#الجزء_5
كان ما يشغَلُني أثناء إقامة الفاتحة هو لقائي مع العالِم الجليل في هذه الليلة، وهل سأتمكن منه على الرغم من أنني لم أتصل بصديقي "مؤمن" لحدّ هذا الوقت، وهل سأجد الوقت لذلك؟! أم كيف سأترك المُعَزّين الذين امتلأ المسجد بهم؟!
هكذا كانت الأفكار تشغل فكري وتجرُّني بحبالها يميناً ويساراً، وإذْ بالحاضرين يقومون وبالصلاة على محمد وآل محمد يهتفون..
يا تُرى ما الذي حدث ؟! نظراتُ الجميع متجهةً نحو باب المسجد..إلتفتُ أنا أيضاً نحوه، وإذا بالذي كان يشغل فكري يقدم بنفسه ويطِّل بوجهه النورانيّ، نعم! إنه مع صديقي "مؤمن"..
إستقرّ في مجلسه، وهدأ الحاضِرون، وإستأنف القارئ كلامه، فتقدمتُ بخطواتٍ مرتبكةٍ نحوه حتى وقفتُ أمامه.
فُوجِئَ برؤيتي فقام معزّياً لي بكلامه المذكِّر بالله ورحمته، مشفوعاً بجملٍ من الدعاء لي وللطفل الذي بَقِيَ وحيداً معي...
شكرتُه على تفضّله وأردت أن أؤكِّد له أنني على وعدي في الحضور إليه على الرغم مما حدث، لكنّه سبقني بالحديث وقال :
🔹أنا أعتذرُ من عدم تمكّني لإستقبالِكم هذه الليلة لحدوث أمرٍ طارئٍ يحتِّمُ عليّ السفر، ولا أظُنُنِي سأتمكّن من ذلك عن قريبٍ أو بعيدٍ لأنكم على أبواب سفرٍ طويلٍ !لا أعلمُ إن كان قد أتَّم كلامه معي أم لا، فقد جاءه وفدٌ للسلام عليه وتجمعوا حوله فانقطع كلامنا ولم أستطع التحدث معه مرةً أخرى حتى نهض وأراد الخروج من المسجد، وكان آخر كلامه معي أن قال :
🔹 إعلم يا بنيّ أنّ خير الزاد في السفر التقوى، فاسعَ لتحصيلها هذه الأيام.ثم غادرنا وذهب، لا أدري ما الذي عقد لساني عن سؤاله عن معنى أنني على أبواب سفرٍ طويلٍ، مع أنّه حالياً ليس عندي قصدُ السفر إلى أيّ مكان ! لا أدري !
إنقضت الأيام الثلاثة لمراسيم الفاتحة، وقد إختلفتُ فيها مع عدّة أشخاصٍ من الأقارب بشأن الإسراف والمصروفات الزائدة عن الحاجة، والتي أفنوا وقتهم وأجهدوا أنفسهم رياءً في رياء.
أنا أعلم أنّ أعمالهم التي كانت رياءً لا تنفع الميت بشيءٍ ولا تخفف عنه قسوة اللحظات التي يعيشها الآن..
نعم إنه بحاجة إلى ركعتين خفيفتين أو آيةً من القرآن بحضور قلب، أو صدقةٍ قليلة، أو دعوةٍ مستجابة... لكن لا أحد لديه الايمان الحقيقي بذلك.على أيّة حال انقضت. ولكن لم ينقضِ تفكيري بكلام العالِم الجليل وجُمَلُه الأخيرة..
فماذا كان يقصد من السفر الطويل؟!
#يتبع
#تحت_أجنحة_البرزخ