CH23

80 18 0
                                    




كم نحن البشر سُذّج لا نتعلم من أخطائنا فما معنى أن نستغرب حين تُدير لنا الدنيا ظهْرَ المِجَن وتكشِف عن جانبها المظلم؟ ولِما نتوقف عند أحزاننا الصغيرة لنضيع العمر بالأسف على أنفسنا فالدنيا مازالت تخبئ لنا الكثير

كانت خيانة جيرود درسي الأول أما حياتي الجديدة فرُسِمت معالمها ذاك المساء بعد أقل من شهر على إعتقال اركيان

كان حفل خُطوبة كورديليا اليتيري سترتبط دائمًا حَفَلات أسرة اليتيري بمآسيّ

ذهب الجميع لحضوره ليس فضولًا ولا رغبة ولكن لدرء شر ذاك القائد الجاستوني وخطيبته

وإن لم ينطبق الأمر ذاته على ابنتيْ عمتي وقفت سابين بكامل زينتها عند باب حجرتي لتسألني إذا كانت تسريحة شعرها لم تَفقِد هيئتها من الخلف كان سؤالها مدخلا لإحدى تسلياتها الرديئة لأنها قالت بعد ذلك

"لو لم يوقعك حـ حظك السيئ باشـ باشتباكٍ مع كورديليا ، أكـ أكنت ستحضرين حفلها برغبة أو أداء واجب؟"

"كنت سأحضر وأبحث عن جندي يدعى رياموند و.."

غريب ذاك الإحساس الذي أوقفني عن متابعة حديثي الذي كنت سأبادلها به الإستفزاز ولكن شعورًا بعدم جدوى حوارنا وأيضا مالفائدة المرجوه من إغاظتها وتعكير مزاجها وهي في طريقها لما تراه أُنسًا في وقت ندرت أسباب السعادة فيه

فأكملتُ قائلة

"وحين أجِدُه سأخبره بكم هو محظوظ كونه تعرّف بك"

"لئيمة وحقـ حقودة...فلتموتي بغيظك"


تركتني وهي ثائرة إبتسمتُ لأنني أشك بأن تكون قد فَهِمَت ماقلت ، ربما لأننا معتادتين على ذكر إحدانا للأخرى بطريقة سيئة فلم تفهمني وألبَسَت قولي سوء المقصد

غادر الجميع بعربتين إحداهما يقودها الحوذيّ والأخرى راندو فالعمّ دوريان العليل الصدر لا يحتمل قيادة العربة شتاءًا وبإستثناءه و جدتي كانت البقية سعيدة بهذه الدعوة ، كانت الخادمات قد توجهن لمخادعهن باستثناء غوينته التي بقيت هي والفتية بصحبتي في الصالون

شاهدتُ غوينته تكاد تنام وهي جالسة في مكانها فاقتربت منها وربتُّ على كتفها

نظرت إلي بتحفّز ابنة العشرين قائلة

"أهو الباب..؟"


"لا لكن يمكنك الذهاب لمهجعك لا تبقي مستيقظة فسأنتظرعودتهم"

"ولكن.."

"هيا.."


طالما رفضت غوينته أن تقوم إحدى الخادمات بأخذ مكانها في الإنتظار فهي تراها مهمة محصورة بها ولكنها أخيرا أطاعتني بتردد

بعد ذهابها أمسكتُ بكتابي الذي استغربت من تأجيلي قراءته فقد كان يحكي قصة مشوقة بكل شيئ فيها وقد إستطاعت أن تجذبني من الصفحة الاولى

بعد فترة انتبهت للهدوء الغريب فظننت اسبيان وفارون قد غادرا مِلتُ بنظري لأجدهما كتمثالين يراقبانني وابتسامة تسلية تعلوا وجهيهما

"ماذا مابكما؟"

أضحكهما سؤالي ثم قال اسبيان

"ليتك تستطيعين النظر لوجهك قبل قليل لقد كنتِ غاضبة ثم مندهشة وأخيراً تلك الإبتسامة البلهاء"

"مضحك، أفهم أن تكون تلك تسلية لفارون لكن فتى بعمرك تلك سخافة مطلقة"

"نعم أنا هو السخيف وأنتِ من يبتسم لكتاب أهي قصة غرامية"

"وما شأنك أنت"

قلتُ ذلك مغلقة الكتاب ومخفيته وراء ظهري حتى لا يقرأ العنوان لإغاظته فقط لكن الصبي الأصهب استغل الفرصة وتسلل خلفي لينتزعه ويرميه بين يدي اسبيان ، قرأه الأخير بصوتٍ جهوري

"الفرسان الثلاثة امم يبدو شيقا"

استغليت انحناءه لقراءته فأمسكتُ بمقدمة شعره وسحبته حتى ركع على ركبتيه متأوهًا

لم يقاومني رغم أنه يفوقني طولاً

"أعطِني إياه، الآن"

"بيني ارمه لي"

"فارون إن كنت تدرك مصلحتك إبقى بعيدًا"

سلمني اسبيان الكتاب مستسلما فقلتُ بغيض

"تفاهة أليس لديكم تسلية غيري"

"لا فقط البحث عن شيء مسلٍ نطرد به الملل عن أنفسنا"

قال اسبيان ذلك رغم أنه لم يمتدحني بقوله إلا أني فهمت مايعنيه لقد أجبَرَتهُ الظروف على البقاء برفقة فتى يصغره كثيرًا ولم يعد من السهل أن يختلط بصحبته المعتادة قلتُ أخيرا

"سيعجبكما الكتاب إنه يتحدث عن فارس يريد أن يثبت قدراته بين فرسان الملك وخلال تلك الرحلة يتعرف بثلاثة فرسان آخرين وهم.."

تابعتُ سرد القصة وحين وجدت بأنهما لم يفقدا إهتمامهما رحت أتلاعب بصوتي لأضفي إثارة للقصة محاولة تذكر الجمل التي أثّرت بي حتى وصلت لحيث توقفت في القصة

نظرا إلي منتظرين أن أكمل

"حسنا هكذا تَمضي أحداث القصة حتى الآن فأنا مثلكما لن أعرف مالذي سيحدث حتى أكمل قراءتها"

قال اسبيان بإحباط

"تبا أريد أن أعرف البقية"

"مالذي يمنعكِ من إكمالها"

سألني فارون فقلت وأنا أرفع حاجبًا متهكمًا

"ربما متطفلين مزعجين"

إبتسما للوصف ثم سألني اسبيان أن أتابع القراءة حتى أخبرهم بسرعة عما جرى رفعتُ كتابي لأقرأه لكن لم يساعدني وجودهما جالسين على الأريكة المقابلة بنظراتهما الثابتة علي، ضحكت وأخبرتهما بأن وجودهما غير مريح
فكان إن إبتعدا ليجلسا على السلم منتظرين أن أتابع قراءتي بصمت

حاولتُ تجاهل وجودهما ولكن تبادلهما الهمس أزعجني فرجوتهما البقاء في حجرة مغلقة ففعلا

وبعد فترة سمعت الصوت المكتوم لصليل السيوف لقد أثارت حماستهما القصة فحتى اسبيان الذي تخلى عن متابعة رياضة المبارزة وجد حافزًا جديدًا

ادونيا تولينحيث تعيش القصص. اكتشف الآن