#الجزء_9
فنظرتُ لِمَا تحتي في اللحظة الأولى من السقوط، وإذا بقِطَع الحديد الحادّة المبعثرة هنا وهناك، حينَها تيقنتُ أنّها لحظات الخلاص، وما هي إلّا أنفاس قليلة وتنكشف الأسرار ويظهر الغيب الذي أُخفِي عني طول عمري، هي لحظاتٌ معدودة لا أكثر وسأصِل إلى ما تخوّفتُ منه تارةً واشتقتُ إليه تارةً أخرى .
هي لحظاتُ السقوط بين السقف الخامس والأرض، وقد لا أعطي حقّها في الوصف إن وصفتها، لكن أقول بشأنها أنّه لم يبقَ لي فيها غير الله أحدٌ في الوجود أتوجهُ إليه، ولا شيءٌ أنظر فيه ولا أملٌ أتطلع إليه، فقد قطعتُ خيوط الأمل من كل شي غير الله، بل كل شي غاب عنّي ولم يبقَ لي أحد سِواه..
وحقاً في تلك اللحظات أحسستُ بمعنى التوحيد، وتذوقتُ طعمه، حينها نطقَ لساني صارِخاً يا الله يا الله يا ...
ولم أُكمِل الثالثة حتى سمعتُ صوت السقوط قويّاً على الأرض، وبدأ ألمٌ شديدٌ يسرِي في بدني، وسُلِبت منّي القدرة على الصراخ، وانشلَّت أعضائي عن الحركة، وحُجِبت عنّي الرؤية..
فلَم أعد أرَ شيئاً ولا أبصِرُ أحداً وغرِقت ُفي إغماءٍ شديدٍ وعميقٍ ...
أفقتُ من حالة الإغماء العميق الذي غرقتُ فيه، وظهرت لي ملامح شخصٍ لم أتعرّف عليه مسبقاً، ولم أرَ له من قبل نظيراً، وكلّما أنظر إليه تبهَتُ عيني لرؤيته، وينبهر فكري لعظمة خلقه، فهو بهيئته يعجز الخيال عن وصفه ومقارنته بخلقٍ من مخلوقات الدنيا..
ظهر فجأةً بين الجمع المزدحم حولي، يُصاحبه عدّة مخلوقات أخرى ذات أجنحةٍ لطيفةٍ وأبدانٍ تبدو خفيفة، لكن العجيب أن الناس كانوا مشغولين بيَّ عنه، ولم يلتفتوا إليه على الرغم من غرابة منظره واختلاف هيئتِه وعظمة خَلقه! وكأنّهم لم يرَوه!
أمّا أنا فقد شغلني هو عن غيره، ولم أعد أنظر إلى ما حولي بقدر ما أنظر إليه، وقد بدأ يقتربُ أكثر فأكثر، فاضطربتُ حتى أحسستُ برجفةٍ في بدني، وكَلَّ لساني عن النطق والسؤال عمّن يكون..
إلتفتَ إلى من كان معه وتكلم معهم بكلامٍ لم أفهمه، إذ اختلط كلامهم مع دويّ من إجتمع حولي، لكنّي إلتقطتُ منه بعض الكلمات منها قوله لهم :
- إنّه من المؤمنين، لكنّه لم يصل إلى مرتبة الأولياء فارفِقُوا به قليلاً..كان بدني بصورةٍ لا يسمح بالتحرك يميناً ويساراً، وبصعوبةٍ بالغةٍ كنتُ ألتفِتُ إلى ما حولي، فوجِئتُ بصديقي مؤمن وهو يصل بصورته المشرقة، ويجلس بجنبي ليقول :
🔸 سعيد! سعيد هل تسمع كلامي؟
أجبته بصوتٍ ضعيفٍ جداً :
🔹 نعم🔸 سعيد، قل لا اله إلا الله وأنّ محمّداً رسول الله، فقد يكون آخر كلام يجري على لسانك، هل تسمعني يا سعيد ؟
سمعتُ كلامه، وأردتُ نطق ما قاله لي ولكن ظهر فجأةً عدّة مخلوقاتٍ بوجوهٍ قبيحةٍ سوداء فهي كالقِير الأسود [الزفت]..
أصابني خوفٌ شديدٌ منهم وقد إجتمعوا حولي فأمسَكوا بلساني عن النطق، وكلّما أردتُ نُطق لا إله إلّا الله مَنَعوني من ذلك..
#يتبع
#تحت_أجنحة_البرزخ