كانَ يعلمُ أنّها لن تبوحَ له بما حدثَ في بيتِها، ويعلمُ كذلكَ أن طرحَ الأسئلةِ سيكونُ غباءً مِنه، كما كانَ يعلمُ كذلكَ أنّ جُلَّ ما تحتاجُه الآنَ ليس شخصًا يتحدثُ مَعها، إنما أذُنًا صاغية.
ولكن من جانبِ الحَق، لا ينكرُ كذلكَ أنه شعرَ بالخيبةِ حينَ اختارَت أن يكونَ صمتُ الليلِ رفيقَها.بعدَ مسيرٍ طويل وعلى مقربٍ من موقفِ الحافلةِ المهجورِ مجددًا، تفوهت الفتاةُ بشيءٍ ما أخيرًا.
" أكانَ الأمرُ صاخبًا؟ "
ورغمَ أنه فهمَ المقصد، إلا أن جوابَه غادرَ فمَه تلقائيًا: همم؟
" تلكَ الأشياءُ المروعة.. في بيتِنا.. سمعتَها، أليسَ كذلك؟"
شعرَ بالسوءِ وهو يومئُ لها برأسِه، لأنه أحسَ بمدى الإحراجِ الذي أحسَت بِه.
" أحذُركَ مسبقًا من بابِ الحيطَة.. ستسمعُ هذا الإزعاجَ عاجلاً أم آجلاً مرةً أخرى. أعتذرُ مقدمًا.. "
" ولِمَّ تعتذرين؟ " قالَ وهو يدسُ يديه في جيوبِه.
" لأننا.. لأننا مزعجون؟ وكذلك.. " سكتت لبرهةٍ ثم أتبعت، " ولأننا جيران، وما فعلناه أمرٌ مشين، ألا تظُن؟ "
لا يستطيعُ أن يطمئنَها بأنّه شيءٌ عاديٌ ولا بأسَ بُه، لأنه طبعًا ليسَ كذلك، فزيادةً على تعكيرِ سلامِه، ما يؤرقُه أكثرَ هو قلقُه عليهِا، ولو قالَ لها لا بأسَ بذلك، لعنى ذلكَ أنه لا يمانعُ مواجهتَها لهذه اللحظاتِ الشنيعة.
يعلمُ بأنّ ما شهدَه اليومَ ليسَ بالشيءِ الجديدِ عليها، وأنها واجهتهُ قبلاً، كما يخبرُه شيءٌ في صدرِه بأنها لم تكن المرةَ الثانية أو الثالثة.أبقى فمَه مطبقًا لبضعِ ثوانٍ، ثم تمتمَ بأسفٍ خفيض.
همهمت له وعانقَت نفسَها، فتساءلَ إنّ أحستَ بالبردِ رغم ارتدائِها سترته، وبعدَها تساءلَ كيفَ هو إحساسُ احتوائها بينَ ذراعيه يا تُرى، وكيفِ سيحسُ لو أنّها قالت لَهُ أنها تُحِبُ دفئه.
أطبقَ عينيه آخذًا نفسًا عميقًا، معنفًا نفسَه لتفكيرِه في أمورٍ كهذهِ في هذه اللحظة.أخبرته بأنّ يذكرَها بأن تعيدَ له سُترته حينَ وصلا لبيتيهما وأصبحا على بعدِ خطواتٍ من الأبواب.
تبادرَ في ذهنِه أنها لا تريدُ أنّ تعيدِ لُه السترةَ الآن، ربما لا تريدُ أن تعيدُها إلا بعدَ أن تنظِفَها، ولكن عقلَه الأخرق، لم يفوّت احتمالاتَ ممكنةٍ أخرى.كانَ على وشكِ أن يخبرَها بأن تحتفظَ بِه لها وفكرُ جمالِها بثيابِه يطوفُ في رأسِه، ولكنه لم يقل.
" إنها سُترتي المُفضلة! أعيديها لي كما هي! " قالَ باسِمًا.
ضحِكَت وهي تبتعدُ عنه نحوَ بيتِها، ثم استدارت للحظة." شكرًا على كلِّ شيءٍ فعلتَه ليَّ الليلة.. لقد عنى ليَ الكثير.. "
ثم سكتت كلُّ الأصواتِ في أذنيه، إلا من صوتِ قلبِه اللاهِف!
أنت تقرأ
عَقَبَات
Genç Kurguوثمَ أنّي كنتُ دائمًا أقفُ في الخطِ الفاصلِ بين اقترابٍ وابتعادٍ، على وَشكٍ وما بعَدَ الوَشكِ غَيبٌ..! ثَمَ أنّي كنتُ دائمًا.. على بُعدِ عَقَبَة! #هذه القصة مُترجَمة من قَبَلي والكاتبة الأصليّة لها هي @cookiewine # لستُ سوى مُترجِمَة