٢

1.7K 34 1
                                    

صحى من نومو بفزع ، نفس الحلم البشوفو من سطاشر سنة ، كابوس ملاحقو يعيد تفاصيل يوم الجسر.. الشعور الموحش و الرعب و الشي الرماهو وطلع على ضهرو… الجروح الاتعرض ليها وسببت ليهو تسمم و حمى لأيام ، أسئلة أمو الكتيرة ورفضو إنو يقول الحقيقة وهو نفسو ماعارف ليه داسي منها و ليه ماقادر ينسى اليوم ده ولا قادر ينسى حكاية الجسر كلها….
قام من سريرو وشال تلفونو عاين للساعة لقاها تسعة و ربع ، اتأفف بملل ، لسه بدري أحسن يرجع ينوم و يقلل ساعات اليوم الطويلة دي…
- وليد ، قوم يا ولد نايم لي النهار كلو قوم شوف ليك شغلة بدل قاعد لي عاطل كده
ما رد ، أصلا حيرد يقول شنو وهو نفس الكلام بتعاد يوميا ، عاطل دي ما بإرادتو لأنو القرية دي ماعارف يشتغل فيها و كمان مابقدر يطلع منها و يسيب أمو سعدى وخالتو روضة الماعندهم غيرو ، كفاية سنوات الدراسة القضاها بعيد وهو شايل همهم بس كان فاكر إنو مجرد مايتخرج ويشيل شهادتو الأبواب حتتفتح في وشو خصوصا إنو طول حياتو الدراسية متفوق ومافي زول بنافسو و دخل أحسن الجامعات واتخرج بمسمى طبيب أشعة…
- وقت أصلك ما داير تشد حيلك و تشوف ليك شغلة قوم على مزرعة الدواجن أنا حيلي اتهد فيها
قام بكسل لأنو أصلا مامقتنع بشغل الدواجن ده و المزرعة كل سنة ماشة متدهورة و حاليا ماجايبة أي عائد
- طيب ماشي
و دخل أخد حمام و جهز و قبل مايطلع دخل على خالتو روضة ، لقاها على نفس حالها قاعدة في الكرسي وسرحانة و تهز في رجلها اليمين ، ولمن شافتو ابتسمت وهو كمان بادلها الابتسامة لأنو عارفها مابتتجاوب خالص مع زول غيرو :
- صباح الخير ياعسلنا ، مالك لابسة الهدوم الوسخانة دي قومي تعالي أسرحك وبعد داك تمشي تغيري طوالي
روضة الكانت في نهاية الأربعينات من العمر قامت زي الطفل الصغير و جابت الفرشة والمشط و قعدت ليهو في الأرض وهو قعد فوق و بقى يقسم شعرها على أربعة و يضفرو ليها و يقول :
- لسه شعرك جميل زي ما كان ، طالعة ليك علا بت نوال خالتي
..
.
بعدها بشوية ..
كانت قاعدة قدام المرايا و بتسرح شعرها الطويل و تغني بصوت حزين :
ياللي أمر من بعدك لقاك، ياللي أمر من هجرك رضاك
يا غربتي وانت بعيد عني يا غربتي وانت قريب مني
يا حب أقول له ايه! يا حب اسامحه ليه!
دا العذاب هو اللي يسامحه، والسهر هو اللي يسامحه
والدموع هى اللي تسامحه
يا رايح للي فايتلي عيوني سهرانة ولا داري
أمانة اوصف له دمع عيوني طول ليلي ونهاري
آه مني آه منك
كل ده وقلبي اللي حبَّك لسه بيسميك حبيب

قطعت أغنيتها لمن شافت أمها بالمرايا لابسة توبها وشكلها طالعة ، اتلفتت عليها و قالت :
- على وين يمة
- ماشة أشوف روضة أختي طولت منها
- طولتي شنو يمة مش أول أمس كنتي معاها ، وبعدين إنتي صحتك تعبانة والدكتور قال ليك ارتاحي
- يابتي أنا خلاص صحتي انتهت و عمري ماباقي فيهو كتير أحسن أشوف أخواتي و أتفقدهن في آخر عمري ده
جرت عليها بفزع و قالت و هي ماسكة يدها :
- لا يمة أوعك تقولي كده تاني ، إنتي حتبقي كويسة ، و بعدين أخواتك مفروض هم اليتفقدوك لأنو إنتي عيانة ، وخالتي روضة زاتها الطلعة كويسة معاها براها خالتي سعدى حابساها في البيت و زايدة ليها العليها
نوال قعدت وقالت بحزن :
- يا علا يابتي سعدى مامقصرة في روضة ، من يوم الصدمة الدخلت فيها و خلتها تتغير وهي ماعندها غير سعدى مراعياها و خاتة بالها منها
علا قالت باستهزاء :
- هو يعني انتي مصدقة سعدى يطلع منها الزوق ده كلو ههههه يا أمي أختك دي عينها على نصيب أختها العيانة في المزرعة اللي هي أساسا ماعندها أي قيمة بس صحي في ناس عينهم مايملاها إلا التراب
- لا يابتي كده عيب ماتتكلمي عن خالتك كده
في اللحظة دي باب الشارع دق ، ونوال قالت :
- كدي أمشي أفتحي الباب ده بكون وليد ياها دقتو
علا لمت شعرها بإهمال و بسرعة شالت طرحة ختتها على كتفها و طلعت فتحت الباب :
- ولي يا ولي
- يابت أول شي احترمي نفسك وختي طرحتك دي في راسك أنا ما مالي عينك ولاشنو
قالت وهي بترفع طرحتها :
- هاااا في وحدة بتتحجب من أخوها الصغير؟؟
- يازولة عندك محمد و سراج و خالد ديل أخوانك أما أنا تتحجبي و عينك فوق راسك فاهمة ؟ وبعدين شنو الصغير دي كلها سنة وحدة
علا عوجت خشمها وقالت :
- غايتوووو زول معقد خلاص
وليد قال :
- كدي أدخلي أنا أساسا جاييك في موضوع مهم
علا طوالي ملامحها اتغيرت وقالت :
- لو كان نفس الموضوع إياه فأحسن ماتكلمني فيهو خالص
- يا علا يا أختي أسمعي مني أنا أخوك البريدك والبريد مصلحتك ومابزوق ليك الكلام وبقولو ليك في عينك… إنتي بنية زي القمر و ألف مين يتمناك ، و حسي عمرك في السبعة وعشرين وبنات القرية كلهن اللا في سماحتك ولا في أخلاقك ولا فهمك و أصغر منك عرسوهن ، بكرة العمر يسرقك و تلقي نفسك ضيعتي شبابك بدون سبب ، وبعدين الراجل شاريك و…..
قطع كلامو لمن شاف خالتو جاية من جوة و قالت :
- أدخلو جوة مالكم تتكلمو في الباب؟
علا قالت بسرعة :
- لا لا لا هو مستعجل ماشي المزرعة
- يابت خلي يدخل يفطر سريع و يمشي
علا طوالي لزتو على برة و قفلت الباب و هي بتقول :
- خلاص أهو مشى
وليد برة بقى يضحك و يقول :
- أنا تطرديني ياعلا!! أصبري لي بس
علا جرت جوة وقفلت باب غرفتها و رمت طرحتها و بقت تسحب أنفاسها و هي بتحاول تكتم العبرة الخنقتها لكن دموعها كانت أقوى و بقت تبكي بحرقة…. و بعدها شالت تلفونها و اتصلت على صديقتها وجارتها :
- سماح انتي وين ؟
- في شنو مالك بتبكي كده
- تعالي لي بس ، سريع
- حاضر دقايق و أكون عندك
.
.
وليد من بيت خالتو مشى طوالي على المزرعة ، دخل و أخد لفتو و كالعادة مالقى فيها شي جديد ، قعد وخلف رجلو وسرح في أفكار مختلفة ، شوية في مستقبلو المجهول و شوية في حكاية علا بت خالتو ورفضها للعريس ، و شوية في أمو ومعاملتها لأختها روضة المريضة ، و أكتر شي كان مستحوذ على تفكيرو هو الحلم القديم بتاع الجسر وفضولو الما طفتو السنين ….. اتخلع لمن سمع زول بقول :
- يادكتورنا كويس إنك لقيتك هنا
- أووو فاروق شخصيا
- ياخ أنا من الصباح لافي أفتش عليك من مكان لمكان دايرك ضروري
- خير
- عندي واحد صديقي و أخوي طبيب شغال في الخليج و فتحو ليهم مستشفى جديدة و فاتحين تعيينات لتخصصات مختلفة و أنا قلت وليد ده زول أخونا و حبيبنا أصلو الفرصة دي ماتفوتو
وليد خت يدو في كتف الزول وقال :
- يا فاروق يا أخوي والله كتر خيرك لكن أنا عندي حريم مسؤول منهن هنا مابقدر أفوتهن ، وتاني شي لو أي واحد فينا جرى برة و خلى بلدو و مسقط راسو منو الحيعمرها و منو الحيطلعها من الحال اللي هي فيهو ده
- يا وليد إنت زول مثقف و فاهم و عارف إنو بلد بدون موارد مابتمشي قدام و نحن قريتنا دي عاملة زي المرة العاقر المابتلد ، أحسن تشوف مستقبلك و حياتك…
وليد قال :
- أنا مؤمن إنو كل ثمرة إصلاح نواتها العزيمة الجوانا ، و الطاقة البشرية أقوى من كل الموارد التانية ولو كل واحد بدا بنفسو حنصلح البلد دي و نعمرها
فاروق نفض يدو بزهج و قال :
- فلسفة فاضية ما أكتر
وليد ضحك و قال :
- ومالو ، خلينا نتفلسف ورانا شنو
- هااا إنت زول وش فقر سااااكت
..
..
إيمانك بأن أول الطريق خطوة
وأن أصل النجاح فكرة
رغباتك العميقة في ضرورة التغيير
وثقتك في مقوماتك الذاتية
استعدادك لخوض التجربة بلا خوف من النتائج
هذا مايقودك لمستقبل مزهر
وأحلام محققة
بإذن الله
.
.
هناك كانت علا قاعدة مع سماح صحبتها الجاتها جري بعد سمعتها تبكي :
- روقي كده ووريني في شنو
علا ختت يدها في كف سماح وقالت :
- شايفة يدي متلجة كيف
سماح شدت على كف صحبتها و قالت :
- بس نحن اتفقنا إنو الموضوع ده لازم يتقفل و يتنسي لمن نشوف البحصل شنو
علا رجعت تبكي وتقول :
- إنتي بتتكلمي كيف بس؟؟!!
- طيب أنا عندي فكرة بس تسمعي كلامي
- ألحقيني بيها سريع
- وليد
علا قالت باستغراب :
- مالو ؟
- هو الحل الوحيد
.
.
يتبع ، مع خالص الود
رحمات صالح
الجسر

الجسرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن