#الجزء_26
😭ليتني عرفتُ قدري في الدنيا قبل أن يُعرِّفونه لي الآن!
ألقوا بي وأنا مكتّف الأيدي والأرجل على أرضٍ محمّرة مسودّة ملتهبة، كلّما لامسها جزء من بدني دفعتُ به ليتكئ على جزء آخر، فأصبحت متقلِباً ممدوداً أتحول من مكانٍ إلى آخر تحت أقدام سكان أهل جهنم الذين كانوا يقفزون من شدّة آلامهم، والنار مشتعلة فيهم، فكأنهم قطع نارٍ متحركة مضطربة، والملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم بسِياط غليظة.😭 آهٍ ثم آهٍ، ألمي لا يوصف، وعذابي (رغم قلّة درجته على قول الملك) لو قُسِّم على أهل الدنيا جميعاً ما تحمّلوه!
🔥لقد كانت حرارة النار تدخل الى أعماق قلبي فتحرقه قبل بدني، وأيّ نار! أظن أنّ حرارتها لو مسَّت جبال الأرض لانصهرت، ولو سقطت شرارةٌ منها على بحار الأرض لتبخرت.
كنتُ أسمع في الدنيا وأقرأ عن نار الآخرة وأتصورها بما يتناسب مع تخيلاتي المحدودة في ذلك الوقت، أمّا الآن فإن روحي بعينها تذوق العذاب وهي حاضرة فيه لا خارجة عنه، وشتّان بين الإثنين..
أصابَني عطشٌ شديد، لذا كنت حين تقلُبي أنظر هنا وهناك بحثاً عن الماء، فرأيت أحد ملائكة الغضب يحمل إناءً أسود يتصاعد منه بخار، ويُسمع منه صوت فَوَران ما بداخله، أدناه مني فانشوى وجهي لشدّة غليانه! وكنت متردداً بين قبوله وردّه، لكن يبدو أن لا خيار لي في ذلك! فقد أراقه في فمي دون أن ينتظر، وليتَه لم يُرِقهُ! لقد كان حميماً وأيّ حميم، قطّع أمعائي لشدّة غليانه، فازددت ألماً وعطشاً فوق ألمي وعطشي، وندمت حتى على نيتي في طلب الماء وشربه.
قال الملك وقد ضربني بسوطه مستهزِئاً :
🔹 كيف كان طعم الماء ؟
لم أجبه فقال :
🔺 (( وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقاً ))
وهناك نوعٌ آخرٌ من الماء هل تريده ؟
أجبته بصوتٍ ضعيفٍ وشفاهٍ يابسة :
🔹 نعم.تناول إناءً آخر وأراقَه في فمي فإذا به أسوء من الأول، لِذا قذفتُه خارجاً بعد أن ترك في حلقي مرارةً لا تُطاق فقلت له :
🔹 أتقول عن هذا أنّه ماء ؟!
قال :
🔺 إنه ماءٌ صديد، يخرج مع الدم الذي يسيل من أثر جروح أهل جهنم .أحسست بجوعٍ شديدٍ حتى إنني لم أعد أقوى على الحركة، بل حتى على التقلّب يميناً وشمالاً. رفعت رأسي قليلاً بحثاً عن الطعام فرأيت شخصاً يصرخ صراخ المجنون بعد أن دخلت أفعى عظيمة فمه ثم خرجت من دُبره، وبدأت تلدغ في وجهه وبدنه والنار ملتهبة تحت قدمَيْه.
نحَّيْتُ بصري عنه لبشاعة منظره، و إذا بسَوْط أحد الملائكة يهزّني، رفعتُ رأسي نحوه فقال :
🔺هل تريد طعاماً ؟
أجبته بصوت خافت متقطّع :
🔹نعملم يمكث طويلاً حتى أتى بإناء ممتلئ قرّبه مني فنظرت لما فيه وإذا به طعام على هيأة نبات ذي أشواكٍ حادة ورائحةٍ نتنة كريهة.
فتح السلاسل من يديّ وأشار لي بتناوله .
أخذتُ الإناء وتناولت ما فيه، وليتني لم أتناوله ولم أطلبه، لقد مزّق حلقي فلا يدخل فيه ولا يخرج منه، ولم أقذفه إلا بشِّق الأنفس وجهد جهيد، فقلت له عجباً من طعام !نظر إليّ الملك وقال :
🔺(( إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالاً وَجَحِيماً * وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ وَعَذَاباً أَلِيماً ))قلت له :
🔹 من أين أتيت بهذا الطعام ؟
قال :
❗️ أنت صنعته لنفسك في دنياك، فأتيت به من خزانة أعمالك
🔹 عجباً وكيف أصنع لنفسي طعاماً كهذا ؟
❗️أكلك مال الحرام تجسّم بهذا الشكل من الطعام، كنت لا تراعي في وقت عملك أنك أجير لثمان ساعاتٍ يومياً في شركة أبرمتَ عقداً معها فتأتي متأخراً أحيانًا أو تخرج منها مبكراً دون عذر شرعي يجوّز لك ذلك...#يتبع
#تحت_أجنحة_البرزخ