الجزء ٢٧

49 10 0
                                    

#الجزء_27

😰مَضَت ساعات إذا بي أسمع ضجيج أناس يصرخون، وقد زاد الضجيج شيئاً فشيئاً لإقترابهم منّي فتمعنتُ فيهم وإذا بهم مجاميع من أناسٍ ذات وجوه وأبدان سوداء والنار محيطةٌ بهم، ونارٌ أخرى تخرج من أفواههم وآذانهم، وهم في حالة هَوْلٍ وذُعرٍ شديدَيْن، يركضون وكأنهم قد فرُّوا من فزعٍ عظيم .
أصغيتُ إلى صراخهم فسمعتهم يقولون : أين نهر الماء ... أين نهر الماء !

🚶‍♂جمعتُ قِواي وقمتُ من مقامي وتبعتهم أملاً في إيجاد نهر ماءٍ كما يزعمون، ولم يمضِ وقتٌ حتى إقتربنا من ضِفّة نهرٍ كبير، وما أن وصلوا إليه حتى ألقوا بأنفسهم فيه، إلّا أنا إذْ وصلتُ متأخراً فهمَمتُ باللّحاق بهم ولكني سمعت صراخهم وقد تضاعف وعويلهم قد عظُم، نظرتُ إليهم فرأيتهم يصرخون ويستغيثون وسط نهرٍ يغلي غلياناً شديداً علمتُ فيما بعد أن مادته كانت من النُحاس المُذاب ذات الحرارة العظيمة.. حمدتُ الله أنّي لم أكن معهم، ويبدو أن لديّ من الأعمال ما منعني من ذلك .

🌪همَمتُ بالعودة وإذا بي أرى مجاميع أخرى في حالة ركضٍ شديدٍ نحو جهة أخرى، وتلاحقهم ريحٌ ذات حرارة وسموم حتى وصلتهم وأحاطت بهم ودخلت في مسام أبدانهم، فبدأوا يصرخون ويستغيثون، وكلّما رأوا غيمةً سوداء هربوا إليها ليستظِلوا بظِلها، فإذا هي الأخرى تبدو وكأنها دخانٌ أسودٌ غليظٌ يُمطِر عليهم بكِتلٍ من نارٍ ملتهبةٍ لا تُخطِئ في هدفها ولا ترحم مَن تحتها .

إنتهَت فترة عذاب الصباح وكأنّها استغرقَت سنين طويلة لشدّتها وقسوتها، فهدأت النار وانطفأت من تحت أقدامنا، واختفى سواد دخانها من أنظارنا، ورُفعت سياط ملائكة الغضب عن أبداننا، وأعلنوا بدأ الإستراحة حتى الليل، حيث وجبة العذاب التالية! ...

🔥كان يتكرر ذلك يومياً غداةً وعشياً وبين فترةٍ وأخرى يتغير نوع العذاب إلى آخر، لذا رأيت أنواعاً عجيبةً غريبةً ذات قسوة شديدة لا تتصورها عقول أهل الدنيا، فكيف بمن يعيش فيها ويتحملها .

🌥ذات يومٍ بالتحديد بعد خمسة أيام من دخولي جهنّم، كنتُ أعيش حالةً عصيبة من المرارة والألم وسط حرارة النار المشتعلة حولي، إذ كان عَرَقي يخرج من رأسي وبدني يجري عليه ثم يتخِّذ سبيله إلى الأرض التي تحتي، فأراه يتبخر فوراً لشدّة حرارتها وعظيم لهيبها، وبينما أنا في تلك الحالة إذ جاءتني نسمة هواء باردة فغمرتني بعذوبتها وأطفأت النار من حولي، وجرى من تحتي ماء !

💧لا أصدق ما أرى، نعم إنه ماءٌ يجري! وها هي قدماي تبتَل منه! غرفتُ منه غرفة لأتيَقَن أنّ ما أراهُ حقيقة لا خيال وقد كان ذلك.
لقد تغير كل شيء وهدأت جميع النيران، وغابَت جميع مجسّمات أعمالي السيئة لأعيش حينها حالة من الراحة والسكون !

😯سمعت أصواتاً لم تكن غريبة عني فأصغيت إليها جيداً وإذا بها أصوات أهلي يتحدثون فيما بينهم ثم ظهرت أمامي صورهم وقد اجتمعوا حول قبري، نعم ها هي والدتي تدعو لي وتبكي، وها هو أخي يتلو القرآن، ما أجمل صوته وأعذب لحنه، وهذه أختي تمسك مرتضى بيدها وتحاول قراءة شيءٍ من الكتاب الذي بيدها الأخرى، جزاها الله عنّي خير الجزاء ....

هممتُ بالتقدّم نحو صورهم وإذا بصوتٍ يناديني :
- لا فائدة من ذلك، إكتفِ بالنظر إليهم والأنس بوجودهم حول قبرك .

فهمت المعنى وبقيت أنظر اليهم وأتمعن في صورهم وأحسست بأُنسِ عظيم بإجتماعهم..
تمنيتُ أن لا يغادروا قبري ولكن ليس كل ما يتمناهُ الإنسان يناله! فقد إقترب موعد الرحيل ثم تركوني وذهبوا...

#يتبع
#تحت_أجنحة_البرزخ

#قصة_تحت_أجنحة_البرزخحيث تعيش القصص. اكتشف الآن