الفصل الأول
يعلو نشيجها بصراخ مكتوم يجثم على صدرها ويغزو سماء ذهنها الصافية وهناك رجل بلا وجه .. و صارت تبدو أمام عينيها ملامحه التي تعرفها جيداً ولكن يعجز لسانها عن ذكره وعقلها يبدو خالياً كصفحة بيضاء أمام تذكره .. ماذا يفعل ؟!
يحاول منعها من رؤية منظر الفجر عند الميلاد وهي تصرخ به : " أتركني أرى فجري الخجول " دفعته بقوة في حديد عضلات صدره الصلب .. حاول خنقها بيده بينما عينيه فكانتا تجسدان الكره والبغض والقسوة كقاذفات حمم لجمرات نارية لو سقطت عليها ستحرقها بلهيبها .. خمشته بأظافرها وحاولت بفشل ذريع الفرار من إعتصام يديه ، شعرت بنفاذ الهواء من رئتيها المنطبقتين ..
قاومت الموت بلا فائدة فقد كان يفوقها قوة .. ضربته بكل قوتها المستمدة من غريزة حب البقاء فلم تفلح في إبعاد ذلك الجسد الذي يشبه جبل الجرانيت الصامد أمام السيل النازح لكل ما يقف أمامه .. بدأت الشعور بالإختناق فبدأت بإطلاق صرخات متقطعة للإستغاثة باسم واحد فقط هو نجدتها و حصن أمانها :" غيـــــــــــــث "
أفاقت على يد تهزها بلطف وصوت حانٍ يهتف باسمها :" سناريا استيقظي ، استيقظي حبيبتي .. إنه مجرد كابوس ، أفيقي.."
أطلقت شهقة حادة تسحب بها الهواء إلى رئتيها وهي لازالت تحت تأثير كابوسها المرعب.. رفعت أهدابها السوداء الكثيفة ..
تاملت الغرفة الوردية اللون وعقلها لايزال يتخبط في أمواج متلاطمة خلقها ذلك الكابوس المزعج ، كانت تتصبب عرقاً بينما تسربت البرودة لأطرافها و كل جسدها يرتجف بعنف .. دقات قلبها تسابق الريح كجواد بري ، ناولتها ناهدة - التي ساعدتها على الجلوس - كأس ماء وهي تترنم بالمعوذتين ، تسرب صوت أمها لروحها ببطء ليغمرها بالإنتعاش طارداً تلك المشاعر الرهيبة التي اجتاحتها و شيئاً فشيئاً عادت السكينة لتتسلل داخل أعماق روحها فهدأت ليرتاح جسدها وتستكين نبضات فؤادها الذي كاد ينفجر لشظايا منذ لحظات.
سألتها ناهدة الجالسة بجوارها على السرير تحتضنها بقلق بينما تربت على ذراعها بحنان :" حسناً ، كيف تشعرين الآن ؟"
تمتمت بصوت خافت وهي تجاهد لترسم ابتسامة باهتة على محياها الشاحب المرهق :" أنا بخير ، شكراً لك "
تأملتها المرأة الكبيرة بريبة وقلق مما حدا بسناريا أن تطمئنها :" أنا حقاً بخير حبيبتي ، إنه فقط كابوس .. أنتِ تعلمين أنني أسابق الزمن من أجل إنهاء رسالة الدكتوراة خاصتي "..
أومأت ناهدة رأسها و ربتت على شعر طفلتها المكومة بحصن صدرها :" لا تضغطي على نفسك فأنتِ أصغر طبيبة من المتقدمين للحصول على شهادة الدكتوراة .. فارحمي حالك طفلتي "
****
بعد ساعتين
تنظر سناريا و إبتسامتها زاهية لهؤلاء النسوة اللاتي تجمعن في منزلهما ليساعدن في إعداد كعك العرس لأميرة اليتيمة الأم ، كل همهنّ إدخال البهجة على قلبها.. يحاولن تعويضها عن وجود أمها التي توفيت منذ عام .. منهن من تعجن والأخرى تقطع العجين لتحافظ على حجم الكعكة متساوياً وأخرى تشكله كعكات مستديرة وتلك تنقش وجه الكعك بمنقاش يشبه الملقط ليبدو سطحه رائعاً بعد نضجه .. كل يعلم دوره بالضبط ولا يحيد عنه .. مثال رائع لتعاون أهل الحي كلهم من أجل أميرة ربيبتهم ، و النكات والتعليقات لا تنقطع فمرّ الوقت سريعاً وسلّمن الصواني الكبيرة لصبي المخبز الذي حملها جميعاً .. ثم أتى بها بعد أن تم نضجها ولون الكعكات الذهبية يفتح الشهية للإجهاز عليهم ..
![](https://img.wattpad.com/cover/225066435-288-k413844.jpg)
أنت تقرأ
الفجر الخجول(مكتوبة)
Romanceنظرية الحب هو الدوران داخل فراغ ثلاثية متوازنة من ثلاث محاور متساوية هي ألفة و شغف وإلتزام فيقع المحب في الترقب والحيرة والإنتظار ثم تأتي مرحلة التنافس من يستطيع جذب طرف خيط المشاعر تجاهه ليتملك الآخر .. ولكن الماضي والحاضر والمستقبل كلٌ له دوره فى...