الفصل الثامن عشر

903 14 0
                                    

الفصل الثامن عشر

اقتحم مكتبه هادراً: "ماذا فعلت بها لتصبح بذلك الشكل؟!"
وقف مبهوتاً يرى المظروف المتطاير أمامه مستقراً بالنهاية على مكتبه يفتحه بيد متعرقة وعقل غاضب مستعداً لأي ترضية إلا أن تغادر حياته .. وجد مجموعة من صورها فارتفعت حدة حنقه على ذلك الفضولي المتطفل على حياته الخاصة :" من سمح لك أن تلتقط صوراً لزوجتي !" صرخ به وهو يقفز أمامه قاطعاً المسافة بينهما بخطوتين فصرخ الآخر :" أفق من أوهامك ، عن أي زوجة تتحدث ؟!" ورفع إحدى صورها بوجهه وهو يردف :" أتلك زوجتك التي كانت منذ عدة أيام عروس ترفض الجلوس مكان البدر لكونها أبهى منه !" خطف صورته ووجد نفسه يجتر ندمه مرات ومرات فلم يعد لها إشراق ، لقد خبا ضوءها حتى خصلتها الفضية فقدت لمعتها وبريقها .. أصبحت بيضاء أضافت لعمرها عقوداً ، وجهها متغضن بألم كعجوز
أدرك أن تلك صورتها بعد عدة أيام من زواجهما فكيف ستصبح بعد عدة شهور أو سنوات !
زفر أنفاسه التي كادت تخنقه وتلعثم وهو يتراجع ليعود لمقعده :" هذه تم إلتقاطها يوم سفرها " بدأت ثورة فارس تخمد فقد بدأ بتفسير كل مؤشرات غيث الحيوية البادية بملامحه فوجده وجه عاشق نادم وبدأ يتحرك ليجلس على المقعد المقابل للمكتب :" أتعلم لِمَ أردت الزواج منها ؟ ولتكن هذه المصارحة بداية لصداقة سنعقدها سوياً " رفع غيث ينتظر إجابة لسؤال لم يطرحه عليها رغم أنه أرقه كثيراً ، جاءت إجابة فارس بصورة أخرجها من محفظته أمسكها كصورة مقدسة ومسح عليها بإبهامه ثم قبلها كمن يودعها لدرجة خيل لغيث أن ذلك القوي سيبكي
مدّ له الصورة .. فصرخ غيث :" تكاد تكون توأم سناريا أو أختها الصغيرة !" حكّ فارس حاجبه فقد شعر بوخزة ألم تحدث كلما تذكرها :" هي جنا أختي كانت بالعشرين رقيقة كزهرة أقحوان .. حاولت الهروب من قسوة والدنا ولكنها وقعت بيد شخص أقسى ، كانت له مطامع أخرى .. وهبت قلبها لمن لا يستحق فباعها لأبيها مقابل مبلغ من المال وطلقها بعد عدة أسابيع ليحبسها أبي في غرفتها فأصبحت عصفور مكسور القلب والجناح حبيس قفص ذهبي لكنه خالٍ .. خلال عدة شهور فقدت بريقها وروحها إلى أن وجدناها ذات يوم جثة هامدة بفراشها .. هكذا ماتت ببساطة .. عندما فقد قلبها الأمان " لمعت عيونه بدمعة علقت بين أهدابه .. أجلى حنجرته وأردف بعد أن سحب نفساً عميقاً :" أتعلم ؟ جاء زوجها وألقى المال بوجه أبي بعد أسبوع واحد من وفاتها وصرخ به : أريد زوجتي فحياتي بدونها مثل الميت الحي وظل ينادي عليها ، لحظتها فقط وجدت أبي ينهار ويبكي رغم أنه لم يذرف عليها دمعة واحدة منذ علم بوفاتها ، كان يدعي الجمود قبل مجيء زوجها الذي انهار وجلس مقابل أبي ما إن سمع صراخ أبي : ماتت .. لقد قتلناها معاً !" ابتلع غصة تسدّ حلقه حتى كادت تخنقه :" أتدرك ؟ عمتي ماتت بعد وفاة زوجها وأختي ماتت عندما فقدت حبها .. كنت أريد أن أتزوجها لأحميها ممن ممكن أن يعاملها بخسة فتموت أختي من جديد .. والله لولا تلك النظرة التي رأيتها بعيونك لكنت قتلتك أو دبرت لك حادثاً حتى تحيا هي " مسح غيث دمعة على تلك الروح التي قتلها حبيبها الذي لم يدرك أنه عاشق هكذا ببساطة
" لقد أخطأت بحقها .. لقد ارتكبت جريمة بحقها أتمنى أن يأتي اليوم الذي أنال غفرانها فقط لتكون بجواري فلم أعد أتحمل أن أعود بمفردي " أطرق لينظر لصورة تلك الجنا بوجه ملائكي وتبدلت بلحظة أمام ناظريه بصورة أخرى وجدها أمامه عندما عاد .. وجه ضاحك حوله بقسوته لتلك الجثة الباهتة أمامه بصورها التي ألقى بها فارس أمامه ، مدّ يده لفارس بالصورة التي أعادها لمحفظته مرة أخرى وهو ينصت لغيث :" كنت قاسياً ولن أستطيع أن أبوح لك بالسبب ولكني أشكر لك مجيئك اليوم فقد أوضحت لي مقدار جريمتي " تنهد فارس وهو يضع ساقاً فوق أخرى :" لم تكن زيارتي لأعرف السبب ولكن لأرى نظرة بعيونك لو لم أجدها كنت قتلتك قبل أن تقتلها أنتَ بغباءك .. الآن أعلم أنك ستحاول أن تتدارك خطأك ، ولكن اعلم لو أرادت تركك في النهاية .. سوف أقف بجوارها وستنال حريتها كاملة وقتما تريدها " وأردف وهو يجد غيث يحرك رأسه بتفهم فهو أيضاً لو وجدها لازالت تريد الإنفصال عنه لن يحتجزها غصباً عنها مقيدة بأغلاله القاسية بقوة .. كفاه ظلماً لها ..
" هناك أمراً إضافياً .. أريد أن تقوم شركتك بعمل حملة إعلانية نوعية عن شركاتنا العقارية والشركة الإستثمارية ، تعتبر حملة تذكيرية لأننا نقوم كل فترة بحملة مماثلة " وبدأ عقل غيث يعمل بقوة فهو عاشق لعمله وشركة العشيري شركة لها قدرات فائقة بعالم الأعمال :" سوف أقوم بكل ماتريد وستكون التصميمات جاهزة خلال عدة أيام فقط .." تفرعت أحاديثهما عن الأعمال فوجدا بينهما خطوطاً عريضة مشتركة كبداية جديدة بينهما ... عقله يعمل بسرعة الصاروخ وقلبه يكاد يتوقف عن النبض بسبب رعبه أن تكون زهرته البيضاء قد قررت معاقبته بالبعاد ...

الفجر الخجول(مكتوبة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن