الفصل الثالث

1.2K 39 1
                                    

الفصل الثالث

أراحت رأسها فوق ذراعيها المعقودتين النائمتين على سطح المكتب .. تغالب دموعها .. بؤسها .. لِمَ يعاملها بتلك الطريقة ، إنه لا يريدها .. كرهها .. يتهرب منها ، لدرجة تواجده بذات المكان أسبوعاً كاملاً ولم يحاول التواصل معها أو مع أمه.. قلبها يخشى إجابة عقلها على سؤاله العالق لماذا صار يبغضها .. بل ما هي جريرتها بحقه ؟!

همست بقسوة لذاتها :" بل هو من أخطأ بحقي ولابد أن أواجهه لنحل ذلك الموقف السخيف " عادت للخلف قبل عدة ساعات مضت ..

وجدت نفسها تجيب على سؤاله المباشر :" لا " بعد رؤية سخريته تطل من كل خلاياه و أبرزتها إبتسامته المائلة على شفتيه القاسية .. كانت تتمنى أن تجيب :" نعم نعم نعم " تطير إليه و تصرخ أمام جميع الناس " هذا الوسيم زوجي .. ملكي أنا " تُلقِي خلفها سنوات الإنتظار المريرة .. تتحصن بصدره القوى .. تستند بظهرها على شخصيته المهابة الفذة التي لا تهاب شيئاً بل يخضع لها الجميع ، لقد تعبت من الوحدة .. من المسئولية .. من فقد الأحبة .. فقد تلو الآخر .. أبوها أكرم الذي مات بعد صراع طويل مع المرض وكل يوم بمشفى حتى جاء اليوم الذي فارقته روحه وصعدت لبارئها ، كانت بالتاسعة من عمرها مازالت تذكر النسوة المتشحات بالسواد .. وأمها الجميلة شمس تجلس واجمة فاقدة الحياة تكاد ترحل خلف زوجها ، بكت الصغيرة لشعورها بإنقباض قلبها من الوجوه المتجهمة حولها .. لكن عيون عمها معتصم الحانية و وعده لها بأنه أباها وأنها ابنته التي لم ينجبها .. و لم يقصرمعها حتى بعد رحيل وحيده غيث لم يخذلها وظل الأب الحاني وقف بجوارها وجوار أمها .. و قاد حرباً شعواء من أجلهما ضد أشقاء أمها الذين رفضوا إعطاء أمها ميراثها من أبوها الذي توفي بعد وفاة أكرم بقليل .. طالبوها أن تنتقل معهم إلى بلدتهم و إلا ليس لها ميراث .. أرادوا أن يزوجوا أمها الأرملة الشابة الجميلة لرجل ثري وشريكهم بالعمل .. ولكن عمها معتصم وقف ضدهم محافظاً على عائلة أخيه المرحوم أكرم وعلى وصيته برعايتهم .. حتى عندما أراد خالها يونس ضم سناريا لهم ، وقف عمها مانعاً ذلك بقوة وعندما لقى عمها مصرعه بسقوط سيارة العائلة التي كانت تقودها أمها ففقدت حياتها معه .. خشيت أن يعاود خالها طلبه بضمها ولكنه لم يفعل و ناهدة من يومها كل عائلتها ، همست : " آه يا غيث تعبت من إنتظارك فمن عاد غيث آخر " رغم بؤسها تسللت إبتسامة لذيذة لشفتيها منعشة لروحها عندما تذكرت سخرية غيث من سيارتها الفيات القديمة وأطلق عليها " زوكا العرجاء " ردت بنزق بعد أن أوقفت سيارتها :" إن كانت لا تليق بك فغادرها حالاً .. فلا أحد يسب ويسخر من سيارتي ويجلس بها أبداً " فعاد بلمحة لغيث القديم ضحك بطفولية و أخذ يقبل السيارة من الداخل ويمسح عليها بصفحة يده ويعيد مسح رأسه وقميصه بمرور كفه عليهما .. كأنه يأخذ البركة من السيارة وأخذ يضحك :" زوكا أنتِ من الآثارالخالدة.. فلا تغضبي " ظلّ هكذا حتى أصابتها عدوى الضحك و علت السيارة بالضحكات المتسلية من كليهما لدرجة شعرت أن السيارة تهتز من قوة ضجيجهما !

الفجر الخجول(مكتوبة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن