.8

359 41 20
                                    

انتفضَ قلبُ جونغكوك حينَ تعالت صرخاتُ غضبٍّ وخوفٍ واعتذارٍ في ذلكَ الوقتِ المتأخرِ من الليل، وما أخافَه أكثر أنّها أتت من البيتِ المُجاوِر.

حاولَ تجاهُلَها، متجاهلاً كذلكَ الشعورَ الغريب الذي شعرَ به حينَ سمعَ أشلاءً من الحديث، وكيف لا وهم يصرخون بملء أصواتِهم.

سمعَ صوتِ أشياءٍ تتكسرُ ووتبعثر، ربما مزهريةٌ أو أكوابٌ أو زجاج، فحشرَ سماعته في أذنيه ارتجاءَ إخراسِ كلِ تلكَ الأصوات بأغنيةٍ صاخِبَة.

لم يكن التدخلُ في أمورٍ لا تعنِيه سمةً فيه، ولكن حينَ رنَ هاتفُه وظهرَ اسمُها على شاشتِه، أزالَ جونغكوك السماعةَ عن أذنيه وكأنّها أطبقت على روحِه، ثم انتزعَ هاتفَه من الطاولةِ وركضَ نحوَ النافذةِ على عجل.

رآها تقفُ وراءَ نافذتِها المغلقةِ حينَ ابعدَ الستارة عن نافذتِه، تحدقُ به وكأنّها كانت تنتظرُه، تلمعُ الدموعُ على وجهها تحت إضاءةِ غرفتِها.
 
أجابَ بتوترٍ، شاعِرًا بأن كلّ الأشياءِ التي تحطمت بداخلِ ذلكَ البيتِ لم تكن مجردَ أشياءٍ ماديّة، لأنها حينَ تفوهَت باسمِه، أحسَ بصوتِها يتكسر ويتهدّج..

" أتعرفُ مكانًا آمنًا أسيرُ فيه وحدي في هذا الوقتِ من الليل؟ "
تهادى صوتُها بين شهقةِ بكاءٍ واثنتين.

كلُّ مكانٍ في حدودِ الحيّ كان آمنًا، ولم يسبِق أنّ سمعَ عن فعائلٍ شنيعةٍ فيه، ولكن شيئًا كانَ يصرُ عليه بأنّ يكذِبَ عليها، بأنّ يقولَ بأنّه غير آمنٍ حتى في منتصفِ النَهار، علّها بعدَها تطلبُه ونيسًا، ولكن قلبَه كذلك لم يطاوِعه..
لم يرغب بكسرِ قلبِها أكثر، رغمَ أنّه أي شيءٍ يفعلُه لن يكسرَها أيًا كان..

" ستكونينَ آمنةً طالما تجولينَ في حدودِ الحيّ.."

أنهت الاتصالَ بعدَ ذلك، وبعد دقائقٍ قليلةٍ رأى طيفَها أمام بابِ بيتِها، وهي تلبسُ بجامةَ نومٍ فقط!

 
في أصلِ الأمر، لم يكن عليه أن يقلق أو ينزَعِج..
لا تريدُ الفتاةُ شيئًا إلا قليلاً من الخُلوة، وهو يعرفُ أنّها في مأمن، وأقلُ ما كان يجبُ عليه فعلُه هو احترامُ رغبتِها.
وعلى الرغمِ من أنه كررَ في نفسِه كلَّ هذه الأشياء، إلا أنّه وجدَ نفسه ينتشلُ سترتَه ويركضُ على سلالمِ بيتِه.

لم يجدَها حينَ خرج، فأخذَ دراجتَه وتجولَ في الحيّ والمصباحُ الصغيرُ في يدِه، وكلما طالَ الوقتُ أكثر، كلما دبَّ القلقُ في صدرِه..

حاولَ أن يتصلَ بِها، ولكنها كذلكَ لم تجِبه!
كانَ على وشكِ أنّ يبدأ بالصراخِ باسمِها، ولكنه وجدَها أخيرًا عندَ موقفَ الحافلةِ المهجور، بجسدٍ يرتعش معانقةً نفسَها تحتَ وطأةِ ذلكَ البَرد فيما تحركُ ساقيها رويدًا.

عَقَبَاتحيث تعيش القصص. اكتشف الآن