- بطاقتك لو سمحت
وليد طلع بطاقتو و هو مستغرب ناس الأمن الكانو معروفين باللون الأسود في لبسهم و عرباتهم شنو البخليهم يجو هنا ويطلبو بطاقتو ، و كمان يسألوهو :
- عندك شنو هنا ؟
- ما عندي شي بس ساي بتكلم مع عمنا ده
- ما داير أشوفك هنا تاني ، يلا
وليد شال بطاقتو و مشى وهو زايد حيرة و الموقف ده خلاهو يتأكد إنو حكاية الجسر و الوراهو ما شي بسيط و ما شي يتنسي و بقى مصمم أكتر إنو لازم يعرف الحقيقة بأي تمن…..
…
..
عدت أيام و وليد أصابتو حالة خلت عقلو يتشل من التفكير في أي موضوع غير موضوع الجسر ، في الأيام دي كان ولا بمشي المزرعة ولا بتفقد خالاتو و لا علا و لا بمشي لأي زول … لغاية ما جا يوم باب الشارع دق بالمغرب كده ، مشى فتح لقاهو صحبو من زمن المدرسة الاسمو عادل ، سلم عليهو بحرارة وشوق لأنو عادل كان برة البلد لسنوات طويلة ، بعد دخلو وقعدو :
- و مالك يا وليد عينك دي واقعة كده إنت عيان ولا شنو
سرح شوية وقال :
- تتذكر أستاذ عثمان مخلوف؟
- لاحولاااااااا ده الذكرك ليهو شنو
- ماصح تقول لاحولا كده نفيتها من ربنا برضو ، قولها كاملة لاحول ولاقوة إلا بالله
- استغفرنا هههههههه إنت لسه في تنظيرك ده ، وقلت لي أستاذ عثمان مالو
- اتذكرتو بيك حسي، و كمان في موضوع كده شاغلني و حاسي إنو ممكن يساعدني
- موضوع شنو خير ؟
- يا عادل أنا داير أعرف بهناك للجسر في شنو و ليه البلد ديك غامضة كده و مامعروف فيها شنو؟
- والله يا وليد ولا غامضة ولاشي ده عندكم هنا بس ، لكن هي منطقة عادية جدا أنا عندي زول زميلي كان شغال معاي هو من المنطقة دي
- لكن ليه هنا ما بتكلمو عنها و لا عارفين عنها شي
- يمكن بسبب الخلافات القبلية وكده
- خلافات شنو دي
- ماعارف بالضبط لكن هم بكرهونا موت حسب مافهمت من صحبي
- ياخ نفسي بس أقطع الجسر ده
- عارف ياوليد السمعتو أنا إنو الناس دي بهناك عايشة حياة مختلفة من هنا ، مرفهين شديد و كل شي متوفر ليهم التعليم والصحة وكل شي ، لكن للأسف ما بنقدر نستفيد من خدماتهم بسبب الكبري المقفول ده
- عادل لمني في صحبك ده
- لا لا أعفيني من الموضوع ده عليك الله ماتدخلنا في احراجات ساي
- طيب تمشي معاي؟
- وين ؟
- بهناك
- لشنو يعني؟
- اعتبرها رحلة مغامرة أي شي
- امممم طيب بفكر و برد ليك
.
.
بهناك كانت بتنادي بصوت ضعيف :
- يامحمد.. ياسراج.. ياعلا… ياخالد
ده كان ترتيب أولادها الأربعة ، كانت راقدة و هي حاسة بآلام متفرقة في جسمها ، في لحظة حست إنو دي نهايتها و دايرة أولادها يكونو جنبها….
- يمة مالك ، تعبانة؟؟
مدت يدها مسكت يد خالد وقالت :
- لو حصل لي شي خلو بالكم من بعض
شدد على قبضة يدها و قال :
- لا يا أمي ماتقولي كده إنتي حتبقي كويسة ، نحن حسي طوالي نمشي المركز الصحي…
و قام طوالي اتصل على أبوهو و جا وودوها للدكتور الكان طبيب عمومي و مافي غيرو حاليا :
- كدي أشوف لو الغرفة فيها سرير فاضي خلوها معانا للصباح نطمن عليها
و مشى يشوف الغرفة الكانت غرفة وحدة أصلا و فيها أربعة سراير ، و جاهم راجع و قال إنو مافي سرير فاضي لكن في سرير فيهو طفلة صغيرة عندها ملاريا و ممكن ترقد جنبها للصباح
الوقت ده قامت علا اتصلت على وليد و كلمتو ، وهو في خلال دقايق بس كان معاهم و جا لقى مركبين ليها درب بالوريد :
- يا دكتور الحجة دي عندها ضغط وقلب و المسكن ده قوي يمكن ماينفع معاها
- مابسوي ليها شي أنا دايرها ترتاح شوية
وليد سكت وهو مامقتنع بس مابقدر يقول ولا يعمل شي أكتر من إنو يقعد و يتابع بصمت و يخلي ليها بالو...
…
…
أصبح الصباح و الأخوان التلاتة و أبوهم كانو بايتين في الشارع قدام المركز ، و علا كانت جوة جنب أمها ووليد باعتبارو طبيب أشعة كان قريب منها و متابعها ، نوال فتحت عيونها و ابتسمت لمن شافت وليد :
- ياولدي مالك تعبان معانا
- معقولة ياخالتي تقولي كده ؟ يعني أنا فرقي من ناس محمد شنو
- يشهد الله ما بفرزك منهم و كان يومي تم وربك شال أمانتو وصيتي ليك تخلي بالك من أختك دي
وليد تلقائيا اتلفت عاين ليها وهي اتضايقت من الكلمة و اتضايقت أكتر من كلام أمها عن الموت وقالت :
- يمة ماتقولي كده إنتي كويسة
ورجعت عاينت لوليد بنظرة غريبة هو مافهمها و تلاقت عيونهم لثواني بعدها دموعها جرت بكثافة ماقدرت تسيطر عليها
- أخبار أمنا شنو؟
اتلفتو الاتنين على الدكتور الجا داخل وهو المناوب بالصباح ، و جا كشف عليها بالسماعة و قاس ليها الضغط وسألها إذا كانت بتشكي من شي قالت حاسة بفتور و صداع و طشاش في عيونها ، وعاين للعبوة المعلقة في شماعة الدرب و قال :
- الدوا ده الأداهو ليها منو؟
وليد رد :
- الدكتور الكان هنا أمس
- امممم طيب طيب
- في شي ؟
الدكتور قال وهو بتهرب :
- لا مافي إلا كل خير ، أنا حأكتب ليها على روشتة تاخدوها و ممكن تطلعو
وليد خمن إنو الدكتور ده بغطي على غلطة غلطها زميلو وكمان اتوقع إنو الأدوية دي محاولة إنو يتدارك الموضوع…
وكان حيطلع من الغرفة عشان يطمن الكانو منتظرين برة لكن قبل مايطلع سمع علا بتصرخ :
- يمة… يمة مالك… يادكتور ياوليد ألحقونا
وليد جا جاري لقى خالتو متشنجة و عيونها شاخصة لفوق ، و أقل من دقيقتين كانت سكنت تماما و سلمت الروح للخلقها
….
….
- لا أنا أمي مامشت خلتني يا خالتو سعدى صحيها هي حتصحى بتكون نايمة ساي
سعدى حضنتها ليها و هي بتنتحب وتبكي أختها الماتت بدون ماتودعها ولا تشوفها…
- الله يصبرك يابتي ، أدخلي ودعيها و أخدي عفوها قبل ما يغطو وشها
علا جرت جوة و قعدت في الارض جنب راس أمها المتوفية و بقت تقول :
- عشانك حأصبر بس عفوك ورضاك يمة عفوك ورضاك و ربنا يصبرني
…
..
اليوم التالت للعزاء… و قبل رفع الفراش بشوية :
وليد كان لافي بين الناس و بكرر نفس الكلام البقول فيهو اليومين الفاتو :
- عاجبكم كده ؟ الناس بتموت عشان مافي دكتور واحد متخصص عارف يشتغل في القرية دي ، عشان أدوية غلط بتتصرف و مافي زول بحاسب زول ، عشان القرية كلها مافيها غير عنبر واحد بأربعة سراير أما المريض الخامس ده يروح فيها… عاجبكم حالكم ده؟ زول يرد علي
زوج خالتو المرحومة قال و هو صوتو مليان وجع وحسرة :
- خلاص يا ولدي الحصل حصل قضاء وقدر
- معليش يا خال ده بالذات قمة الضعف و الاستسلام ، ماعندنا اعتراض على القدر لو كان كل زول عمل العليهو لكن نسكت و نحن شايفين القرية بالوضع ده ؟
- حنعمل شنو يعني؟
- إنتو عارفين بهناك للقرية بعد الجسر طوالي في شنو ؟ في ناس عايشة و عندهم كل مقومات الحياة الأساسية ده هنا على بعد كيلومترات بس
طوالي قام واحد من المعزين سحبو من يدو و أجبرو يقعد و قال :
- يا ولد أقعد و بطل البتسوي فوقو ده ، لو وفاة خالتك جننتك كده لازم تصبر عشان أولادها مايشوفوك بالحال ده و يزيد العليهم
وليد سحب نفس بضيق و هو حاسي إنو بنفخ في قربة مقدودة أو بكلم جمادات و مافي زول حيفهمو…..
قام من مكانو وهو معصب ، و قال قبل مايطلع من الصيوان وهو فاقد أعصابو تماما و ماقادر يتحكم في كلماتو :
- لو مافيكم راجل يجيب حق الغلبانة الراحت فيها دي أنا بجيبو ، و ربي المعبود أجيبو و إنتو أقعدو اتفرجو بس
.
.
يتبع
الجسر
بقلمي : رحمات صالح
مع خالص تحياتي