الفصل السابع عشر
و تبقى لغة العيون سراً لا يعرفه أحد ولا يفصح عنه لسان.. مازالت نظرته المتألمة هي ما تميز وجهه ..
أرادت الصراخ فلم يمكنها صوتها من ذلك فجرت دموعها فقط هو الألم ما يتبقى من الذكرى .. لم يعد هناك شيء بداخل ذلك الجسد الواهن ، لم يعد لها غير الخواء.. يجب أن تظل تبتسم وتكون سعيدة أمام الجميع .. وقلبها قتل على يديه ، لِمَ لا يستطيع أن يفهم أنها مثله لديها ظنونها الخاصة حوله ؟! قررت أن تعرفه أكثر ثم تواجهه بظنونها ، لا إنها تختلف عنه أكيد .. لقد سعيت خلف حلم مات زمانه .. لذا يجب أن تتوقف!
صرخت لنفسها :" لا لن أتوقف .. بل سأبدأ السير في اتجاه مضاد لذلك الحلم حتى يختفي من داخلي .. ولكن هل سأتوقف يوماً عن البكاء ؟؟ أتمنى أن يتوقف قلبي عن النبض.. الإستجداء .. التوسل .. الحب !"ينظر إليها بتحديق مستمر يتمنى أن تسقط على مقلتيها ليروي ظمأه منها حتى لو حملت نظرة بغض وكره .. حتى الشعور بكرهها قررت أن تحرمه منه ، لا تنظر له أبداً حتى ولو عن طريق الصدفة البحتة !
لا يعلم لماذا يراها الآن وعيونه تملأها الدمع الجاف فدمعه يأبى أن يغرق خديه ليرق قلبها عليه وبذات الوقت يرفض أن يترك مقلتيه .. يدرك أنها صارت بعيدة المنال عنه ، حتى الكلمة معها لم تعد من حقه.. النظرة إليها تكاد تصل داخله لحد الجريمة..
يشعر أنها ستطوف بحياته كشعاع برق فجأة واختار الإختفاء والإنزواء بعيداً .. بعيداً خلف الحجب الضبابية داخل سجن ماضيه ، يعلم أنه أخطأ بحقها .. لن يشعر بنبضها مرة أخرى ولن يلقى دفئها بظلاله على رأسه
يشعر بضياعه بعدها وهي مازالت أمامه .. هو ضائع بدونها .. لن يستطيع التفوة بحرف ، لقد فقدها تماماً !
فتح فمه ليتحدث ثم أطبقه .. نادماً لا يعلم ماذا يقول وهل لو اعتذر ستسامحه ؟؟ إنه الفشل يسير على قدمين .. فراغ مشاعره لأول مرة بعمره يشعر بالعجز الكلي ، إحباط غريب سكن روحه وأعاد جدوله خلاياه وصياغتها من جديد .. ينتظر منها حكم بإعدامه ، متى تُعَلِّق رقبته بحبل الخلاص أم ستختار المقصلة لتريحه من عذاب أبدي .. جاءت هواجسه تلك أسرع مما توقع
" إن كنت تخشى أن تكون مها حنثت بقسم أبقراط المقدس .. تستطيع أن تجعل أي طبيب من إختيارك يجري الفحص " انتفض من جلسته واقفاً وهو يقترب منها بشكل مرعب يقبض أصابعه ، هتافه باسمها كصرخة حبيسة داخل حلقومه تخرج جاذبة معها روحه المعذبة :" سناريا ..لا.." وجدها تحني رأسها لأسفل بشكل هاله وأرعبه عليها .. بل أوجعه فقد كانت الصورة المجسدة للإنكسار ..إنكسار قلبها ونفسها ، قادته خطواته أمام فراشها يهمس بألم لم يجعلها صوته ترفع رأسها لتراه فلا شيء عاد له أهمية إلا هي :" أنظري إليّ أرجوكِ " لم تبالي بذلك الصوت المتوسل .. حاول بتردد أن يمد أصابعه لكفها النائمة بجوار جسدها بتراخٍ واهن فسحبتها قبل أن تمسها أصابعه ، قاطعت أي تصرف من قِبَله .. همست بصوت جامد :" لا تظن أني أفعلها لأجلك فأنا لا أقدم بتلك التضحية من أجل من لا يستحق " أغمضت جفونها بقوة وأردفت بذات الجمود :" إنه الماضي ما يهمني .. فلم يكن عمي خسيساً ولا أمي رخيصة " تنهدت بزفرة حارقة لأعصابه صدمته من تصديقه بجريمة أبيه هالته وجعلته يتساءل بلوم ألم تكن أنتَ أولى بذلك الدفاع المستميت عن أبيك معلمك ومثلك العليا أمثولة المباديء .. كلمتها الجازمة أوقفته عن حدود نفسه الجانية :" سأثبت براءتهما أمام العقول الفاسدة عندما أعود .." صمتت لتراقب عيونه تتسع حدقتها فاستطردت إثباتها أنها مستقلة عنه منذ تلك اللحظة التي قذفها بإتهاماته الحقيرة :" من المؤتمر الطبي " همس بحدة غاضبة :" أي مؤتمر هذا ومتى ؟؟ ولِمَ لَم أسمع عنه من قبل ؟"
أنت تقرأ
الفجر الخجول(مكتوبة)
Roman d'amourنظرية الحب هو الدوران داخل فراغ ثلاثية متوازنة من ثلاث محاور متساوية هي ألفة و شغف وإلتزام فيقع المحب في الترقب والحيرة والإنتظار ثم تأتي مرحلة التنافس من يستطيع جذب طرف خيط المشاعر تجاهه ليتملك الآخر .. ولكن الماضي والحاضر والمستقبل كلٌ له دوره فى...