الفصل الرابع

1.2K 32 0
                                    

الفصل الرابع

عيونها جامدة وجبينها مقطب تنظر لظل ربيبتها المختفي أمامها ، رمت نظرتها الحانقة وألقت بهمسة باردة :" متى تعلمت تلك القسوة ؟ من ترفضها تلك هي التي تولت مسئولية ثلاثة عجائز بينهم أبيك المقعد ولم تتأفف !

كانت تدرس وتقوم على شئوننا وحدها وأذهلتنا بنجاحها ، هي الآن تعد نفسها لتنال شهادة الدكتورة وأنت أين كنت ونحن معلقين ثلاثتنا برقبة تلك الصغيرة ؟؟ والآن تجرؤ وتقول لاتناسبني .. بل أنتَ الذي لا تناسبها .. وإن كانت هي لا تناسبك فأنا أيضاً لا أناسبك " حاولت أن تجتاز جسده الضخم ولكنه وضع كفه على كتفها وازدرد لعابه بصعوبة مفكراً سيحاول الخروج من ذلك الموضوع الشائك بأقل الأضرار فلا يمكن أن يغضب أمه بعدما وجد أمانه بين يديها الحانية وصارت سفينة ضياعه بماضيه ترسو بمرفأ قلبها .. تلعثم بكلماته المتعثرة : " أمي إن الوضع فقط مربك لنا جميعاً فأنا لم أكن أدري أن هناك زوجة تنتظرني حتى لم أكن أعلم أن أبي .." وتوقفت بقية كلماته بحلقه يغص بها فتجاوزها و كاد أن يردف لولا أوقفه همس والدته وهي تمسح دمعة أفلتت من بين رموشها :" إن أبوك أوصاني عندما تعود ألزمك بوعد قطعته له " تحركت لتذهب لابنتها .. تاركة يده تسقط بقلة حيلة تتأرجح بجواره كحياته المعلقة بوعد قطعه وحلم أراده يوماً يبدو بعيد عن متناول يده !

*****

أخيراً رمت نفسها على فراشها دافنة وجهها في الوسادة حتى لا تسمع ناهدة شهقاتها.. سقط سدّ تماسكها وقناع البرودة الذي ارتدته وناهدة تحادثها فبعد لحظات من إغلاقها بابها عليها تتأهب أن تفرغ ما في جعبتها من حزن بحضن فراشها ووسادتها وجدت الحانية تلحق بها ، وجدت نفسها تبتسم بترحاب وتباعدت قليلاً تتجمد أمام شرفتها كتمثال شاحبة كالجص .. ابتعدت فلو أخذتها تلك الحنون في حصن أمومتها لبكت دماء كرامتها الجريحة ، ظلت تتحدث وهي لا تفقه لفظاً واحداً .. لا تسمع ولا ترى أمامها فآثرت الصمت .. كل مافعلته حركة رأسها الموافقة حتى قبّلت ناهدة كتفها ومسدت شعرها وخرجت ...

ظلت فترة طويلة تبكي كرامتها المجروحة ووحدتها الأليمة.. لم تدرك كم مر عليها من وقت حتى غلبها النعاس .. تستعيد بأحلامها ذكرى عمها الراقد على فراشه الأثير.. أسير في أيامه الأخيرة مثلما حدث فعلاً عندما استدعاها و أمرها :" اغلقي الباب يا ابنتي واقتربي " نفذت أمره بكل حب وقلق لاتريد أن يرهق نفسه .. أتاها أمره الآخر :

" افتحي دولاب الملابس .."

ففتحت حيث أشار :" انظري فوق بأعلى رف هناك حقيبة جلدية احضريها وافتحيها " وجدتها فجلبتها و اقتربت من فراش عمها المصاب بالشلل في نصفه الأيمن .. جلست على أطراف الفراش بجواره حيث أشار لها ..

" افتحي الحقيبة أرقامها هي تاريخ ميلاد غيث " نفذت بسهولة فهي تتذكر تفاصيله وتعشقها فكيف تنسى تاريخ مولده

الفجر الخجول(مكتوبة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن