22

62 8 0
                                    

#امــــل
.
.
.
اعادها صوت عامر المضطرب من جولتها في دهاليز الهواجس :
_ ايات عزيزتي هل انتِ بخير اراك تُحدقين بي ولكنك لستِ معي ، كأنك في عالمٍ آخر ؟!
جاهدت لتبدو طبيعية وابتسمت له برقة :
_ لاشيء ياعزيزي ، فقط تخيلتك وانت مستلقٍ على الساتر امام سلاحك تنتظر ان تصطاد وتقنص الاعداء بدقة .
ضحك من وصفها واشرق وجهه بالبهجة فاحاديث الساتر تعيد له الحيوية :
_ اشتقتُ للساتر كثيراً يا ايات انا اعلم انكِ متألمة لرحيلي عنكِ بهذه السرعة ولكن صدقيني لي مع الساتر حكايةُ عشقٍ لا تنتهي الا بأمتزاج دمي بترابه المقدس .
اسهب في قص ذكرياته عليها وغرقت معه في بحر حكايا السواتر ضحكا بكيا حتى شارفت الشمس على المغيب دون ان يشعرا بالوقت .
بعد ان انهيا صلاة المغرب اقتادها الى منزلها وكان الصمت رفيقهما طوال الطريق و عندما اوقف السيارة امام الباب التفتت اليه فنظر الى عينيها المشرقتين بالامل وهمس بتردد :
_ آيات ، مارأيك ان نقيم حفل زفافنا قبل التحاقي ، قطب جبينه وارتسمت ملامح الاسى على وجهه صمت قليلاً ثم اردف :
اعلمُ انك على ابواب امتحانات و اعلمُ بأني سأذهب قريباً واتركك وحدك ولكن ،
قاطعته :
_ هل الخميس المقبل مناسب ؟
ما ان نطقت بكلماتها القلائل حتى اشرق وجهه بابتسامة رضى والتمع الفرح في عينيه :
_ حقاً يا ايات ، حقاً ؟
_ اجل يامجاهدي حقاً .
كانت ايات تعلم بأنها ستتعب كثيراً فهي بحاجة للوقت لكي تستعد للامتحانات ولكنها ارادت ان تعيد لعامر ثقته بنفسه ولم ترد ان تخذله ، شعرت بانه يتوجب عليها السعي الحثيث لتنظيم وقتها فهذا المجاهد الشاخص امامها الان  يستحق ان تُؤثرهُ على نفسها .
ابتسمت له ابتسامةً واثقةً منحته طاقةً احاطت بروحه المتعبة فرفع يداه امام وجهه ولهج بالحمد والثناء لله :
_ الهي لك الحمد على هذه النعمة الرائعة التي منحتني اياها ، زوجتي الحبيبة ايات نعمةٌ من نِعم السماء .
اغرورقت عيناها بالدموع لطيب قوله
ونبض قلبها خافقاً بين اضلعها فسارعت لتوديعه والدخول الى المنزل .
راقبها تبتعد وخاطب نفسه بفرح :
_ لا داعي للقلق بعد اليوم ياعامر فقد رحلت ليالي الخوف الباردة وحلَّ ربيع الامل المزهر .
غادر المكان وقلبه يخفق بالراحة لانه وجد ضالته في مجاهدته الحبيبة .
.
.
لم تعجب مراسيم الزفاف التي اختارتها ايات كُلا من والدتها و والدة عامر فقد قررت الاكتفاء بجلسة قرآنية تم خلالها تلاوة سورة النور وبعدها حضر عامر لاصطحابها لمنزلهم .
ارادت ايات ان تبدأ هذه المرحلة من حياتها بشكلٍ ينسجم مع معتقداتها ولم تكترث بالاعتراضات الكثيرة التي واجهتها :
_ ابنتي انها ليلة واحدة في العمر لم يتوجب عليك الاكتفاء بدعوة صديقاتك لجلسة قرانية في يومٍ كهذا ؟!
اجابتها بأبتسامة حنونة :
_ امي اريد ان الج الى عالمي الجديد وانا مباركة ومحاطة بنور كلام الله ارجوك ياامي لاتنزعجي من قراري هذا فأنا سأكون سعيدة جداً وهذا مايهمك أليس كذلك ؟
رضخت الام لابنتها التي احتضنتها بقوة وقبلت يداها والدموع تملئ مآقيها واجابت برضوخ :
_ كما تشائين فليكن كذلك اذاً .
لم يكد يمضي شهر على زواج عامر وآيات عندما اتصلوا به واخبروه بوجوب الالتحاق برفاقه .
كانت ايات تعد له حقيبته والدموع تخنقها ارادت ان تبدو متماسكة وقوية  ، ولكن هيهات فعندما دقت ساعة الرحيل كان للقلب حديثاً اخر جعلها تتمزق سراً ورغم كل محاولاتها الحثيثة الا ان عامر قرأ في ملامحها الكثير تألم لحالها ولكن ماعساه يفعل :
_ آيات ايتها الحبيبة الصبورة مجاهدتي سامحيني .
_ وضعت يدها على وجهها وانتحبت بهدوء كانت تود ان تصرخ وتخبره بأن لايذهب :
_ عزيزتي ارجوك لااستطيع تحمل رؤيتك هكذا .
مسحت دموعها وابتسمت :
_ انت من يجب ان يسامحني ياعزيزي اذهب ايها الحبيب اذهب الى حيث يجب ان تكون وسأكون بأنتظارك .
ركع عند قدميها واطرق برأسه الى الارض كانت تعلم بمدى معاناته ربتت على رأسه :
_ عامر مجاهدي لاتقلق ارجوك سأكون بخير انا فقط احتاج بعض الوقت لأعتاد على الامر .
رفع رأسه ونظر الى وجهها الملائكي هامساً :
_ احبك .
مرَّ اسبوع على رحيل عامر قضتها ايات بين دمعةٍ لا تجف ولسانٍ يلهجُ بالدعاء صباحاً مساءً و كانت والدته خيرَ مؤنسٍ لها فقد قضت الوقت تقص عليها طفولة ولدها الحبيب وحاولت جهدها ان تطمئن ايات بأن كل شيء سيكون على مايرام وانها ستعتاد على نمط حياة زوجها بمرور الوقت :
_ ستعتادين الامر ياحبيبتي ، كنت مثلك يافعة جداً عندما كان زوجي ثائراً محارباً للنظام وكنتُ اخشى عليه كثيراً ولكن بمرور الوقت اصابتني عدوى ثورته .
همست ايات :
_ ارجو ذلك يا امي ، صمتت قليلاً ثم اردفت :
هل تسمحين بأن اناديك امي.
احتضنتها ام عامر بحب :
_ بالتإكيد ياحبيبتي انت الان ابنتي وانا فرحة جداً بوجودك معي .

.
.
مضى قرابة الشهر على رحيل عامر انشغلت ايات خلاله بالامتحانات فخفف ذلك من وطأة حزنها لرحيل زوجها الذي كان يحادثها بين فترة واخرى مطمئناً اياها بأنه بخير وسيعود قريباً للمنزل .
اما حوراء فقد كانت ايضاً على موعد مع فراقٍ اخر بعد التحاق جهاد برفاقه .
ارتاحت ايات كثيراً لبقاء حوراء معها في المنزل طيبة فترة غياب جهاد وحرصت الفتاتين على اداء الامتحانات بشكلٍ يليق بزوجات المجاهدين :
_انا متعبة جداً ياحوراء اشعر بأن قواي خائرة .
_ لابأس عليك ياحبيبتي انها تجربتك الاولى مع الفراق والانتظار ، كان الله في عون قلبك يا ايات .
كانتا تتسامران في الحديقة وتحضران لامتحان الغد عندما رن هاتف ايات فهتفت :
_انه عامر ياحوراء .
ابتسمت حوراء عندما شاهدت بريق الحنين في عيني ايات وشعرت بالراحة لانها اختارتها لتكون زوجة لاخيها الحبيب .
_ ألو عزيزي كيف حالك ؟
كان الصوت بعيداً بالكاد يُسمع :
_ انا بخير ايتها الحبيبة ، كيف حالك  وحال امي وحوراء هل انتن بخير ؟
_ اجل اجل نحن بخير والحمد لله .
_ ايات احتاج منك ان تكوني قوية وتصغي الي بهدوء .
ازدادت ضربات قلبها واختفت الابتسامة من وجهها فقد كان صوت عامر صارماً :
_ لا تخبري احداً بما سأقوله لك هل فهمت ياعزيزتي ؟ لا احد ، سأتاخر في العودة الى المنزل يا ايات لقد حدثت كارثة ولن اتمكن من العودة ،
لقد اختفى جهاد ولم نجد له اثراً منذ يومين .
انقطع الاتصال وسقط الهاتف من يد ايات التي تهاوت على الطاولة  مغشياً عليها .
اتسعت حدقتا حوراء رعباً وسارعت لتسند ايات وصرخت منادية أمها :
_ امي ، اسرعي امي تعالي بسرعة هيا .
فتحت ايات عيناها المرهقتين فشاهدت حوراء تقف بجانبها والقلق بادياً على وجهها الشاحب :
_ عزيزتي ايات هل انت بخير الان ؟
همهمت بانكسار :
_ اجل ولكن اشعر بالغثيان ، اين انا ؟
ابتسمت حوراء بحنان واقتربت منها هامسةً في اذنها :
_ نحن في المشفى ، حبيبتي مبارك لك ستصبحين اماً بعد تسعة اشهر .
اغمضت ايات عينها بقوة ورفرف دمعها كطائرٍ يحلق في السماء :
_ يارباه .
_ لا تبكي ياحبيبتي سيفرح عامر كثيراً .
تذكرت ايات كلام عامر فشحب لونها ونظرت الى حوراء المسكينة لم تعلم  ما يتوجب عليها فعله الان بعد ان علمت باختفاء جهاد :
_ ايات ماالذي دهاك ماذا اخبرك اخي حتى وقعت هكذا مغشياً عليك ؟
تلعثمت حوراء ولم تجد بُداً من الكذب :
_ لقد اخبرني بأنه يتوجب عليه البقاء فترة اطول ، فلم احتمل وقع الخبر وشعرت بغثيان مفاجئ افقدني وعيي .
احتضنتها حوراء :
_ لابأس ايتها الحبيبة لابد ان يعود يوماً ما .

امــــلحيث تعيش القصص. اكتشف الآن