الفصل الحادي والعشرون

850 20 0
                                    

الفصل الحادي والعشرون

سألها بوضوح شجاع :" لماذا يا مريم ترفضين الحياة وأنتِ بتلك القوة ؟" ردت بحدة وهي ترفع سبابتها أمامه :" ليس معنى أنكَ وجدتني أبكي مرة خلسة أن تدّعي معرفتي !" تلعثمت وهي تتذكر ضياعها داخل ذاتها الكليمة وعادت ترفع رأسها التي كانت أسقطتها للأمام تواري خوفها من وحدتها الداخلية .. أن تبدو إنفعالاتها في عيونها فيقرأها بعيونه الحادة المتغلغلة داخل ذاتها فمنذ وجدته أمامها بالمكتب وعلمت أنه قريب سناريا تريد الإبتعاد فوراً عن كل المحيط ، يجتذبها بكل ما فيه حتى عندما صادفت أسعد أمام المكتب وبعدما تركها منصرفاً وجدته ينظر إليها بنظرة تفهم وسؤال حائر على شفتيه الهامستين وهو يشير برأسه إلى حيث سار أسعد
" من هو ؟" وجدت نفسها تجيب بكل صدق :" خطيبي السابق "
لاحظت كيف ارتدت رأسه للخلف ولمعة غريبة ظهرت بعيونه البنية .. لمعة قوة ممزوجة بسعادة .. راحة لا تعرف ، أتاها سؤاله الباتر لسلامها معه :" لِمَ فسخت الخطوبة ؟ ومن منكما قام بتلك الخطوة ؟" وجدت نفسها تستعيد رداء القوة الذي كانت هجرته منذ وجدته أمام سيارتها :" ومن أنت حتى تسألني ؟! ليس لك شأن بي " تنهدت بقوة ونفخت أنفاسها وأردفت :" لا سوف أصارحك علّي أرتاح من عظيم وجودك الرائع .. هو من طلب ذلك قائلاً لا أناسبه ، افهم أنا لا أستحق الحياة ..لا أستحقها "هكذا صرخت به ودفعته من كتفه بكلتا يديها .. لتزيحه من أمام باب سيارتها ودلفتها سريعاً وهي لا ترى أمامها ، أعماها غضبها الموشى بالدموع الهابطة كقطرات كبيرة من مطر غزير كادت أن تحتك بجسده لولا إنتباهه لحالتها الصعبة
" أعطيكِ وعدي بجواري لن تبكي أبداً ، كفاكِ قلقاً ووحدة "

إنه للآن واقفٌ أمامها ينتظر إجابتها التي طالت .. تركها بعد مواجهتهما الأولى منذ أول أمس واليوم انتظرها مطولاً أمام العقار الذي تقطنه مع والدها ، بعد فترة خرج رجل يعرفه .. تفرس به جيداً ومدّ يده ليخرج مظروف الصور الخاص بها وجده هو والدها .. تساءل بحيرة :" ماذا يفعل وحده بالطريق ؟ ولِمَ مازال يرتدي جلباب البيت ؟!"
وجد نفسه يقود سيارته خلفه بهدوء يدفعه أمران .. حمايته من مكروه قد يصيبه وحده وحالته بذلك الذهول الكلي وخوفاً عليها من حزن يصيبها يحطمها ويزيد من وحدتها خاصة بعد الحادث ، فنزل من سيارته عندما وجد أباها خرج للشارع السريع مذهولاً ولا يفقه موضعاً لقدمه فأخذه وهو يحادثه بألفة .. كان بدء الأمر ملتاعاً أن يصرخ الرجل أنه لا يعرفه أو شيء من ذلك القبيل مما سيجلب له مشاكل ولكنه عرف أي وحدة تعيشها مع ذلك الرجل المسالم فلم ينبس ببنت شفة وهو يقوده ويجلسه بجواره بسيارته حتى دخل به منزله ..علم أنها لديها كل الحق فقد كان من السهل أن يُختَطَف أو يضيع ، اهتز قلبه لمرآها أمام أبيها .. أول مرة يراها ضعيفة فحين وجدها بالحفل ظن بكاءها لكرامتها التي جرحت بسبب كلمات تلك الفاشلة ..ولكنه علم الآن أنها هشة كطفلة صغيرة .. لقد بحث عن زوجة قوية تسانده بقوتها وتتناقض مع جنا التي قتلها ضعفها وأمه التي نتيجة الضعف الأنثوي لم تتحمل فراق ابنتها ولحقت بها خلال شهر واحد .. لقد أبت أن تترك ابنتها بمفردها .. ولكنه بتلك اللحظة يعرف أنه لا يريد سواها فهو ليس بذلك السن المراهق ، إنه وطوال حياته محدد .. ورث من أبيه عادات أفادته بحياته العملية كثيراً .. وورث من أمه أحلى ما بها .. حنانها وطيبة قلبها أُضِيف عليهم حسه بفرض حمايته على كل ضعيف أو مستضعف ، تذكر كلماتها أنها قاتلة .. وهتف بخفة بدون أن تصل كلماته لمسامعها فتجرحها :" الحادث !"

الفجر الخجول(مكتوبة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن