الفصل العشرون

724 19 1
                                    

الفصل العشرون

" كانت زوجته "
جفلا بدهشة وعيون متسعة الأحداق ، جلست سناريا بلمحة غير مبالية بالألم الناتيء بجانبها .. أما غيث وقف وهو يلوي جسده ببطء غير مصدق للكلمات التي ألقت بها أمه أنهت عذابه بلمحة .. كل هروبه لم يكن له داعٍ .. أبوه لم يخطيء أبداً ، زوجة عمه مثالاً .. للعفاف !
ولكن لِمَ لم يعلم ؟! متى وأين وكيف لا يتذكر .. اقترب من أمه الجامدة بفتحة الباب :" كيف حدث ذلك ؟ ومتى حدث ؟.. وكيف لا نعلم به ؟"
دخلت المرأة بطريقة شامخة حتى اقتربت من فراش ربيبتها ومسدت على شعرها وقبَّلت مفرقها والتفت لابنها حانقة :" اجلس وسوف أقص عليكما كل ما تريدان معرفته "
انتظرت أن ينفذ أمرها ثم بدأت بالكام :" إن عمك أوصى أبوك ألا تترك شمس المنزل لرغبته أن يقوم أبوك بتربية سناريا كابنته ، الذي لا تعلمه أن أباك بالرغم من وجود جدك هو من ربى عمك وأحسن تنشئته .. لذلك أراد عمك أن تنال ابنته نفس الرعاية .. وبعد عدة أسابيع من وفاة عمك أتى يونس أخو شمس وكان جباراً قاسياً لا يأبه بعرف أو تقاليد وصار يهدد أنه سيأخذ شمس وابنتها وإن لم تمتثل سيثير حولها الأقاويل بما يشوه سمعتها وسمعه ابنتها .. فرفضت وأبوك قام بطرده وأقسم لشمس أن خروجها من المنزل بدون رضاها سيكون على جثته هو " تنفست المرأة ومسدت شعر ربيبتها :" أمكِ كانت نِعم الأخت والصديقة وكانت تعشق أباكِ بشكل جنوني .. وبعد فترة توفي أبوها فرفض يونس أن يعطيها حقها بميراث والدها .. وطردها من منزلهم عندما أرادت حضور عزاء والدها وهددها لو لم تعود بل وتتزوج من ارتضاه هو لها سيجعل حياتها وحياة ابنتها جحيماً .. وكانت قد شارفت على إكمال العدة " أدارت وجهها لابنها الذي يكاد يفقد عقله من ثبات أمه وهي العاشقة المتيمة لزوجها معتصم الفياض وتتحدث عن زواجه بأخرى بهدوء وأيضاً تمدح تلك الضرة .. صار يتعجب داخله (( عجيب أمرك يا ناهدة !))
" وتوالت الزيارات اليومية ليونس لدرجة جعلت أباك يضج منه وبالفعل بدأ يثير الأقاويل أن شمس لا تريد ترك منزل العائلة لأنها تعشق رب العائلة .. وذات يوم وصل أباك إعلان من المحكمة من يونس يطلب بضم سناريا لخوفه على أخلاقها من الفساد الأخلاقي الذي يرتع به منزلنا " شهقت سناريا وضغطت على شفتيها الشاحبتين فلم يعد بهما نقطة دماء تلونهما .. وجدت نفسها تضيع بقسوة ذلك الأخ الذي أراد النيل من شرف أخته لمجرد أن يثبت أنه على صواب ..
" أبوك وجد نفسه في حيرة فهو معلم ولم يكن يوماً ممن يستطيعون القتال أو المشاحنة الظالمة ، وجدتُ حيرته وهو رفيق دربي وعشق أيامي .. فقلت له مقترحة .. وسط دهشته : اعقد على شمس هكذا لا يستطيع يونس أن يشوه سمعتكما ولن يستطيع أخذ سناريا وأيضاً ستنفذ وصية أخيك ، عارض أبوك وعارضت صديقتي الوفية للمرحوم زوجها " نظر لأمه وصرخ حانقاً من تفكيره العقيم الذي لم يصل به لذلك الإستنتاج يوماً : " كيف تعرضين أنتِ ذلك الأمر عليه .. أن يأتيك بضُرَّة ؟!".. ابتسمت بحالمية وملامحها راضية رمته بحمم زرعتها قسوته :" أنتَ لا تعرف أباك ، ليتك مثله لسوف تعرف كل ما تريده فاصبر يا عجول .. أنت هكذا طوال عمرك عجولاً مغفلاً .. كنت أضع لك الشيء أمامك وأطلب منك أن تبحث لي عنه فتقول لا أجده بعد ثانية ولكنك أبداً يوماً لم تر أبعد من أنفك " قذفته بكلماتها وجلست بجوار سناريا وهي تأخذ رأسها على صدرها الرحب فذكر ذلك سناريا بيوم داعب ذاكرتها الطفولية القديمة وهمست بما تذكرته :" هل أتى خالي يونس مرة أخرى و حاول الإعتداء على أمي ؟ عندها وقف أمامه عمي وصفعه على وجهه فجعل ذلك خالي يهرول صارخاً أنه سيعود ليقتص من عمي " هزت ناهدة رأسها بنعم وتنهدت :" نعم وبالفعل عاد مرة أخرى ومعه شخص آخر بعد عدة أيام .. علمنا فيما بعد أنه صديق خالك ورجل له مركزه الحكومي وثقله السياسي.. ولكن الله أنقذنا مما كان متوقع حدوثه " رمت لابنها نظرة طويلة محدقة بإنفعاله الجامد الغريب البادي على وجهه :" وقف أبوك وهو يُخرِج عقد زواجه على أرملة عمك .. فجرّ يونس أذيال خيبته وخرج يتوعد ولكن صديق يونس حذره بتركهما وألا يضر أباك لأنه سيضر بعلاقتهما ومصالحهما معاً .. وبالفعل لم نره مرة أخرى " همست سناريا بخوف أن يكون الزواج قد جرح ناهدة :" ومتى تزوجا ؟؟" ربتت ناهدة على شعرها المجموع مثل ذيل مهر أسود :" بعد أن صفع عمك خالك قرأت بعينيه الخبث وأدركت أنه سيعود بطريقة تخرب بيتنا وتهدم سلامه .. جلست أمام عمك أرجوه أن يوافق على الزواج بأمك لدرجة أنني قلت له مهددة إياه .. أنني سأترك المنزل إن لم يفعل.. وأخيراً رضخ للأمر ووافق " لم تستطع منع حشرجة خفيفة من الظهور و هي تهمس :" لقد خفت عليه .. و عليها و عليكِ ، خفت أن يتهور يونس و يفعل ما لا يحمد عقباه !" تحدث بفراغ ونظرته لها وهي تريح رأسها على صدر أمه برحابة جعل دوامات جديدة من الغيرة ترتفع داخل قلبه :" وزوجة عمي كيف تقبلت ذلك ؟" أعلنت أمه الكلمات التي أتت على صموده :" وافقت بعد أن أقنعتها أنا .. ولكنها اشترطت شرطاً واحداً " جلست سناريا ترتعد مما قد يصلها فيحطم تلك الصورة التي عاشت عليها من عشق أمها وأبيها وعمها معتصم الفياض وناهدة .. تربت على رومانسية الحب .. أما هو سخر داخله من أمه واتهمها بالسفة كيف سلمت زوجها لامرأة أخرى وخاصة بجمال زوجة عمه الصارخ وسنها الصغير ، خرج من سخريته صارخاً بعد أن ثقبت أمه أذنيه بالشرط :" أن يكون زواجهما ورقياً فقط .. وقد كان "
" لا تقولي كان شرطها أن يكون عقداً فقط .. وزواجاً أبيضاً ، كذب لقد خدعاك !" اتسعت عيون سناريا بدهشة بينما فجعت أمه واضطرب تنفسها لدرجة أن امتدت أصابعها لترخي طرحتها قليلاً فقد كادت تختنق بكلمته تلك.. أردف كمن يهمس لشخص غير موجود :" لقد رأيت...."

الفجر الخجول(مكتوبة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن