17ج2

5.3K 133 9
                                    


لجزء السابع عشر (القسم الثاني ) رواية (حضن وجع ) :

منزل حمزة :

توقف عاقدا" حاجباه امام الدرج وهو يضغط ازرار هاتفه مرة اخرى واخرى ... اصيب بقلة الحيلة عندما وجد هاتف ياسين يستمر بالرنين بلا اجابة ، طرف بعينيه ليزفر بضيق ويشرد في تفكيره ، قلق حمزة على ياسين يصيبه بالغثيان ، يشعر ان مكروه ما يحدث لصديقه بينما يقف مكبلا" الى نصفه الاخر الذي التوت ساقه بتلك الغرفة !.....

شعر بملمس ناعم يمتد الى ذراعه فالتفت عاقدا" حاجباه ليشاهد والدتها التي تبتسم اليه

الام : جبتلك غدا انت مكلتش لحد دلوقتي يا حلو

ابتسم حمزة : انا مش جعان

نظرت الام نحو غرفة منة ثم نظرت اليه لتدخل ذراعها بذراعه وتجذبة للسير معها باتجاة غرفة منة بخبث : مش مهم المهم انك تاكل يا عريس الغفلة

سار حمزة بجانبها مبتسما" بخفة وقلق حتى دخلوا الى غرفتها ليشاهدها تجلس على السرير وترتشف من عصير البرتقال لتنظر اليه بحرج ثم تخفض رأسها

توقفت الام لتنظر نحو منه ثم الى حمزة : هجبلك شاي بحليب زي ما بتحب

اشارت له بعيناها ان يجلس على الصوفا التي نام عليها بالامس فهم حمزة ان يعترض ليشاهدها ترفع حاجبها وتسير متجاهلة اعتراضه وتخرج

طوى حمزة شفاته بقلة حيلة وهو ينظر خلف رحيلها ثم طرف بعينه ليلتفت نحو منة ، نظر اليها ليبتسم بخفه ثم اقترب نحو قدماها المرتفعة فوق الوسادة ليضع يده بخفة فوقها وينظر اليها

حمزة وهو يبتسم بحنان : وجعاكي ؟

منة وهي تتحاشى عيناه وتنظر للاسفل ببحة خجل : احسن

طرف حمزة بعيناه ليقترب ويجلس على الصوفا بجوارها وهو ينظر اليها بثبات ويتأمل خجلها حتى ارتعش الكوب الزجاجي بيدها وهم بالسقوط ليندفع حمزة نحوها ويحيط يدها التي تحيط الكوب ويحكم قبضته حوله قبل ان يسقط ، بلا ايه مقدمات وجدت منة عيناها تلتفت وتلتقي بعيناه التي تنظر اليها بينما تلتف يداه حول يداها

حمزة تلك المرة كان يتأملها بحرية ادهشت منة التي وجدت ذاتها بداخل موقف مخيف لا تستطيع فيه تلاشي عيناه او انتزاع يده ، ابتلعت ريقها وهي تنظر الى عيناه لتشييح بوجهها عنه فشعرت بيده التي اصبحت ترتخي عن يدها

نهض حمزة ليكتف ذراعاه وهو ينظر اليها

حمزة وهو يطرف بعيناه ثم ينظر اليها بجدية : على فكرة انا بحبك

التفتت اليه منه بصدمة لتنظر اليه بعدم استيعاب لما سمعته للتو

حمزة وهو يبتلع ريقه ليكمل بنبرة بحة : مش عايز اتجوزك عشان امسح ذنبي

ومش عايز اتجوزك عشان خايف انك تتكلمي

ابتلع حمزة ريقه لينحني ويقرب وجهه اليها وينظر الى عيناها بتجول حزين

حمزة بهمس : عايزك عشان بحبك ..
نظر الى عيناها اكثر ليكمل بهمس متألم : عشان لو اللي بنكرهه حصل فعلا" فتقدري تكملي حياتك يا بيا يا بعدي وانتي مش قرفانه من نظرة مجتمع متخلف لضحية
ابتلع ريقه بحزن ليكمل بضياع : ولو محصلش .. يبقى انا اللي اثبتلك اني بريء بنفسي

رفع يده ليحتضن وجهها وهو ينظر اليها : وتبقي هديتي من الحياة
من الدنيا اللي كل يوم بيضيع مني فيها حاجة

اكمل بتعب وهو يستند بجبينه على جبينها ويغلق عيناه بقوة ويتنفسها بعمق : Iam so tired babe

I missed u before
U gone

And I miss u now
Something is hurting here

وضع حمزة يدها على صدره وكأنه يشير الى قلبه وهو ينظر الى عيناها بعينان يملأها الدموع

حمزة : Iam so tired because u lift here

اكمل وهو يبتعد عن جبينها وينظر الى عيناها عن قرب بعشق هامس : مقدرش اتحمل تسيبيه مرة تانية

كانت منة تنظر اليه بين صدمتها واشتياقها ، تشعر ان شيئا" ما يلمع بشدة بين عيناه فلا يوقف عيناها عن المشاهدة ، تتنقل عيناها بين نجمتان داخل عينا حمزة ولا تعلم اتلك النجمات هي نجمات العشق ام مؤثرات الوهم .. ولكنهما صادقتان بشدة .. صادقتان بعمق يؤلمك ويحررك من جأشك امامهما ..
اقترب حمزة نحو جبينها ليطبع قبلة عذرائية خفيفة ارجفتها لوهلة ، شعرت منة ان حمزة يدخل الى جسدها روحا" مندفعة بينما لا زالت تشاهد !.. اكثر ما ادهشها ان تلك المشاهدة لذيذة بشدة ... بشدة لم تشعرها منة منذ الكثير والكثير

اغمضت عيناها بقوة تستطلع شعورها الحريري الناعم الجميل ...... وهي تشعر به ينسحب عنها ..

تلك المرة لم تنفره منة ولم تدفعه بل دفعه عنها صوت الهاتف الذي تعالى بالرنين ليقفز اليه حبيبها بحثا" عن املا" يريحه عن صديق العمر ، فتحت عيناها لتشاهد حمزة يضع الهاتف على اذنه وتتغير ملامحه للحزن فشعرت ان قلبها يركل في مرماه بقوة !

اغمض حمزة عيناه بقوة وحزن وهو يغلق الهاتف لتشاهده يرفع عيناه اليها بحزن وتمتلىء بالدموع

منة بقلق وبحة : في ايه يا حمزة !!

اقترب منها وهو يزيح دمعة بيده عن وجهه ويجلس بجوارها ثم نظر اليها بحزن

حمزة ببحة الم : ياسين بحاول اوصله من الصبح ..

طرف بعينه في الم ثم نظر اليها : دلوقتي كلمني بس صوته تعبان اوي

منة بخوف : في حاجة حصلت !!

حمزة ببحة حزينة : ابن خاله مات .. بس هو زعلان اوي
الواد مكملش 28 سنة ومات ف حادثة وحشة .. وحشة اوي

نظرت الى عيناه لتقرأ الحزن فيهما لتعقد حاجبيها ببحة : للدرجة دي زعلان عشان ياسين ؟

حمزة ببحة بين عيناه اللامعه : مش بقولك دنيتي معنديش فيها حاجة ..

نظر اليها بقوة بالم قتلها : ياسين هو اخويا اللي لقيته متاخر

امال راسه ليقترب اليها اكثر : وانتي طفلتي ..

طوى شفاته ليكمل بعشق حزين: u in me

U inside me

نظرت اليه بصدمة لتبتسم بخفة وتمتد يدها لتمسح على نصف وجهه بحنان ليرتمي حمزة بكل ضعفه بلا ايه مبررات الى ضمة عفوية لمنة ، لوهله توقفت يدا منة خلف ظهر حمزة بصدمة وثبات بلا استيعاب لما فعله ولكنها شعرت بقطرات حارة تنزلق على كتفها ...... دموع مختلطة بين الوحدة والندم والفقدان حررت يداها ، حررت يداها تربت على ظهره وكأنها تطمئنه ببراءتها .... وكأنها تخبره ان هنا عالم دافىء يا حبيبي .... عالم يستقبلك بلا مقدمات يدفعها قلبك المسكين ذاك ليصل اليه !

\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\

حبيبتي .. اشعر ان شيئا" قويا" تساقط بك ، فيروزيتك تلك ورائحتك الشهية تتضائل وكأنك تحتضرين فتفتقدي عطورك يا حبيبتي ، انا القاسي الوحش اللعين الذي لعنه حبك وشوهه ما فعله بك ... انا كل الاشياء الضالة والظلام الذي خفتية يوما" في طفولتك ، ولكني اموت يا تارا ... احساس من الموت يقتلع صدري ويثقب قلبي في طرفيه امامك هكذا ...، لو ادركت خطيئتي قبل ان افعلها لتركتك ذلك اليوم !.. لابتعدت عنكي وانا اهرول بعيدا" جدا" واغطيكي عن عيناي الخبيثة !

لقبلت بكي كامل محرماتي وفاكهتي التي لا يسمح بالاقتراب منها ، لاكتفيت بعيناكي النائمة بجواري ورائحة انفاسك التوتية ، ولكني حرمت نفسي الجنة يا تارا !، التقطتك من شجرتك الذهبية لاتلذذ بمذاق تفاحتك ولم اعلم وقتها انك تذبلين بين يدي !، لم اعلم انني احطم كل ما احببتيه .... لم اعلم انك ستخرجين مني هكذا لتضيعين !، لم اعلم ان كل الاشياء ستصبح عبثية ولا تكفي انينك والمك ليلا"

عدت بكي الى دارك الحبيب لاضعك في سريرك وانا اتأملك واشعر ان ذنوبي تتصاعد حتى بلغت رأسي فاصبح الصداع يتداوى بين جنباتها الصلبة !، وجدتك تنامين كجنين متعب ضئيل وتلملمين ذاتك اختباء" مني لتغمضي عيناك ولازالت انفاس بكاءك تتصاعد ، تفقدين وعيك تارة وتستيقظين لتستمر عيناك في سكب مياهها بلا توقف ، بينما اشاهد واشاهد واشاهد ....
بحثت عن كل الاشياء التي تسعدك ، جلبت منيرة .... واتيت بزين لاضعه بجانبك ف السرير ، ابتسمت وانا اضعه نائما" برقة واستسلام بينما تعب قلبك من النحيب لتغلقي عيناك بجوارة واثار الدموع لازال يسير على وجهك الاحمر الحزين ، كنتوا بغاية الملائكية !!.... حينها توقفت اشاهد ذلك المشهد بذهول ، انتي ذلك الملاك الابيض بخصلاتك البنية الذهبية تنامين على احدى جنبيك بتعب بينما يستقر بجانبك طفلي الصغير بوجة منتفخ لذيذ فأشاهد مدى تشابهك به واتالم اكثر !!، اتألم كشيطان يشاهد الملائكة نيام في حجرته !

لحظات ولحظات وانا اجلس على الاريكة احدق اليكما معا" ، لأشاهدك تفتحين عيناكي شيئا" فشيئا" بوهن ، حينها ابتسمت وانا اظن ان عيناكي ستلتقي بزين فتبتسمين كعادتك ، كنت اعتقد ان زين هو حلواك الذي اضعها امام بيتك كلما اوجعتك فتبتسمين كطفلة رقيقة يا حبيبتي ولكن تلك المره اخطأت !، التقطتي وجه زين المواجه لوجهك ولكن شيئا" لم يكن ، نهضت انا بصدمتي وانا اشاهدك تستندين بصعوبة لتجلسين في وضع الجلوس وتضمين ساقيك الى صدرك بذات النظرة المتجمدة ....

توقفت اتعثر بين خطواتي الالاف المرات أاقترب ام اخرج ولكن قلبي حملني اليكي تماما" ، وجدت قدماي تسير نحوك حتى توقفت بالقرب منكي وطرفت بعيناي لتمتد اصابعي وتمسح على شعرك بضعف

نور بهمس وهو يمسح على شعرها بحنان : تارا

خرجت كلمتك لتقتلني يا حبيبتي .... خرجت لتضع امامي اختيارك الذي لا استطيع مجابهته اليوم ابدا"

تارا بجمود : سبني

نظر اليها نور بصدمة ليبتلع ريقه وتسقط يده عن شعرها شيئا" فشيئا" ، اومأ برأسه بضعف ليسير مبتعدا" بالفعل ويخرج ..

نور يدرك تماما" لكم رفض مطولا" الابتعاد ولكم رفض كثيرا" ان يتركها ، تلك المرة لم يكن لنور قدرة او حيلة ليبقى .... لا قدرة على مجابهه ولا قدرة على ايلامها !
لذا انسحب يلملم ضعفه وشتاته ليترجل الدرج خطوة بعد اخرى بضياع ، ادرك نور ان استعادة ما فقده صعب جدا" .. صعب الى تلك الدرجة لسهولة فقدانة كليا"!، انهكها نور .... وما انهك وانتهك لا يعود !... حبيبتة لن تعود !

لساعات بقي على تلك الاريكة مستندا" بجبينه على رأسه وعاقدا" حاجباه بتفكير حاملا" اعباء العالم الضاج بداخله ، كلمات احمد تدوي برأسه كحديد صلب يطرق جمجمته ليوقظها او ليفجرها لا يعلم !.. ولكنه يحدث امرا" جليا" بداخله ، كل السبل انقطعت اليه ....اغلق هاتفه وانسحب عن عمله لايام مبتعدا" عن كل شيء وكأنه يحاول اكتسابها هي فقط .....

وتلك القهوة بردت منذ العشر دقائق وهو لايزال عاقدا" يده على جبينه ولم ينتبه حتى لمنيره التي وضعتها امامه ، ابتلع نور ريقه بألم وهو يحاول التقاط انفاسه بتعب وجهد ، اختنقت داخله الالاف الاشياء واصبحت ذاكرته علته التي تنقض طهر حبه اليها ، شعر لوهله انه فقد كل ذكرياته معها وبقيت ذكراه الاخيرة حيزا" قذرا" يمزق حناياه انتقاما" !، ود كثيرا" ان يقطع تلك اليد ولكن ذكراه العالقة كيف تذوب وترحل !

رفع رأسه بضياع وهو يستمع الى صوت منيره

منيرة : نور بيه في ناس عايزين حضرتك برة

ظل نور يحدق اليها لبضع دقائق بعدم استيعاب ثم طرف بعينيه عدة مرات وكأنه يوقظ ذاته من شرودة وعدم استيعابه نظرا" لحالته

نور بتعب : ناس مين

منيره : معرفش بس عم جلال بيقولي انهم سألوا عليك ومصرين يقابلوك

نظر اليها بتعجب ليعقد حاجباه : طب قوليله يدخلهم

شاهد منيرة وهي تنصرف لتخبر عم جلال باحضار الضيوف ثم تتقدم ليلحق بها اربعة اشخاص الى داخل المنزل ، نهض نور عاقدا" حاجباة بصدمة وهو يتبين هوية الحاضرين والذين لم يكونوا سوى عمر ومحمد اخوة تارا وياسين وامرأة كبيرة نوعا" ما

توقف يتجول بعيناه بينهم بصدمة ليتقدم عمر ويمد يده مصافحا" نور ، نظر نور الى يده قليلا" ثم وضع يده بيد عمر ليصافحة هو الاخر ثم اسقط يده لينظر اليهم بشك

عمر وملامحه تظهر التعب : سألنا عليك كتير ودورنا ومكناش عارفين ليك مكان حتى تليفونك مقفول وشغلك بقالك ايام مبتروحوش واحمد بيه نفسه مش عارف انتوا فين ...

وبالصدفة سألنا البولب وعرفنا انكم هنا

نظر اليه نور متجولا" ليكتف ذراعاه بحده : اهلا" ..
ممكن اعرف ايه المطلوب مني ؟

تقدم ياسين بجوار عمر لينظر الى نور بحدة : مطلوب منك تنده تارا عشان ترجع مع اهلها

نظر اليه نور بصدمة وحدة : اهلها اللي هما مين لا مؤاخذة انت ؟

عمر : اهلها احنا يا نور بيه .. انا ومحمد وعمتها وابن عمتها

نور وهو يعقد حاجباه بغرور : دلوقتي بقيتوا اهلها ؟....
ولا يمكن لسه بتدور في ورقك الجديد فلقيت شهادة ميلادها بأسم ابوك

تقدم محمد بغضب : بص يا اخ انت ... لا الزمان ولا الوقت ولا اللي احنا فيه حمل كلام ..
اختنا احنا ندمنا كويس اوي على اللي عملناه فيها وربنا ردلنا جزاءنا كويس اوي بالمرة
كل اللي عايزينه نشوفها ونطمن عليها ...واذا انت مش عايزها في الف بيت يتمناها وهيحافظ عليها المرة دي

ابتسم نور بتهكم جريح ليجلس على الصوفا وينظر اليه : كل دة عرفتوة دلوقتي ؟
ولما كنتوا رامينها ف الشارع لخلق الله مفكرتوش ف ربنا وعقابه والكلمتين دول ؟
عايزين ايه ..تاخدوها ؟
وانا المفروض ابقى نايس وعادي واشاور من بعيد واقوالها باي باي ..كانت مجية حلوة

عمر بغضب : احنا لينا فيها اكتر ما ليك

نهض نور بغضب واندفاع : انتوا مالكوش فيها اي حاجة ...

اقترب لعمر عاقدا" حاجباه بغضب : هي اللي ليها فيكم كتير ... وكتير اوي
ومش هتعرفوا توافوة

العمة : ادينا بنتا يا ابني او خلينا ع الاقل نطمن عليها ...
الظروف اللي احنا فيها تاعبة قلبنا بزيادة ...بزياداك يا ابني متتعبوش ازيد
لو هي راضية ومرتاحة مش هنعترض ...بس نتطمن

نظر اليها نور بحدة لينظر الى ياسين الذي ينظر اليه بكره بدوره ثم عاد بالنظر اليها : تارا مراتي ...
وانتوا وجودكم مش مرحب بيه

لم يكمل نور كلمته حتى وجد انظار الجميع تتجة خلفه ، استدار بانفاس متصاعدة وقلب متضارب ليشاهد تارا التي تقف ببرودة وملامح متجمدة متجهمة تنظر اليهم بثبات .....، نظر اليها بصدمة ليشاهد العمة التي اندفعت نحوها لتحتضنها وتقبلها بحرارة وهي تبكي بينما تستقبل تارا حنينها بلا ردة فعل وبلا استقبال ، ابتعدت العمة عنها لتنظر اليها بصدمة وخوف لم تختلف كثيرا" عن نظرات الصدمة التي اعتلت وجوه الجميع ، تلك الشبح الذي خرج اليهم لم تكن تارا التي عرفوها ... تلك البرودة التي شعرتها العمة جعلتها تدرك ان تلك الانثى جفت بشدة ... جففها الالم والخذلان واوجاع الاقرب !

ابتعدت عنها لتتراجع الى الخلف وتتبادل النظرات بين دموعها بين اخوة تارا وابنها ليربت ياسين على كتفها بمؤازرة ثم يتابع المشهد ، تقدم عمر بحنان نحو تارا التي تنظر اليه بثبات وتجمد ليبتسم بشبح ابتسامه ويضع يده على كتفها

عمر ببحة الم : ازيك يا حبيبتي

ولكن تارا كانت تنظر اليه بنفس التجمد والثبات لدقائق مطولة ثم تجاوزته لتقف امام البقية بلا مبالاة ، توقفت امام محمد تنظر اليه بذات الوضعية ثم تجاوزته لتنظر الى ياسين ثم عمتها لتسير متجاوزة الجميع وتستدير لتقف على مقربة من الجميع بينما يلتفوها عن مسافة ناظرين اليها بصدمة

نظرت نحو نور الذي ينظر اليها بألم بذات التجمد ثم عادت لتنظر اليهم ، انضم عمر ليقف بجانب محمد من جديد بينما تتجول تارا بعيناها بينهم

تارا ببرود : انتوا مين

نظر اليها الجميع بصدمة ليعقد عمر حاجباه : احنا اخواتك يا تارا !!

طرفت بعيناها بنفس التجمد : انا ماليش اخوات

تقدم عمر نحوها ليقف امامها مباشرة محدقا" اليها بألم ببحة ندم : احنا طول عمرنا اخواتك يا حبيبتي

امالت رأسها بحدة وبرود بينما تلمع عيناها بهدوء : انتوا عمركوا ما كنتوا ...

نظر اليها عمر بصدمة ليلتفت وينظر الى محمد الذي ينظر اليه بعدم استيعاب ثم يقترب باتجاه تارا ليقف بجوار عمر

ابتسم محمد ليضع يده على كتف تارا بنبرة خافتة حنونة : سامحينا ..
ربنا خلص حقك مننا كتير .... كتير اوي يا تارا

نظرت اليه ببرود حاد وحقد : لسه ...

ابتلع محمد ريقه بصدمة لينظر اليها بترجي بينما ارتعشت يداه لتسقط عن كتفها : صدقيني يا حبيبتي اللي احنا شفناه كتير ...
ذنبك

سقطت دمعة عن عيناها لتظهر نظرة الم تدب الحياة اليها اخيرا" وهي تنظر اليه : كل واحد واقف دلوقتي حواليا شايل ذنب .
ذنب عمري ما هسامحه عليه لو شوفته بيموت ادامي ...

سقطت دمعة لتكمل بنفس التجمد :
وانتوا اكتر ذنب مش هنساه ف حياتي ..

عمر بالم : كفاية يا تارا كفاية

تراجعت الى الخلف بالم لتصرخ بغضب : كفاااااااااااااااااااية ؟

كفاية ايه ...
ايه اللي انت اكتفيت منه ؟....
هاه ؟......
تعرف الوجع اللي فيا ؟...... تعرف انتوا عملتوا فيا ايه ؟؟؟؟؟؟ تعرف انا دلوقتي ااااااااااااايه

صمتت بين عيناها المتوسعة بتوحش الالم وجنونيته لتخرج كلمتها النهائية ببحة الم جريح : متعرفش ....

اكملت بحقد : يبقى اتوجع .....اتوجعوا كلكوا ..
اتوجعوا .....

بكى عمر بحرقة ليتقدم قليلا" : يا تارا احنا بقى في منا اموات ...
متوجعيش الميت ف تربته .. كفاية اللي شايلة

توسعت عيناها بصدمة وعدم استيعاب لكلمته لتتجول بين عينا الجميع ، شاهدت عمتها التي انفجرت بكاء" لتنتبه تارا الى اللون الاسود الذي يسيطر على اجساد الجميع ، سترة الموت تغطي اجسادهم بظلامها في استقبال ارواح الاموات ..... لونا" قبض قلب تارا بشدة .... رطمه بعنف

ابتلعت ريقها لتعقد حاجباها بألم وتنظر الى عمر بعينان لامعة بحروف متقطعة : سالم ... مصطفى
في يين .. فيين ؟

ازداد عمر ف البكاء ليتقدم ويقف امامها مباشرة ناظرا" اليها ببحة بين بكاءه : مصطفى مات ..

انتفضت بعدم تصديق ولازالت حاجباها المنعقدان وعيناها المنفزعة تتجول بجنون بين ملامح الجميع والالامهم لتعود بالنظر الى عمر الذي اكمل كلماته ببكاءه : مصطفى كان بيفتكرك كتير في اخر اسبوع ..

ابتلع عمر ريقه بالم ليكمل : كان بيسأل عليكي كتير.....
حاول يعرف من سالم انتي فين ...معرفش

صمت قليلا" ليزيح دمعته ثم نظر اليها : ولما سألني كدبت عليه ...
معرفش ليه بس انا كدبت

اكمل بالم : كان مهتم بيا وبيراعيني اخر فترة ، زي ما يكون المرض جمعنا ..
زي ما يكون موتي خلانا نرجع اخوات

اقترب اكثر منها ليقبض على يدها وينظر الى عيناها : انا مريض يا حبيبتي ....

اكمل : عندي سرطان ف الرئه ..

سقطت يدها عن يده بصدمة وهي تنظر اليه بعدم استيعاب ليكمل عمر : مصطفى كان معايا .....
مراتي لما عرفت بمرضي سابتني ....
كان معايا عشان هو نصيبه يموت قبلي ......

اغلق عمر عيناه بقوة ليقترب منها اكثر لتخرج كلمته بشهقة بكاء متألمة : ولما مات كل المصايب طلعت

تارا ببحة خافتة وصدمة : سالم ....

عمر بين دموعه : تارا كريم مطلعش ابن سالم ..

كريم ابن مصطفى

توسعت عيناها بصدمة لتهتز رأس عمر بألم : ايوة .... كريم ابنه

اقترب محمد ليقف امامها بجدية : مصطفى عمل حادثة .. وقبل ما يموت بشوية اعترف لسالم ان حنان كانت .......

لم يستطع محمد تكملة الجملة لينظر اليها بالم : مصطفى واثق ان كريم ابنه هو ..... وسالم اتجنن لدرجة انه شك في نسب بقيت عياله ، مفيش دقايق وكان مصطفى بيطلع ف الروح وسالم اختفى ومحدش عارف راح فين .....


تراجعت بجنون الى الخلف وهي ترتعد برعب من كل ما تسمعه ليقترب نور مندفعا" ويقف امامهم صارخا" فيهم بجنون : سبوهااااااااااااااا ف حالها .......

كفاية ........ جايين ليه
جايين تاخدوها مني جثة ؟.......

احنا بنعذبها كل ما وشنا بيجيي في وشها .... بندبحها ....
احنا ولاد ستين .........* زبالة .....

التفت لينظر اليها بين دموعه ويشاهدها تنظر اليهم بضياع وهي ترتعد لتلمع عيناه وهو ينظر اليها بندم : عمرها ما استاهلت كدة ...
عمرها ما كانت حمل كل الوجع دة ..

سقطت دمعته بالم ليكمل بهمس : والله العظيم عمرها !

اندفع عمر ليصرخ به : ابعد عننا ...... سبنا

ثم اندفع نحو تارا يصرخ بجنون وبكاء : مصطفى ماااااااااااات يا تارا .....مااااااااااااااات
وانا هموت ..

تقدم محمد ليجذبه الى الخلف ثم تقدم نحوها لينظر اليها بين فزعها ويضم خلف رأسها بيده بنبرة حنان : حبيبتي ....
انتي هترجعلنا ..
هترجعي اختنا الصغيرة الحلوة اللي كل واحد فينا يفتخر بيها
..
طوى شفاته بالم : هيرجعلك حقك ونصيبك وحياتك ..

اكمل محمد وهو يبتسم بخفة : الدنيا اللي سرقناها منك هترجع ..
مش انتي عايزاها ترجع ؟

ارتفعت عيناها اليه بملامح متعبة ونظرة غاضبة متألمة لتشاهد عمر يتجة نحوه ويقدم اليها بعض الاوراق بنبرة ندم ووهن : دة حقك يا تارا ....كل حاجة ..
كل حاجة خدناها وكل حاجة ظلمناكي فيها
ليكي انتي

نظرت اليه تارا بضياع ثم نظرت الى الاوراق لتقبض يدها عليها بهدوء ، ابتسم محمد ليجذب ذراعها برقة ويسير بجوارها هي وعمر لتتوقف فجأة بينما يتابع نور المشهد بضياع وقلة حيلة وكأنة مسجون الارادة ، التفت اليها محمد وعمر بصدمة من وقوفها المفاجىء لينظروا اليها ، رفعت عيناها اليهم لتتجول بين انظار الجميع ببرود
ثم نظرت الى الاوراق بين يدها لترفع عيناها اليهم مرة اخرى ثم ارتفعت يدها بحركة عبثية سريعة لتقذف الاوراق بالهواء فتتطاير في مشهد ساحر من الموجات الورقية الطائرة في هواء الألم

نظرت اليهم ببحة باردة : ورق ..

نظرت تتجول بينهم بعيناها بتجمد لا يتناسب مع دمعتها المنزلقة لتكمل بحدة متجمدة : ورق فرقنا وورق هتجمعوني بيه ..

نظرت اليهم بالم حاد : دة اللي هيعوضني ..
هيعوضني عن مطر الشتا اللي كنت بستنى تحته وانا بكلم اي حد فيكم يحميني منه !

هيعوضني عن ابويا اللي فضلت انام ليالي ف سريره وانا بدور على ريحتة فيكم وعمري ما لقتها

هيعوضني عن موتي ..
عن كل حتة ف جسمي بتوجعني من كتر ما قلبي مبقاش قادر يتحمل كل الوجع جواه
نظرت الى نور بحقد لترتفع يدها وتشير بسبابتها اليه : هيعوضني عنه ..
عن دة ......

دمعت عيناها بالم لتشير بسبابتها اليه : عن ضربه واهانته ..

عقدت حاجباها وهي تبكي بانكسار : واغتصابه !

اغلق نور عيناه بقوة فاكملت بحقد حزين : وهو بيقطعلي لبسي وبيضربني زي الحيوان عشان بقوله لا .. متخلنيش رخيصة اوي كدة!!

عقدت حاجباها بالم لتكمل : مسموحلة يعمل فيا اي حاجة لمجرد انه مالكني بورقة

نظرت اليهم : ومسمحولكم ترموني وتسحلوني بأي طريقة لمجرد انكم تملكوا الورق دة !


عادت لتنظر اليهم وتشاهد نظرات الصدمة على وجوههم لترفع وجهها الى الاعلى بغرور واكتفاء : ملعون ابوها فلوس ...

نظرت الى نور بحقد بين دموعها : وملعون ابوه حبك

عمر وهو يندفع نحوها ويبكي ف انهيار : ابوس ايدك تسامحيني ..

اقترب ليقف امامها مواجها" عيناها في الم وهو يبكي : متشيلنيش ذنبك يا اختي وانا ميت ميت

نظرت اليه لتعتلي عيناها نظرة حقد بين لمعة الدموع : موت ..

نظر اليها عمر بصدمة لتكمل تارا بحقد : موتوا كلكوا ....

يارب كلكوا تموتوا ...... يارب كلكم تتوجعوا وتموتوا
يموت مصطفى ويموت محمد ويموت سالم وتموت انت ..

اكملت وانفاسها تتعالى وتهبط لتصرخ بحقد : موت انت ومصطفى .....مووووووووووووووووووتوا

انزلقت دمعة بين عيناها المتوسعة بتوحش الالم : موتوا ....
انا بكرهكم .......

تارا بكره وغضب : طول عمركم مش موجودين ...يمكن الموت يحطلكم مبرر اسامحكم عليه

قالتها تارا لتتجة نحو الدرج وتصعد درجتان لتستدير وتنظر اليهم بحقد

تارا بحده وغضب : اطلعوا برة ......

استدارت لتصعد الدرج بين الالامها لتتجة تلقائيا" نحو غرفة والدها ، ذكريات تتخبط بداخل رأسها الصغير ووجوة تحضر بسحرها الاسود قاتمة قلب تارا البريء ، تتذكر مصطفى ..مصطفى الذي هو ، اخاها الكبير الاخف ظلا" ، نصفها الاخر من الحياة بطابع ذكوري بحت ، رحل مصطفى الذي تعرفه في مرحلة ما ليتشكل بطباع بقيتهم بينما بقيت بقاياه تندبها تارا وتتذكرها بتسائل !..

قطعة الشيكولاته التي كانوا يتقسامانها صباحا" وتلك المرة التي جلس بها على اعتاب الدرج بحيرة بينما خرجت بضفائرها نحو يوما" مدرسي لتختفي ابتسامتها امام وجومه ، جلست بجواره لتبتسم وهي تدرك للتو عقابه ، مصطفى الذي يتغيب عن المدرسة كثيرا" فيعاقب بحرمانه من مصروفه المدرسي العزيز !، وما اشد عقابا" لمصطفى المتطلب اكثر من حرمانه مصروفه ذاك !.... مصطفى المدلل الذي لم يحرم بقية حياته شيئا" كان ذلك عقابه الوحيد .... عقابه الذي لم يستمر كما لم يستمر مصطفى كمصطفى ايضا"

حينها طرفت تارا لتخرج نقودها المتواضعة وتضعها بكفه الصغير وهي تبتسم .... وحينها ابتسم هو الاخر لينحني فوق جبينها ويضع قبلته فوقه بحنان ، حينها كان هناك مصطفى وكانت هناك تارا .... حينها كان هناك اب وكان هناك منزلا" واخوة !، حينها ...حينها !

ركضت تارا اليوم نحو غرفة والدها لتفتح الباب باندفاع وتدخل الى الغرفة محملة بالالام العالم لتركض نحو سريره الجالس بمعيته كما كان تماما"، ارتمت بين احضان سريره لتلملم جسدها وساقيها الى ذاتها ، يوجد هنا يا ابي شيئا" منك لا يراه غيري ، ربما تساقطت قطعة من قلبك هنا وانا احتضنها هكذا!، وضعت يدها على صدرها الايسر واغلقت عيناها بهدوء ........ ابي ؟.. هل لك ان تضم قلبي اليك قليلا" ؟.... اتختار مصطفى وتترك يدي مرة اخرى !... ابي اتعلم ان مصطفى راقصني يوما" ما ؟..... اتدرك ان مصطفى اطفأ ذات ليلة شمعة ميلادي بدلا" مني ؟.......

ابي كنت لأقبلك الان وامسح على وجهك المسن وانا اشاهد اجمل الرجال فيه ، كنت لاحتضنك اليوم واخبرك ان مصطفى اشتقته كثيرا" ، اشتقته بالرغم من رحيله الفعلي !... كرهته ذات ليلة عندما شاهدت الزمن يصنعه بما اكرهه ، واليوم اشعر ان قلبي اجوف بشدة عميقا" بالم ، احساس بصدري يا ابي صدقني لا اعلم كيف اصفه .... مرارية شديدة بحلقي وانفاسي تقطع بالمنتصف ..

اتأتيني تلك الذكرى يا ابي الآن !!!.... اتذكر مصطفى ذات ليلة وهو يضع راسي الصغير على ساقه في سيارتك ، كنت نائمة متعبة من طريقنا الطويل لاغفو فاجد يداه تحمل راسي بهدوء وتضعها على فخذه لانام .... وبالوناتي الصغيرة ترفرف من نافذة سيارتك القديمة تلك ، بالوناتي التي انفجرت احداها فبكيت بشدة ليطرق مصطفى كتفي فأنظر اليه لاجده يبتسم ويخرج شيئا" ما من جيبه ...حينها يا ابي فتح كتفه لاشاهد بالونته الزهرية به ... يقدمها الي يا ابي مبتسما" حنونا" !

اين ذهب مصطفى يا ابي منذ زمن طويل ؟..... كسرته انت بدلالك فحولته الى رجلا" كرهني وتثلجت رجولته ونخوته !، قتلته حبوب التخدر يا ابي ام قتلته انت !..... ، كل ما ادركه يا ابي انني اكترث كثيرا" ... اكترث الى موتك ورحيله ... اكترث الى رحيلك وموته !.....، كل ما ادركه انني اتعذب يا ابي وكلاكما لا يستمع ..
دعوني اغفو واغلق عيناي الان لعلي افقد عالمي فوق سريرك هذا وانتهي .. دعوا نور يضيء اضواءه خلفي .. فأنا اصبحت معتمة بشدة ولا يتبقى بي شيء ... لا شيء !

\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\

: تارا ... تارا

تغفو تارا على سرير والدها مغلقة عيناها وكأنها تسبح في دوامات بعيدة لتستمع الى ذلك الصوت الهامس وتشعر بيدا" ما تحاول ايقاظها ، عقدت حاجبيها بانزعاج وهي تتقلب برأسها بين نومها على وشك الاستيقاظ ليأتي الصوت مرة اخرى

همس : تارا قومي ....هتتأخري

عينا تارا لازالت تتحرك داخل جفنيها المنغلقان بحركة جنونية دون ان تفتحهما وهي تستمع الصوت بينما تنزلق دمعة عن عيناها

همس : قومي يا حبيبتي .. مصطفى مستنيكي اهو

تحاول تارا ان تستيقظ ولكن انفاسها تتصاعد وتشعر ان قلبها يتصارع بقوة ليهبط ثم يتصاعد فجأة ، تتشبث بيدها بالملاءة بمحاولة الاستيقاظ ولكن شيئا" ثقيلا" يغلق عيناها

همس : ياحبيبتي انا جنبك .. مصطفى كان عايز يصحيكي

فتحت عينا تارا باتساع لتنهض في وضع الجلوس بشهقة وكأنها اتت من الموت ، لوهلة ظلت تتجول بعيناها بجنون ف الغرفة وهي تبحث عن الصوت .. تارا ادركت ان ذلك الصوت تعرفه كثيرا" .. تعرفه الى حد النخاع ، بحة والدها واسم مصطفى الذي تداوى الى اذنها جعلها تنتفض بجنونية وهي تبحث عنهم بين ارجاء الغرفة بانفاس تتصاعد وتهبط بتعب وكأنها ترجى وجودهم فعليا" حتى وان كانوا امواتا" .. حتى وان كانوا اشباحا!

ولكن تارا لم تجدهم لا اشباح ولا حقيقة ... ظلت تستجمع دموعها بعيناها بالم ويتصاعد صدرها ويهبط بين دموعها التي تخرج من تنفسها وقلبها الذي يبكي لتجد ذاتها تترجل باندفاع من سرير والدها وتندفع خارج الغرفة راكضة بجنون ، كانت تركض بجنون والم وضياع ... تترجل الدرج بهرجلة بين منزل اصبح مظلم كثيرا" والليل يحاوطه بسواد يماثل سواده الذي امتلأ به

تركض وتركض وتركض .. تسير قدماها بحرية قتيل مذبوح لتجد ذاتها تمر بالممر الطويل الخلفي نحو غرفته هو ...... عالمه المنعزل هو ... مكانه ووطنه !

تسير وتركض تارا نحو غرفة مصطفى ... مصطفى الذي دائما" يختار الابتعاد فاختار غرفة منزوية بعيدة كثيرا" ، مسافاتك زادت يا عزيزي كثيرا" حتى ظنت تارا انها لن تصل ابدا" ... تركض بذلك الممر يا مصطفى وكأنها طيفا" يتراقص في منزلا" لا يخرج منه

ولكنها وصلت اخيرا" رغم ذلك يا عزيزي .. وصلت لتفتح باب غرفتك باندفاع وهي تناديك ....

تنادي تارا مصطفى بصوت مرتفع يتخلله بحة الالم !، ظنته هنا ... نادته كما يجب ان تناديه لتجده ولكن

ولكنك لم تكن يا مصطفى ... !..، نافذتك مفتوحة ونسمات بارد تدخل خلالها فتهتز الستائر الخفيفة وطرف ملائتك البيضاء على سريرك الكبير .. وتلك الاوراق يا مصطفى تتطاير !!... اوارقك الدراسية التي فشلت فيها تزحف ارضا" مع الهواء وكأنك اخرجتها للتو !، اكنت تدرس الآن يا حبيبي ؟..... اجاءت روحك لتحلق هنا وتصوب اخطاءك وعثراتك ؟

اكنت هنا يا مصطفى !!

اندفعت تارا وهي تناديه بين بكاءها بصراخ ، ظلت تناديه كثيرا" بلا استجابة

تارا بصراخ والم : مصطفىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىى .......
مصطفىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىى

انهكها كل شيء لتسقط جاثية على ركبتيها وترفع رأسها للاعلى وكأنها تنادي روحك يا مصطفى
، تساقطت دموعها على وجهها وهي لازالت تصرخ بك
تارا : مصطففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففى

ولكنك لم تجيب ، لم تجيب فانكسرت راسها للاسفل لتغلق عيناها وتبكي بحرقة ، شهقت بكل الالامها لتخرج بحتها بنداءها الثاني .... نداءها الثاني يا مصطفى

تارا : بابا ..

تارا : عمرررررررررررررررررر

تارا : محممممممممممممممممممممد
ساااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااالم

خرج صوتها بصرختها الاخيرة : نوووووووووووووووووووووووووووووووووووو

ولكنها هنا يا مصطفى وجدت من يدير جسدها الجاثي ليضمه الى صدره ، هنا وجدت تارا نور الذي ضمها بحركة سريعة اليه .. التقطت عيناها من بين دموعها بعيناه ليضمها اليه وتشاهد بين حرارة انفاسه ياسين الذي يقف بجوار عمتها امام الباب عاقدا" حاجباه بصدمة بين دموعه المتسللة على وجهه ووالدته التي تخفي وجهها بكفيها وتبكي بالم

حينها شعرت تارا بان قواها تنهار وضمة نور تزداد ، ادركت كم اصبحت مثيرة للشفقة .. وكم اصبحت مؤلمة للجميع ..

نور وهو يبكي بحرقة وتستمع تارا الى اصوات بكاءه : ملعون ابو حبي ..
زاد نور على ضمته اليها اكثر حتى ظنت ان ضلوعها ستقتلع لتغلق عيناها وتنام باستسلام ..... استسلام اغلق اذنها حتى عن صرخة نور بين دموعه التي انفجرت بتلك الحرارة

نور : ملعووووووووووووووووون ابووووووووه

\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\

<<<<<<<<<<<<< يتبع

&&&&&بقلم / رانيا احمد 

&quot;حضن وجع&quot;🍁حيث تعيش القصص. اكتشف الآن