الفصل التاسع
" ماذا أفعل يا حبيب أيامي .. ابنك ولا يجيب عندما أسأله ما الذي غيّره ؟ فقط يغمغم أو يبتسم بقهر .. صرت أدور داخل دوائر أحلامنا نحن لهما معاً " تمسح بإصبعها النحيل على الزجاج الشفاف الذي تظهر خلفه ملامح الرجل المهاب ملامح تراها كل لحظة بوجه وحيدها ولكنه يختلف فابنها بات متعكر القلب في مزاج متقلب وحيرة قصوى بالغة أثرها بوجود سناريا فهي تأتي لتبدل ملابسها وتنعم بحمامها بالأوقات التي تكون متأكدة أن المنزل خالٍ من كرم وجوده النادر وكأنهما اتفقا سوياً على هجر المنزل الذي أصبح يضج بصوت الدبوس المعدني إذا سقط على الأرض بغير عمد منها ، تأوهت :" آآآه يا حبيبي لقد حملتني مسئولية عظيمة لم أعد موقنة أنني أقدر على تنفيذها "عادت تتذكر صوته الواهن صبيحة وفاته
" ناهدة أنتِ أدرى مني بقلب سناريا الذي تعلق بوحيدنا الذي غادرنا بدون أن يعلمنا حتى .. إذا عاد أخبريه أنني مت وأنا عنه راضٍ ، لقد ظننته لاهٍ وغير مقدر للمسئولية الملقاة على عاتقه ولكنني أدركت كم هو مسئول .. فقط تخيري الوقت المناسب لتخبريه ذلك ، اختاري وقت انهياره .. ذلك شرطي الوحيد لذلك " تقطعت أنفاسه وأخذ يلهث قليلاً فمدت له بقرص صغير وكوب ماء بعد أن ساعدته على الإتكاء ابتلع علاجه ورشف الماء كله فقد كان يشعر بظمأ وأمسك كفها بيسراه :"عديني لو طلّق غيث سناريا لا تتركيها وحدها وابقي معها وابقيها هي هنا .. فذلك منزل أبيها وعمها وهي البنت أما الرجل يستطيع التصرف "
ربتت على قبضته الشديدة حول معصمها :" اهدأ يا معتصم أعدك بذلك ألف وعد .. فسناريا ابنتي ورفيقة وحدتي وأختي وأمي ليس لي سواها صديقة .. أعدك فلا تخش عليها ولكن غيث غادر وهو يعشقها فكيف سيتغير ؟!" ارتخت عضلات معتصم وأدار بصره حوله كمن يتأكد أنهما بمفردهما ولا آذان تنصت عليهما بغرفتهما .. شعرت أن ما سيُقال هو كتلة حجرية لن تستطيع تحريكها وحدها ولكنها وعدت
" لقد هاتفني وأرسل توكيلاً خاصاً لأطلقها نيابة عنه منذ عدة سنوات " ضربت بكفها على صدرها والأخرى كانت على شفتيها تكتم شهقتها داخل حنجرتها :" لماذا فعل ذلك ؟" تململ معتصم وحاول تحريك جسده فلم يستطع إلا بصعوبة بواسطة دفع جزءه الأيمن بيده اليسرى :" أشك أأنه يعرف شيئاً عن الماضي ولكني غير متأكد ، الذي أخشى عليه هو سناريا كبف ستتصرف وهي الرقيقة الحساسة ، لا أعرف كيف أتصرف فابنك مثل البئر العميق الضيق الفتحة لا يسمح للماء أن يصعد ليخرج منه ولايسمح لأحد بالنفاذ داخله " ابتسمت وهمست وهي تمسد جبين زوجها المتعرق :" ذاك الشبل من هذا الأسد .. إنه شبيه لك بكل عنادك وغموضك فأنت كبئر لا يسمع للعملة إذا ألقيت به أي صوت من عمقها " تأوهت للذكرى الماثلة أمام عيونها دائماً وأردفت لصورته :
" وها قد عاد شبيه أبيه بكل الغضب والكره ، إنني أشعر أنه لولا أني أمه لكان نصيبي اللعن منه .. ماذا أفعل يا معتصم ؟ إن ابنك لديه شقة كان سينتقل اليها .. والأدهى أنه حضر للوطن وظل أسبوعاً كاملاً بعيداً عنّا ولم يحضر إلا عندما جهز أموره كاملة .. افتتح مكتباً وأعد لنفسه شقته الخاصة .. لا أعرف أين ذهب قلبه القديم البريء " مدت أصابعها القصيرة ومسحت عيونها من دمعات ضببت رؤيتها :" آه يا معتصم إن البنت كنز سيضيع من بين يديه وأنا لن أقف مكتوفة الأيدي ، لقد تقدم إليها فارس ابن يونس وأنا أجده خسارة كبيرة ألا توافق عليه كما فعلت فور تلقت العرض .. لقد أعلمت ابنك أننا سنبلغه بقرارنا عن طريقه فهو المسئول عنها ووليها باعتبار أنه قريبها الوحيد "
تذكرت ذلك الشاب الذي بهتت عندما دخل عليهما بمكتب سناريا في المشفى وطرق الباب بخفة وأدب ، رفعتا رأسيهما باتجاه الطارق ..نظرت ناهدة لذلك الشاب الطويل العريض ووجهه البشوش وهمسه الهاديء :" الدكتورة سناريا على ما أظن " وقفت سناريا وهي تتقدم إليه :" فارس يونس على ما أعتقد ، آسفة فليس لديّ أي فكرة عن صورتك بل كنت أجهل وجودك بالمرة " ابتسم بحنان لإدراكه أنها لا تتعمد سوى الصدق :" إنما أنا كنت أعلم بوجود زهرة يونس .. قديماً كان أبي يمنع الجميع من ذكركم ولكنه بعد فترة كان يتعمد أن يلقي باسمك أو يزج اسم عمتي المرحومة أو حتى يأتي ذكر أبيك على لسانه عرضاً بوسط حديثه حتى يمتع نفسه بذكركم .. قد يكون حباً لكن يخص القساة أمثاله الذين يبلغ بهم الكبر والغرور أن يظهروا مشاعرهم بل يعتبرونها ضعفاً "
وبعد فترة تآلف فيها مع ناهدة قائلاً :" إن عيونك سيدتي تحمل نفس الحنان الذي كانت تحمله عيون أمي رحمها الله " فابتسمت ناهدة له :
أنت تقرأ
الفجر الخجول(مكتوبة)
Romanceنظرية الحب هو الدوران داخل فراغ ثلاثية متوازنة من ثلاث محاور متساوية هي ألفة و شغف وإلتزام فيقع المحب في الترقب والحيرة والإنتظار ثم تأتي مرحلة التنافس من يستطيع جذب طرف خيط المشاعر تجاهه ليتملك الآخر .. ولكن الماضي والحاضر والمستقبل كلٌ له دوره فى...