#جزء_13
لم أعد أسمع كلام مَن إجتمع حولي مِن أهل الدنيا، لكنّي ما زلتُ أرى صورهم..
ولم يُطِل هذا الوضع كثيراً حتى اختفَت صورهم عني، ويبدو أنّ عيني الدنيوية قد عُطِّلت وأصبح بدني جثّةً هامدةً ملقاةً بينهم..ثم حلّقَت روحي فوق بدني وانفتحَت عيني البرزخية لأرى وجوه من إجتمع حولي من أهل الدنيا قد تغيرَت إلى حيواناتٍ أو أشباه حيوانات بأشكالٍ عجيبةٍ غريبةٍ، مختلفةٍ فيما بينها، إلّا مؤمناً لا يزال بينهم بوجهِهِ النورانيّ على هيئة إنسان..
فتعجبتُ منه كيف لا يُخالِطه الخوف والرعب منهم، بل رأيته يُهدّئ بهم بعد أن إرتفع عويلهم.
أمّا النساء فبدأْنَ يضرِبْن بأيديهنّ على وجوههّن ويصرِخْن، فقلتُ مع نفسي لا حول ولا قوة إلّا بالله يا ليتهم يعلمون أني ما زلتُ حياً! لكنّي أصبحت متأكداً من أنهم لم يعودوا يسمعوا كلامي مهما ناديتهم وأخبرتهم بحالي، فإنهم ما زالوا من أهل الدنيا...
🔹اشتدّ الصراخ أكثر فأكثر فنادى ملك الموت : ما هذا الصراخ! والله ما ظلمناه ولا يسبِقن أجله، ولا يستعجِلَنَّ قدره، وما لنا في قبضِه من ذنب، و إن ترضُوا بما صنع الله تُؤجَروا، وإنْ تَحزنوا وتسخطوا تُؤثَموا!
🔺إزداد عدد الناس حول بدني المُلقى على الأرض شيئًا فشيئاً، وارتفع الصراخ من كل حدبٍ وصوب، فبقيتُ كالحيران لا أدري ماذا أفعل وقد رأيت ملك الموت وأعوانه قد تهيئوا لمفارقتي، فناديتهم بأعلى صوتي :
🔸يا عزرائيل! يا ملائكة الرحمة! إلى أين تذهبون وتتركوني وحيداً في هذا العالم الغريب؟ فأنا لا أعلم إلى أين المقصد وكيف سيكون المسير!
إلتفتَ ملك الموت نحوي وقال :
🔹ياعبد الله إتبع جنازتك حيث حملوها، وستلاقي من يرشدك الطريق .قلت له :
🔸يا ملك الموت! ماهي العقبات التي أمامي؟ فإني أخاف الوقوع في الهاوية، وأرى شياطيناً تحوم حولي .🔹أمامَك ضغطة القبر، إذْ ستكون عليك شديدةً وصعبةً ومؤلمةً لتنقى بها روحك مما علِق بها حين وجودها في قالِبك المادي، و لا بدّ من تطهيرها لتتمكن من عبور مراحل عالم البرزخ، وتنسجم معه .
قلت له وقد أصابني خوفٌ من كلامه :
🔸وهل يمكن النجاة من ضغطة القبر ؟🔹كان هذا ممكناً لك في الدنيا❗️ أما الآن فلا...
إذ إنّ روحك من أول خلقك هي جوهر وجودك وهي من عالَم المجردات، أما بدنك الذي تراه الآن مُلقى على الأرض كان من عالَم الماديات، وكلّما تعلقَت روحك به أكثر كان تقيّدها بعالم الماديات أكبر، و يقابلها ابتعاد عن عالم المجردات والملكوت، وذلك يمنعها من الانسجام معه عند الانتقال إليه..
ولهذا ترى كثيراً من أولياء الله المخلصين قد جردوا أرواحهم من أبدانهم وحرروها، فاتصلوا بالملكوت قبل حلول أجلهم، وتنعموا به قبل أن أقبض أرواحهم .طاطأتُ رأسي وأوكلت أمري إلى الله ثم قلت إلى ملك الموت :
🔸وماذا بعد ضغطة القبر ؟🔹سيأتيك ملكان ويسألونك عن ربّك ودينك ونبيك وإمامك وكتابك وقبلتك.. فإن أجبتهما تنجو ويفتح لك باب من أبواب الجنة .
قلت له متعجباً :
🔸إنّ هذه الأسئلة في غايةٍ من البساطة! وكل شخص يستطيع الإجابة عنها لسهولة حفظها .🔹كلا ! ليس كما تتصور، فهنا في عالَم الملكوت تظهر الحقائق كما هي، فإن كنت قد حفظتها في الدنيا ولم تكن قد صدّقت بها عن علمٍ وفهمٍ وبحثٍ وتدقيق، لم ينفعك ذلك❗️
إذ إن أصول العقائد لا يكفي حفظها فقط، ولا يمكن التقليد بها ، ومن كان مقلداً فيها لم ينطق لسانه عند سؤال الملكان منه أبداً.قال هذا وأراد الذهاب فترجيته بسؤالٍ أخيرٍ..
#يتبع
#تحت_أجنحة_البرزخ