الفصل الثاني عشر
استيقظ ونظر إليها وجدها تنظر إليه وتبتسم بحب :" صباح الخير " ردّ بقسوة عادت إليه تطغى على ملامحه وتسحب إبتسامة بدأت ترتسم على شفتيه :" صباح الخير " تركها وخرج مسرعاً فراراً من تكرار ذات المشهد كلما أشعلت به رغبته الجارفة لها تبدلت صورتها بصورة أخرى أكثر سواداً وحقارة .. صورة للرخص المقيم بينهما .. هي لا تعلم ما ألمّ به ، تعلقت دمعة حائرة بمنتصف عينيها لتحيلها إلى مزارع تلفها السحب الدخانية .. تواصل أمس ذهب بثوانٍ وإقصاؤها كان أسهل ما يفعله ، انتابها الألم والخوف عليه فاحترمت رغبته ولم تحاول التطفل عليه حتى ولو كان بمحادثة هاتفية نهاراً كاملاً غائباً .. لم يعد سوى فجراً ظلّ تائهاً يدور بكل مكان وليس له مكان !
وقف أمام البحر تتلاعب الرياح بملابسه وشعره يتأرجح أعلى رقبته ومع شدة الرياح صار يتبعثر بكل اتجاه شعر أن خلاياه متنافرة معه تريد تركه والدخول حيث تنام معذبته لتهجم عليها تقتص منها ضياعه داخل بئر الحرمان الذي شعر به .. يريد دفن أحزانه داخلها فيهزم صور الماضي بكل قذارته فلا يظل ينكأ روحه..
وجد يد تربت عليه .. جفل واستدارعلى عقبيه ليرتمي في أحضانها يميل بإنحناء جسده الطويل على قامتها القصيرة يتمنى أن يلقي بين أضلعها همومه التي أثقلت كتفيه ..
جلست ناهدة على سريره تربت على رأسه النائم على فخذها الحنون وتلعب أصابعها القصيرة في شعره .. يرفض أن يجيبها بمشكلته وما سبب تبدله لتلك القسوة فلم تجد بديلاً غير الصمت والنصح لوحيدها .. وهمساتها الهادئة كموسيقى راقية تعزف على وتر قلبه المتألم من الماضي ومرهق من الحاضر الجديد ويخشي على المستقبل ، أتى صوتها كهديل حمامة سلام بيضاء : " هناك الكثير من الظلام لكن ذلك ليس معنى ذلك أن نكف عن البحث عن الضوء.. هناك الليل .. وهناك القمر الذي يرسل أشعته البيضاء ليضيء عتمة الليل البهيم.. هناك فتاة واحدة .. قلب واحد ، امرأتك الوحيدة هي التي تتفهمك.. هي المعادلة الوحيدة المتوازنة ولاتحتاج شروط لتفاعلها ليتم الإكتفاء.. كن ذكي واختار الحياة الطبيعية فليس الجميع بذلك الغباء يفضلون الحياة بذلك الخواء يتمسكون بالسخافات لترتفع حدة الغباء لديهم فيمنعهم من فهم سر الحياة الأوحد ..عاطفة صادقة وقلب كبير ليس الأمر صعباً .. ذلك هو الحب .. تلك هي الحياة ، حاول أن تواصل جهدك وابحث عنهما بشغف و رجاء ، كن صبوراً ربما هي أمامك وبين ناظريك.." تأوه داخلياً وحسرته تتردد داخل روحه المعذبة :" أعشقها وأذوب بها ولها ، أتمنى أن أدفنها داخلي لكن عُهر منبتها ومنبعها هو ما يبعدني .. يقيدني ، لا أتحمل الذنب !"
*****
استيقظت هذا الصباح وارتدت ملابسها على عجل لأنها كانت تخطط للخروج هذا اليوم والقيام بشراء هدية لنفسها ككل مرة كلما أحبطت أو نجحت لتنعش ذاتها وهي اليوم محبطة للغاية فمنذ صباح أمس عندما استيقظا بذات اللحظة على الوضع الحميمي وساقها تنام على فخذه لتصدم بحدة نظرته القاتمة تجاهها ليخرج كملدوغ واختفى طول النهار ولم يعد إلا فجراً ، إنها تحتاج بشدة أن تقوي من عزمها أمامه لتظهر بمظهر من لا يبالي به وليست جرح قدمها الذي بدأ يندمل بمشكلة أن تسير بدون ضعف أو ألم .. خرجت للشرفة وجدته بوجهها يقرأ جريدته الصباحية ، أخبرها ورأسه مدفون خلف الجريدة بإقتضاب يدعي أنه لا يراها في حين لا يترك تفصيلة منها تتوه عن أعينه :
" بعد ساعة سوف نذهب إلى مجمع حمامات السباحة خذي ما يلزمك فقد سبقتنا أمي مع السيدة تهاني "
