١

4.3K 56 4
                                    

في يوم ما سيصبح اليوم هو الأمس ، سيصبح الواقع ماضيا و ستتبدد أوجاعه و أحزانه و تتلاشى منتاثرة كرماد اشتدت به الريح ، في يوم ما سيأتي المستقبل حاضرا بكل أفراحه و آماله محققا أحلاما طال انتظارها ، في يوم ما ستجبر كسورنا و ترمم  و يكسو الفرح قلوبنا
في يوم ما ستمتد الجسور التي تفصل بيننا و بين أمانينا لنعبر الضفة الأخرى بلا خوف بلا حزن بلا مزيد من الأوجاع
.
.
.
.
على اللوح الأسمنتي المطلي باللون الأخضر القاتم ، المسمى بالـ "السبورة المدرسية" و المصنوع في وسط الحائط المقشر المتشرب بالرطوبة  ، رسم بالطباشيرة البيضاء خريطة كبيرة ، و اتناول الاسفنجة المبلولة و مسح وسط الخريطة بحيث اتقسمت على اتنين ، و رسم خط طويل يفصل الخريطة على قسمين…..

- هذا هو الجسر الذي يفصلنا عن الناحية الغربية من البلدة….
- يا أستاذ يا أستاذ هو نحن لشنو ما…..
قاطعو بحزم :
- الأسئلة في نهاية الحصة يا وليد ، و ترفع يدك أول
- آسف
الأستاذ واصل شرحو وقال :
أما شمال المدينة تقع البحيرة التي تجري من الغرب إلى الشرق والشهيرة ببحيرة الـ…
وليد قاطعو للمرة التانية :
- مش يا أستاذ مفروض البحيرة دي يكون فيها سمك ليه ما قاعدين يصطادو منها
قال باختصار :
- مافيها سمك
- ليه مافيها مش درجة حرارة البحيرة وعمقها و المناخ و سرعة المياة كلها مهيئة إنو تعيش فيها أنواع كتيرة من الأسماك؟
الأستاذ ماقدر يرد على وليد و يقول ليهو الحقيقة وفي نفس الوقت أعجب بثقافتو الأكبر من ثقافة طالب عمرو عشرة سنوات في مدرسة في قرية بدائية مستوى التعليم فيها متدني جدا….
الطلاب بدو يتململو لأنهم عارفين وليد لمن يقعد يسأل ، و زمن الفطور جا و الدرس لسه ما انتهى ، الأستاذ لاحظ ليهم وفي اللحظة دي الجرس ضرب للمرة التانية :
- نواصل الحصة الجاية..
..
وليد دخل كراساتو في الشنطة الكانت عبارة عن كيس قماش ، و شالها وطلع.. عادل صحبو جا جاري بوراهو :
- أنت شايل شنطتك مالك في فسحة الفطور
وليد اتجاهلو ومشى جهة الحمامات المهجورة بسبب سوء التصريف و ضعف توصيلات الموية ، و عاين يمين شمال مالقى زول غير عادل الكان ماشي وراهو ، رمى شنطتو بالحيطة و نط نطة عالية مسك في الحيطة و نزل بالجهة التانية و جرى في الشارع جرية سريعة تجاه الغرب، ناحية المنطقة الفيها الجسر…..

..

- نوال يا نوال افتحي الباب ده سريع
نوال فتحت الباب الكان بدق بقوة و عيونها واقعة و وشها شاحب ، قالت بصوت مبحوح :
- في شنو يا سعدى
قالت وهي بتحاكيها بتريقة :
- في شنو ياسعدى ، مافي شي يا برنسيسة بس الليلة يومك و إنتي حضرتك نايمة لي للساعة عشرة و نص
نوال زحت من باب بيتها و قالت :
- كدي أدخلي أشربي ليك كباية شاي و نتفاهم
سعدى دخلت و هي صارة وشها وقعدت و بقت تقول :
- لو الشغلة دي غالباك خلينا نبيع البتاعة دي و أي وحدة تاخد نصيبها
- ياسعدى يا أختي إنتي عارفة مزرعة الدواجن دي أبوي الله يرحمو كان بريدها كيف ووصيتو إننا نقيف فيها بنفسنا و مانبيعها وياها المأكلاك انتي وولدك عيش و روضة أختنا الغلبانة زاتها عايشة عليها
- قصدك شنو مأكلاني أنا وولدي عيش يعني عشان أبوهو شرد خلاهو دايرة تطاعنيني وتقولي لي أنا المحتاجة للشغل أكتر منك ، و بعدين روضة من يوم حصل ليها الحصل و أنا مامقصرة فيها بشتغل يومي و يومها ومابشيل منها شي بخلي ليها حقها كامل وماكلة وشاربة معاي أنا وولدي
- ااي يختي عارفاك وكتر خيرك ، و أنا زاتي لابطاعنك لا بقصد كده
- حسي خليني من النضم الكتير ده و أمشي شوفي شغلتك ياهم كلهم يومين في الأسبوع مابغلبنك
نوال قالت بهدوء :
- سمح ماشة
ونادت بصوت عالي شوية رغم آلام الحلق و بحة الصوت :
- علا يابت ياعلا
جات طفلة عمرها حوالي حداشر سنة غاية في الجمال و البراءة ، وشها المستدير البريئ و لونها الخمري و عيونها الواسعة ورموشها الغزيرة ، وشعرها الطويل الواصل آخر ضهرها مسرح ضفيرتين …
- نعم يمة
- أمشي جيبي رطلين سكر من الدكان النسوي لخالتك سعدى كباية شاي
البت عاينت لخالتها وقالت :
- خالتي سعدى ازيك
سعدى عاينت ليها و قالت :
- ومالك بتسلمي من بعيد كدي؟ باكلك أنا؟؟
علا ما ردت على خالتها وقالت لأمها :
- جيبي القروش
نوال فرتقت الصرة المربوطة في طرف توبة و أدت علا القروش وهي شالتها وجرت
- بتك دي بقت فتاة كبيرة مالك بترسليها الدكان
- أسوي شنو الأولاد في المدرسة
- وصحي هي مالا ما دخلتوها المدرسة لي يوم الليلة
- والله ياسعدى يختي دي السنة التالتة نوديها المدرسة يقولو مافي مقاعد ، براك عارفة ياها مدرسة وااحدة للبنات و فصولها صغااار ومعلمات مافي عشان رواتبن ضعيفة و كل سنة بشيلو عشرين بس
- إنتو لو دفعتو قروش كان دخلتوها و أبوكم مقتدر لكن شكلو كدي داير يقري الأولاد و يخلي البت
نوال سكتت لأنها عارفة أختها ما ينفع معاها الجدال ، وسعدى قامت و قالت وهي طالعة :
- البت دي كبرت تاني ماتخليها تطلع الدكان بملابسها ديل
نوال ما ركزت في كلام أختها لأنها ما صدقت إنها طلعت و ارتاحت من لسانها الطويل لدرجة انها ما مسكتها تشرب الشاي
.
.
.
وليد بعد قطع السوق الكان في نهاية المنطقة طلع على مكان فاضي و مهجور وفيهو نباتات برية وأعشاب قايمة بصورة عشوائية ، بقى ماشي وخايف لأنو مافي زول بتجاوز المكان ده لكن هو كان نفسو يشوف الجسر ، من زمان بسمع إنو الناحية دي محظورة لكن ماعارف السبب و فضولو زاد بعد ما الأستاذ شرحو و رفض يسمع أسئلة عنو ، بقى يفكر بعقلية أكبر من عقلية طفل عمرو عشرة سنوات و يحاول يخمن شنو الأسباب البتخلي الجسر ده مكان ممنوع و لو الواحد قطعو حيلقى شنو من الناحية الغربية…. و أثناء ماهو ماشي وبفكر بدا يظهر ليهو الجسر من بعيد ، مجرد ماشافو شعر برهبة غريبة و خوف و قلبو بقى يدق شديد لكن رغم كده ماوقف و بقى ماشي ناحيتو لغاية ماوقف في بدايتو تماما…
كان جسر قديم و مصنوع من الخشب و الحجر و قدامو مردومة كمية من الصخور و عليها أوساخ متجمعة باين إنها من سنين طويلة و ده كلو معناهو مافي زول قطع الجسر ده من زمن طويل….
سحب نفس عميق وهو بتحاول يتغلب على الخوف المالي قلبو ، وقرب أكتر و بقى بفتش على طريقة يتخطى بيها العقبات دي عشان يقطع الجسر و يشفي فضولو… فضل ينطط من حجر للتاني و يزح الشوك و الاوساخ و يعدي من فوق ليها ، لكن مالقى طريق يوصلو للجسر ، فجأة سمع حركة رجلين وراهو ، اتلفت بخوف مالقى شي قلبو بقى يدق وقرر يرجع مكان ما جا ، وفجأة…. وقع على الأرض على بطنو ، وشعر فوق ضهرو في شي تقيل كاتم على صدرو و أنفاسو ، حاول يصرخ يتحرك يستنجد بس ماقدر…. و بقى شايف قدامو في الأرض ضل شكلو غريب…. ووو…. يتبع…
..
..
مجرد بداية
و الأحداث تتوالى

تابعوني مع فائق تقديري و حبي لكم جميعا

*رحمات صالح*

*الجسر*

الجسرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن