الفصل الحادي عشر

1.2K 24 0
                                    

الفصل الحادي عشر

الصمت كان هو السيد ذو الكلمة النافذة بينهما وهما عائدين ، فجّر داخلها ينابيع من مشاعر متناقضة

الخوف أن تحبه أكثر هو ما صارعت به طيف الأمل الناشيء داخل روحها

فعيناه تفجر في قلبها براكين لا تنتهي .. بل أصبح حياتها والهواء الذي تتنفسه ، كلما أصبح ألطف يتغلغل داخل شرايينها فيصبح أكسير الحياة .. لا تدري أيعود للتباعد والقسوة مرة أخرى ؟ تخشى الحياة بجوار تقلباته وتخشى الحياة بدونه .. فمحياه منبع حياتها ..

أما غيث فقد ترك عينيه تتجولان بتفاصيل وجهها الذي يعشق كل تفصيلة مهما كانت صغيرة ، أهدابها المرتخية بسوادها المتناغم مع بشرتها الذهبية الغريبة التي نادراً وجودها بصورة طبيعية فقد دفعت إحدى زميلاته يوماً ما ثروة لتحصل على تلك الدرجة ومنيت بالفشل .. أنفها الصغير وشفتيها المكتنزة كحبتي كرز تتلاصقان .. اختارت تلك الكرزتان ذلك الوقت لتنفرجا قليلاً لتسمحا بخروج تنهيدة صامتة من بين حناياهما مشعلة براكين تهدد بحمم تتقافز داخل خلاياه ، سحب شهيقاً عميقاً وحبسه داخله لحظة ثم أطلقه ببطء .. أدار رأسه للطريق الخالي من المارة والسيارت تكاد تنعدم به ، يريد أن يمارس حق سيادته على جسدها الذي ما زال يشعر به ذائباً بين يديه منذ حفلة أميرة ، نظر ليديه ليتحقق من حقيقة الشعور الذي يداهمه كلما أطلت .. لا كلما غابت .. يخشى تغلغلها داخله أكثر .. أن تصير تتحكم بخلايله فتأتمر بأمرها وتسير حسب هواها ، الخوف والحب متلازمة رغم تناقضهما .. أم متسلسلة لمنظومة متحدة للعشق ؟

أثناء قلي السمك دخل عليها المطبخ الذي يكفي شخصين من ذوي النحافة الزائدة يحرك شعره المبلل بعد حمام منعش بيده ولم يدرك أن قطرات الماء تساقطت بالمقلاة فظل الزيت يفور مطلقاً شزرات لاذعة حارة أصابت ذراعها بمواضع متفرقة لدرجة وصلت تلك الشزرات إلى عنقها وكتفها ، صارت تكتم شهقاتها المؤلمة لذاته المعذبة بالذنب .. أطفأ الموقد وجذبها ليخرجا من ذلك الأتون المشعل لرجولته الفجة ، بحث عن أي كريم ملطف فوجد بحقيبته كريماً يستخدم كمضاد لحروق الشمس :" سنضع هذا مؤقتاً حتى نتوجه لطبيب " أجابته بحيرة :" لا يحتاج إنها حروق طفيفة " صرخ بغضب منها التي لا تقدر الهبة الإلهية الممنوحة لها :" طفيفة !! إنها عشر بقع متناثرة ، ألا تهتمين لجمالك و رونق بشرتك ؟؟ إن كنتِ لا تفعلين فأنا أهتم ولا أريد لأي تشوه يصيب بشرتك بسببي " لمعت عيونها بصدمة .. يخشى تأنيب ضميره !
ما بها صارت تتصيد من كلماته ما ينفرها فيه تخشاه وتريده ، تباين انفعالاتها حياله يقلقها فقد صارت تخشى صخر كلماته ولا تصدق لطفه..
اختطفت الكريم من يده غاضبة فلم يمهلها لتهرب لغرفتها و إنما قام بلوي ذراعها فحصل على مبتغاه بيسر و انتزع من كفها أنبوب الكريم ويسحبها بدون الإلتفات إلى ممانعتها و أجلسها على إحدى المقاعد ، قام بالعناية بتلك الحروق المتناثرة التي احمرت بصورة تؤكد مدى تأذيها .. في تلك اللحظة عادت ناهدة لترى زهرتها البيضاء قد شوهتها بقع قرمزية :" ماذا حدث ؟؟" ضحك غيث ساخراً :" الطبيبة الصغيرة لم تفلح في قلي بعض الأسماك " نظرت إليه وكأنها حصلت على فرصتها في البكاء فظلت دموعها تقطرعلى خدودها كقطرات ندى على أوراق زهرة يانعة ، مسح دموعها بإبهامه وصوته هامساً :" هل تؤلم إلى هذا الحد ؟؟ أم وجود أمي ما جعلك تظهرين ألمك ؟؟ لقد كنت تقاتلينني كنمرة منذ لحظات .. أم ظننت أنني أسخر منك " نظرتها أخبرته كل شيء فهمس بحشرجة ناعمة وهو يمس طرف أنفها :" اعتادي على ذلك إذاً ! فهذا أنا يا زوجتي الجميلة " و تركها خلفه .. نظرة ناهدة النافذة و الإبتسامة خفية التي ارتسمت على شفتيها وعقلها الدائر كموتور صغير :" لن أكون معلمة كيمياء إن لم أضبط تلك المعادلة الصعبة .. فيبدو أن ترككما معاً فترة سيقرب بينكما وسيحيي موات القلوب " ودخلت غرفتها لتبدل ملابسها .. ما أثار دهشتها وأثار تساؤلات متلاحقه داخل نفسها بكتلة التناقض المتحركة أمامها هو دخوله للمطبخ وقلي تلك الأسماك بل أعد المائدة والسلطات أيضاً قائلاً بلهجة آمرة تحمل كل السلطة وجسده المفتول منحنٍ قليلاً أمامها :" اجلسي كملكة واتركي رعاياك يكدحون بدلاً منك مولاتي " بعد تناول الغداء وجدت نفسها تشكره وتثني على طهوه فرد عليها مفاخراً :" طبعاً شيف عظيم .. تعلموا مني فأنا فرصة لن تعوض " فضحكت وقلدته ساخرة .. ضحك متوعداً إياها :" إن سخرت مني مرة أخرى سأتعمد إيلامك و أنا أعتني بحروقك " فردت :" سوف أجعل ماما نونا تعتني بي " ادعى الغضب :" لقد صرتِ من إختصاصاتي منذ اليوم " ضحكت نونا قائلة :" لقد قرر ابني وضعك تحت نطاق إختصاصاته لذا لايحق لي العناية بحروقك وإلا اعتبر تداخل إختصاصات وظيفية .. استوجبت الفصل فيها التوجه للمحكمة الإدارية " وغمزت لغيث وضحكت وداخلها يزداد إشراقاً ..

الفجر الخجول(مكتوبة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن