الحُسنُ حينَ تبتسم هكذا، وكأنّها تُغني لشخصٍ بعينِ الخصوص.

كانَ صوتُها ناعِمًا مُطمئِنًا، فراحَ يتساءلُ كيفَ سيكونُ مسمعُه حينَ تتحدثُ معَه طويلاً..

انتهى العَرضُ بعد أغنيتين، وكَم تمنَى لو لَم ينتهي.. أرادَ أنّ يستمعَ أكثر وأكثر، حتى أنه لم يُدرِك أن نافذَته أمسَت مُشرَّعةً بأكملِها إلا حينَ التفتت إليه.

شعرَ بحياءٍ يتسلقُ وجنتيه، ويداه تعبثانِ بالستارة، وراحَ يتلعثم، وقد نسيَّ كيفُ يُسدلُ المرءُ سِتارَة.

" مرحبًا."

لَوّحت له فتصنَمَ الفتى في مكانِه، ثم وبعدَ صمتٍ بدا طويلاً، أجابَ وردَ التحيّة.

" أهلاً.. "

ابتسمت تشَي يُونغ بوّدٍ وهي تشيحُ الغيتار.

" أعتَذِرُ إنّ أزعجتُك. "

كانَ في جعبَتِه مليونَ جوابٍ يصيحُ في دواخلِه كي يُباح، يكفيه فقط أن يختار، إلا أنّ الشيءَ الوحيدَ الذي استطاعَ فعلَه هو هزُّ رأسِه فقط.

" جونغكوك، أليسَ كذلك؟ "

أومأ برأسِه مرةً أخرى، وكأنّه استحالَ إلى إنسانٍ آليّ.

" لم نتعَرف على بعضِنا بشكلٍ لائقٍ بعد. أنا تشَي يُونغ، بالمناسبة.. " قَالت وهي تضحكُ بخَجل.

وجدَ نفسَه يبتسمُ لها رويدًا، ثمَ تنحنحَ وجلسَ على عتبةِ النافذةِ متجاهِلاً الصوتَ الذي يقرقرُ في داخلِّه بأنّ هذه أولُ مرةٍ يقومُ بِهذا، وحينَ رأى ابتسامتَها توسَعَت، عرفَ أنّ ما فعلَه كان صحيحًا.

" أنا جونغكوك. "

مَدَت لهُ يدَها، وعلمًا بأنّه مهما حاولَ لَن يصِل إلا أن امتدت يدُه كالمَطاط، ولكنّه مع ذلكَ مدَ يدَه إلى أقصى حدٍ ممكن، حتى كادَ يقعُ من النافِذَة.
شقهت الفتاةُ ثم ضحِكِت عليه، فثبتَ نفسَه جيدًا وهو يضحكُ متوتِرًا..

بَدا وكأنّ ضحكاتها لحنٌ يُطربُ أذنيه.

" أهذهِ أولُ مرةٍ تكادُ فيها تقعُ من النافِذَة؟ "

ابتسمَ بحياءٍ وهو يحكُ رأسه.

" أجل، إنها أولُ مرةٍ أجلسُ فيها هُنا هَكذا. "

اعتلى التفاجؤ ملامحَها، ولكنها بعدَها ابتسمت وقالت، " آملُ بأنّها لن تكونَ الأخيرة.. "

لم يُجِبها، إنما أكتفى بالضحكِ على ما قالته، رغمَ أنّه في دواخلِه أجابها.

حَتمًا لن تكونَ الأخيرة!

****

عَقَبَاتحيث تعيش القصص. اكتشف الآن