خابت آمالها وتبددت مخططاتها ولاح على وجهها إحباط قاتم .. تريد التحرر من ضغط تواجده بسبب مشاعره السلبية تجاهها التي تظهر فجأة فتشعرها بالذنب تجاهه دائماً تنتهي كل الطرق معه لسد منيع يفصلها عنه ، همست وهي تجلس أمامه :" ألا يمكن أن تذهب وحدك إليها .. يجب أن أتخلف اليوم فلدي مهمة عاجلة " و رشفت رشفات قليلة من كوب الشاي الذي صبه لها ونظرت له تنتظر رده فقط نظرته الفارغة .. فلم يكلف نفسه عناء الرد عليها كأنها هواء وفراغ أمامه ، نظرت للطعام وجدت أن شهيتها أغلقت لأجل غير مسمي ولكنها أجبرت نفسها على تناول فطورها .. لقيمات لا تسمن من جوع بسرعة تتمنى التواري خلف حجب غرفتها تريد أن تفرغ أمطارها بخلوة ، نهضت بصمت متوجهة إلى الداخل من جديد .. تريد الهرب من أمام قسوته وتجهمه تفكر ما أعذبه عندما يتخلى عن ذلك القناع .. تأملها وهي تمشي دون أن تلاحظ .. هذه الصغيرة تهوى تعذيبه فكل ماترتديه حتى لو كان خرقاً بالية يتحول على جسدها الرائع لقمة من الفتنة والإثارة ، إنها دائماً تفقده صبره وتجعله قمة في الغليان منها وعليها .. توقفت جامدة مكانها ، عندما ناداها آمراً كصاروخ منطلق خارج حدود الكرة الأرضية :" سناريا " استدارت ببطء فمؤكد هناك صخرة ضخمة من الكلمات يريد أن يلقيها على رأسها
" لن أذهب بمفردي .. أي مهمة تلك في الإجازة ؟" تلعثمت بإحباط لا تستطيع البوح له :" هذا شيء غير مهم .. إنه ..فقط .. شيء خاص " تأفف وكتف يديه على المنضدة أمامه وبصره الحاد يكاد يخترقها :" كيف غير مهم وقد كنت تودين إضاعة وقت السباحة الذي تعشقينه منذ الصغر .. من أجل هذا الغير مهم ؟! .. الشيء الخاص " و أردف بطريقة ساخرة لاهية ليستفزها يعلم أنها الطريقة الوحيدة لتخرج مخزون ذاتها :" هل هو موعد غرامي يا زوجتي العزيزة ؟" لم تغضب .. يبدو أنها اعتادت طريقته المقيتة بالسخرية وضعت يديها في خصرها ثم سحبتها وعقدتها أمام صدرها فجذبت نظره لصدرها فملأت خلاياه الرغبة الضاربة و زادها صوتها الناعم المتألم :" كل ما هنالك أنني أشعر بالإحباط هنا في هذه الإجازة الرائعة لكم .. و أردت أن أمتع نفسي قليلاً .. أريد أن أتحرر من المتعة خاصتكم " أشار بيده لتستطرد يكاد يقف ويملكها بتلك اللحظة فصار صوته أجشاً كرد فعل طبيعي لرغباته :" أكملي كيف تمتعين نفسك حتى نتعرف على عاداتك ..التي يبدو أنها كثيرة " فوقف وتوجه إليها صمت وعلق نظره داخل ضباب مزارع الزيتون بعينيها ثم أردف : " وقد تكون لذيذة " أطرقت أرضاً وحركت قدمها كمن يرسم خطاً على الأرض كطفل خجل ببراءة تأرجح شعرها المعقود على قمة رأسها وانسدلت بعض من خصلاته اللامعة لتأسر عينيه .. اقترب خطوة فابتعدت خطوة حتى لا يصطدم بجسدها الذي صار لا يحتمل اقتربه وأجابت تداري خشيتها منه وعيونها تقطر وحدة :" كنت سأبتاع لنفسي هدية ، ليس مهماً ما هي الهدية ولكن أي شيء حتى ولو كان لوح شيكولاتة بالمكسرات " ضجّ بالضحك على تلك الطفولة البريئة التي تنضح من خلاياها ، أمسك بخصلة سوداء تخصها بين إصبعيه وسحبها بلطف حتى سقطت ثم أعاد خصلاتها براحته خلف أذنها وهمس أمام شفتيها :" أعدك أن أبتاع لك هدية ترضيك بعد عودتنا من السباحة فالرحلة لتلك المسابح تبدو رائعة ستخسرينها لو تخلفت " ابتسمت بسحر وهي تمط قامتها لأعلى كمن يكاد يقفز فصدمت ذقنه العريض لتحتك بشرتها الناعمة بخشونته .. تأثير ذقنه البربرية التي لم تحلق منذ بداية الإجازة جعلها ترتبك فضغطت على شفتها السفلى وقضمتها بين أسنانها :" شكراً لك غيث " وهرولت لتدخل إلى الشاليه تكاد تطيرسعادة من تواصله اللطيف معها :" ما أعذب ضحكته ! تليق به بشدة .. ليته لا ينسى الضحك أبداً !"
![](https://img.wattpad.com/cover/225066435-288-k413844.jpg)
أنت تقرأ
الفجر الخجول(مكتوبة)
Romansaنظرية الحب هو الدوران داخل فراغ ثلاثية متوازنة من ثلاث محاور متساوية هي ألفة و شغف وإلتزام فيقع المحب في الترقب والحيرة والإنتظار ثم تأتي مرحلة التنافس من يستطيع جذب طرف خيط المشاعر تجاهه ليتملك الآخر .. ولكن الماضي والحاضر والمستقبل كلٌ له دوره فى...