نحن بارعون في التأقلم مع الأمور ، تناسيت الأمر كما كان من المفترض مني أن أفعل من البداية ، و أغفلت ضميري قهراً .. ذلك الضمير الذي أخذ يعذبني مراراً و تكراراً على إعدام نبيل .. كيف أسمح لنفسي بتأنيبي على هذا ، لقد قام بجريمة بشعة ، عاصف أيضاً يستحق الإعدام ومن يفكر غير ذلك هو شخص مريض
كنت أرسم في شقتي ، لم أنتبه إلى الوقت كيف صار ظهراً أم عصراً .. الأيام أصبحت أكثر رتابة و مللاً ، لا أعلم يقيناً هل الأيام أصبحت جوفاء أم نحن من أصبحنا خاويون .. فارغون و مجوفون ..
طرق الباب و قمت لأفتح ، إنه الزائر الوحيد حالياً فريد
جاء ليخبرني أن ننقل اللوحات إلي المعرض الذي سيقيمه غداً
و سألته عن المكان و التكاليف و كيف تدبر الأمر
فريد " المكان مفاجأة مش هتصدق أبداً ، ڤيلا .. صاحب ڤيلا بيبيعها تبع مكتب السمسرة اللي بشتغل فيه ، هنعرض لوحاتك هناك بدون أي تكلفة .. هنعفيه من أي تكاليف بيع .. إنت عارف إن مكاتب السمسرة دي بتاخد نسبة من البائع و الشاري .. هنلغي النسبة دي ، غير إن دا دعاية للمكان و في ناس كتيرة قولتلك عرضت عليها صور للوحاتك و عجبتها ، أنا كمان جايب مصورين و شخصيات مهمة هنعملها إهداءات "
أزهلني فريد كيف تدبر الأمر و سألته
نضال " مكان الڤيلا دي فين ؟ "
فريد " في المقطم ، كورنيش المقطم .. في حوالي عشرة هي ڤيلا رقم أربعة"عندما ذكر الأمر أعاد إليّ تلك القصة التي لا تبتعد عني ، كأنني مُلاحق بها
طلبت منه أن يقوم بإعادة الأمر لأنني إعتقدت أنني أتوهم فأعاده بنفس الطريقة
قمت بفتح التلفزيون و تفقد القنوات المصرية و الإخبارية المصرية لأتابع قصة السفاح .. لم أجد شيء
فريد " بتدور على إيه ، أوعى تقولي مستني المسلسل التركي "
نضال " قصة السفاح ، عايز أعرف أعدموه ولا لسة "
تحرك و أشار إلي شريط الأخبار تحت ، حيث ذلك الخبر عن إعدامه
فريد " أعدموه إمبارح ( أمس ) شوفت الخبر قبل المسلسل التركي اللي بتسمعه ياسمين "
نضال " عرضوا صورته و هما بيعدموه ؟! "
فريد " ليه هو صدّام حسين .. مش للدرجة يعني ، قالو في خبر كدا من إدارة السجن تقريباً "تحركنا لتغليف اللوحات لنقلها بالسيارة ، لابد من تغليفها جيداً حتى لا تتأذى .. أدركت كم رسمت من لوحات ، لقد رسمت الكثير منها بحق .. لقد استغرقني الأمر لأيام و ليالي .. أخبرني فريد أن ياسمين قد جهزت لنا الليلة غداءاً فاخراً إحتفالاً بإقامة المعرض
نقلنا اللوحات و تحركنا ، استأجر فريد سيارة نصف نقل بمقطورة لنقلها
حينما وصلنا للڤيلا ، كان هناك أشخاص لاستقبالنا ، قاموا بتنزيل اللوحات
كنت فقط أشرف على الأمر ، على أماكن اللوحات و تنظيم المكان .. عندما إنتهينا من الأمر و غادر الرجال و بدأت بتفقد المعرض أنا و فريد
قمت بإنزال لوحة جندي الحرب مبتور الذراع و لوحة الفتاة من الحلم ، زوجة عاصف .. تلك اللوحة التي أسميتها سيدة الكابوس
قمت بإنزالهما بينما كان فريد يتعجب الأمر ، و قمت بإعادة تغليفهما من جديد
ثم أخبرت فريد بأن علي القيام بأمر خاص ، عرض عليّ توصيلي فقد أتممنا الأمر ، لنعود معاً .. قام بإغلاق الڤيلا و تحدث مع البواب ، فسألته عن ڤيلا تسعة ، ماذا يعلم عنها .. أخبرنا أنه شخصية مهمة جداً لكنه لا يعرف من يكون ، هو حتى ليس مالك الڤيلا هو فقط يستأجرها
تساءلت ربما هذا لأن إقامته محدودة .. قد يكون سائحاً ، شخصية مهمة من دولة أجنبية ..
أوقفنا السيارة بالقرب من الڤيلا ، طلبت من فريد البقاء في السيارة و أخذت اللوحتين و تقدمت نحو الڤيلا .. كانت هناك كاميرات بالخارج و عندما إقتربت من البوابة ظهر أربع رجال ضخام ببدلات سوداء
لم يسمحوا لي بالدخول ، لم أكن أعرف حتى الشخص المهم الذي يسكن هذا المكان و الذي أردت أن أقابله .. في النهاية تركت اللوحتين و تركت رقم هاتفي و عدت للسيارة .. أراد فريد أن يعرف بشدة من هذا الشخص و هل حقاً أعرفه ، هل اشترى تلك اللوحات مني أو رآها من قبل .. لكنني لم أجيبه عن شيء
لأنني لم أعرف حقاً ما دفعني لفعل هذا .. كل ما في الأمر هو أنني تحركت كما أخبرني فضولي ..تحركت فقط على الفكرة التي زرعها داخلي عاصف قبل إعدامه.. أن هذا هو عنوان السفاح الحقيقي
أنت تقرأ
عدالة باللون الرمادي
Science Fictionيقول فرانسيس بيكون " يميل المرء للإعتقاد بما يفضل أن يكون صحيح" لم تعد هناك ألوان بيضاء و سوداء .. أصبح كل شيء باللون الرمادي و أصبح الصواب و الخطأ متداخلين إلى حد كبير إذا لم يكن هناك أي دليل على الجريمة ولكنك تعرف الجاني و تعرف أنه سيلوذ بالفرار...