الفصل الثالث عشر

890 21 0
                                    

الفصل الثالث عشر

" لِمَ تفضلين هذا الوقت بالتحديد ؟" سمعت همسه الأجش يأتي من خلفها فقد تجنبت رؤيته منذ عودتهم أمس إلى المنزل .. كانت تتأمل الفجر من نافذة بغرفة الإستقبال ، أجفلت عندما سمعته ثم حولت نظرها إليه مستفسرة :" أتقصد فجري الخجول ؟" ملأ عيونها حنان كأنها تناجي عشيقها و أردفت :" إنك تقف بذلك الوقت أمام أنفاس الصباح ، هواء عليل بارد رقيق وتصل لأذنيك هسهسات هي تسابيح المخلوقات الخافتة التي تسمو إلى السموات .. وقت فيه عهود تتجدد مع الله .. تجعل أرواحنا كشموس تتولد بالحب والعطاء ، أذرعة النور تمد يديها لتحتضننا .. يملأ نفوسنا الأمل .. ويحوطنا الرضا بالقضاء والقدر ، وقت للقدر كأنه يقول لنا ( ابتسم وافتح قلبك للأمل فالأمل موجود في كل مكان ، به نحيا وتستمر الحياة بدفء الشمس ) "

ملأت عيونه نظرة إعجاب بتلك الفيلسوفة الصغيرة .. هتف قلبه بصمت ورع " آآه كم تشبه أمك !" لحظة حانية مرت بقلبه تجدد روحه :" لماذا تقفين هنا كل فجر ولماذا في هذه النافذة بالذات فالفجر فجراً بكل مكان ! تبدين كمن ينتظر شخصاً أو حدثاً " تنهدت لتجيب بهدوء .. لقد قررت أن تريح قلبها وتعلقت نظرته بدمعة تلمع بوهن داخل عينيها :" ذات يوم غادر أهم إنسان بحياتي في ذلك الوقت .. فهرولت لأراه فلم أر سوى ظله المغادر و ظللت أنتظر عودته هنا "

أدارها قليلاً لتواجهه :" ولكنه عاد ومع ذلك استمريت في انتظار الفجر الخجول " حركت رأسها بيأس :" لا لم يعد بعد ، لقد عاد ظله فقط ولكنه مازال غائباً ، أنا .. أنا .. أفتقده كثيراً " وانهارت لتهبط دموعها صامتة برقة لتنساب فوق وجنتيها الذهبية وترتجف شفتيها فتحاول أن توقف تلك الإرتجافة فتضغط على شفتها بأسنانها تكاد تدميها .. أرادت المغادرة فتحرك يعترض طريقها ولكنه دفع رأسها بحنان لتدخل بحصن صدره مردداً :" لا يا زوجتي لقد عدت أخيراً " رفعت رأسها لتنظر داخل عينيه من حلال الضباب المقيم بعيونها .. ترى نظرة الحب وما تحملها من عهود ووعود بسعادة تنثرعطرها بروحها المشتتة

*******

ممددة في فراشها جسدها يبتغي أن يهرول إليه وعقلها يضرب ويضج بالأسئلة .. كيف تفسر تناقضه القديم ؟!
لم يصارحها بالذي ينكأ روحه ويستنزفها.. إنها تخشى تبدله صباحاً ، هل كتب عليها الإنتظار الصعب طوال عمرها .. إنه يثير حيرتها ، يقترب ويبتعد في نفس الوقت .. يقيدها إليه بأصفاد حديدية.. و يلقي بها لتطير كورقة شجر تواجه الريح الشتائية العاتية... تشعر أن ما يربطها به هو خيط رفيع مهدد بالتمزق بكلمة منه !

باتت غير واثقة من مشاعره أيريدها فحسب أم يعشقها ويهاب .. مِمَ يهاب ؟ أهو الخوف على حريته أم مجهول لا تعلمه ؟؟ ولا تعلم كيفية التصرف حياله ..هل تضحك أم تبكي ؟ هل تقترب أم تبتعد ؟
نظرت للتوقيت المعلن بهاتفها المُضاء وهمست بخفوت :" لقد أطلت السهر الليلة .. كفى نامي يا سناريا "
سحبت الغطاء عليها لدرجة أنها غطت رأسها كاملة تريد أن تمنع عقلها من التفكير ولكنه أبى بقوة فأردفت هامسة :" هل كنت تختبرني بطريقة محيرة ؟ نعم سأكتفي .. ستكون لي وحدي يا غيث الفياض .. لقد أردتك طوال عمري زوجي وحبيبي رغم كل المرارة التي سكبتها داخل روحي بهجرك وتباعدك "
تنهدت وعادت تشعر بقسوة غريبة ولّدها كثرة التفكير والضيق ، تذكرت مقولة قرأتها ذات يوم ( لقد منحتني ما أريد ولكن ليس كما أريد وسآخذ ما أريد دون أن أمنحك ما تريد ) خرجت تنهداتها حارقة وهمستها حائرة :" يبدو أنها تنطبق علينا ياغيث .. يبدو أن لابد لحبي أن يتنحى حتى أستوثق من حبك.. سأتزوجك بطريقتك وليس كما أردت .. لن أثقل يومي بهموم الغد حتى لا أحرم نفسي من سرور يومي في انتظار هموم قد لا تأتي وسأتجاهل بإحتراف ذلك الهاجس اليأس الذي يتلاعب بي " و أخيراً داعب النوم جفونها بعد وصولها لقرار !

الفجر الخجول(مكتوبة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن