امــــل

25

#امــــل
.

.
.
همس الحاج بارتباك والامل يحدو قلبه الخائف :
_ حوراء ؟
_ من هناك ، من انت ؟
لم يعرف الحاج كيف يخبر هذه المسكينة بما حل بجهاد :
_ انا الحاج صالح يا ابنتي ، هل تعرفين شاب يدعى جهاد ؟
ارتعشت كل ذرة في كيان حوراء واجابته هامسة :
_ اين هو من اين تعرف جهاد من تكون ؟
فجاءة لم تعد حوراء تسمع شيئاً وانقطع الخط ، اصيبت بالهستريا وبانامل مرتجفة عاودت طلب الرقم وجاءها صوت الحاج مجدداً:
_ اعتذر يا ابنتي انقطع الخط .
_ارجوك اخبرني من تكون و كيف حصلت على هذا الرقم ؟
_ لقد كان مكتوباً خلف صورة لفتاة تحمل وردة بيضاء وترتدي العباءة
كانت في جيب سترة جهاد .
_ اين جهاد الان ؟
_ هل انت خطيبته ؟
_ انا زوجته حوراء .
قص الحاج عليها كل الاحداث التي جرت خلال الايام الماضية :
_ لقد عملت على تهريبه من المدينة وجلبه للمشفى وهذا رقم الطبيب المشرف على حالته وهو يقوم بفحصه الان .
كانت حوراء جامدة كالجثة الهامدة لاتدري ما الذي اصابها احست فجاءة بالجمود يعتريها حتى منابع دمعها احست بها و قد تجمدت .
_ ابنتي هل لازلتِ على الخط ؟
همست ببرود :
_ اجل انا هنا .
_ سأعاود الاتصال بك .
_ حسناً .
كانت حوراء في حالة صدمة ولم تستوعب ما سمعته لتوها عن خطف زوجها واصابته وتهريبه وانه الان في منطقة تخضع للارهابيين وقد يكون مهدداً بالقتل في اي لحظة .
لم يخبر الحاج صالح حوراء بأن جهاد أُصيب بفقدان الذاكرة .
خرج الطبيب من الحجرة فأعاد له الحاج هاتفه واخبره بأن حوراء تكون زوجة جهاد :
_ لقد اتصلت بها واخبرتها بما جرى ولكن لم اخبرها بأنه فقد ذاكرته .
اطرق الطبيب برأسه الى الارض :
_ دعني اتصل بها .
رنَّ هاتف حوراء مجدداً :
_ السلام عليكم ، معكِ الطبيب المسؤول عن حالة جهاد ، ارجو ان لا تقلقي جروحه ليست خطرة و اصابته طفيفة ولكن سوء وضعه ناتج عن فقدان الدم ولكن اصابة رأسه كانت قوية ونتج عنها فقدان ذاكرة مؤقت .
_ وعليكم السلام دكتور ، كيف يعني فقدان ذاكرة مؤقت ؟
_ فقدان الذاكرة المؤقت ينتج عن الصدمة بعد اصابة الرأس يصبح بعدها وعي المصاب معتماً ولايتذكر اي شيء تصبح ذاكرته خالية من الذكريات ويتبعه عوارض منها التهيج، اضطرابات النوم، فقدان الحس العاطفي وردود الفعل المبالغ فيها .
_ هل تعني انه اصبح لايعرفني ؟
_ ولايعرف حتى نفسه ولا اسمه ولا اي شيء ، ذاكرته في الوقت الحالي كذاكرة طفل حديث الولادة لايوجد فيها سوى العتمة وقد تداهمه بين حينٍ وآخر بعض الومضات التي تذكره بالماضي .
_ و متى سيتعافى ؟
_ لا يوجد وقت معلوم لشفاء المصاب فقد تعود له بعد ساعات وقد يستغرق الامر سنوات ، على العموم سنضعه تحت الملاحظة لحين ترتيب خروجه من المدينة .
.
.

كانت حوراء لا تزال في غرفتها تنظر الى هاتفها عندما تناهى الى مسامعها صوت آيات يناديها من الاسفل :
_ حوراء انزلي بسرعة لقد اتى عامر .
بدت جامدة كالجثة الهامدة وبخطواتٍ متثاقلة نزلت السلالم الى الصالة كان عامر عند الباب يُدخل امتعته وآيات تنظر اليه بشغف آلمها المنظر وشعرت للحظات بالسخط وأخذت وسوسة الشيطان تنسج في رأسها خيوط الغيرة :
_ حوراء كيف حالك أُخيتي ؟ اين امي ؟
أجابته آيات :
_ لقد ذهبت الى السوق .
نظرت حوراء لعامر بدون ان ترد التحية :
_ عامر اين جهاد ؟
سيطر عامر على انفعاله :
_ أنه في الواجب ياعزيزتي .
_ ماعهدتك كاذباً ياعامر .
قطب جبينه :
_ ماذا تقصدين ؟ ماالذي اصابك ياحوراء ؟
_ قبل ايام اتصلتَ بآيات واخبرتها بأن جهاد قد اختفى صحيح ؟
نظر عامر الى آيات بنظرات معاتبة فهزت رأسها بالنفي :
_ لا تنظر اليها لم تخبرني بشيء لقد حفِظتْ سرك ايها الحبيب .
_ حوراء لماذا تخاطبيني بهذه اللهجة الساخرة مابك ؟
_ اتصل احدهم اليوم واخبرني بأن جهاد تم اختطافه وهو الان يقبع في احد المشافي فاقداً لذاكرته جريحاً ضعيفاً لايعرف اي شيء ولايتذكر اي شيء حتى أنا .
تركتهما مصدومينِ وصعدت الى غرفتها .
سارت الى وسط الغرفة وظلت واقفة احست بأن فؤادها اصبح فارغاً ولم تعد تشعر بشيء :
_ حوراء .
كان صوت عامر الذي يقف عند باب الغرفة مفعماً بالحب والخوف والقلق :
_ حوراء ارجوك ، انظري اليَّ لقد الحَّ عليَّ مسؤولي من اجل العودة الى المنزل طلبت منهم ان اشارك في العملية التي اعدوها لانقاذ جهاد من ايدي العصابات الارهابية ولكنه رفض رفضاً قاطعاً ولا استطيع مخالفة الاوامر ، تم اختطاف جهاد ولم نعلم ماهو مصيره خفت عليك كثيراً ولم استطع اخبارك بالامر .
كانت نبرة اخيها الحنونة الجازعة كفيلة بأن تذيب منابع دمعها المتجمدة جلست على الارض واخذت تنتحب فسارع عامر اليها وجلس بجانبها وضمها اليه ،
استقر رأسها على يساره فملئت نبضاته اذنها ، نبضات مجاهدٍ لايخشَ شيئاً تناثر دمعها فتساقط بعضٌ من حباته اللؤلؤية على يده السمراء القابضة على يدها المرتجفة فازدادت نبضاته اضطراباً وعلمت انه يرزح تحت وطأة حزنها .
‌‎خاطبها بصوت ينضح الماً :
‌‎_حوراء ارجوك لقد قطعتِ نياط قلبي لا شيء قادر على كسري الا دمعك هذا ، ارحمي حال اخيك ارجوك منذ ايام وانا تائه في صحراء افكاري الشاسعة .
‌‎رفعت رأسها اليه وكان الدمع يترقرق في عينيه الصارمتين و يأبى الانحدار ، ضمت رأسها الى كنفه وهمست :
‌‎_عامر سامحني .
قبلت يده  :
_ سامحني يا ابي .
اردفت بعد لحظة صمت :
_ اشعر بأن قلبي اصبح فارغاً يا عامر عندما رأيتك في الاسفل برفقة آيات اصابتني الغيرة و وسوس الشيطان لي ، أنا عقيمة وزوجي لم يعد يتذكرني .
غصت بعبرتها ولم يعد عامر قادراً على كبت دموعه اكثر لقد كانت اخته مليئة بالالم والوجع  :
_ اتصل احدهم يدعى الحاج صالح وقال بأنه عثر على صورة في جيب جهاد .
زاد نحيبها عندما ذكرت الصورة :
_ هذه الصورة اعطيتها لجهاد عندما خطبني وكتبت عليها رقمي حينها ليتصل بي ولم اكن اعلم انه لازال محتفظاً بها ، كانت ترافقه في كل مكان .
همست :
_ عامر ، جهاد لم يعد يعرفني ، زوجي لايعرفني ياعامر .
_ لابأس عليك ياحبيبتي ارجوك اهدئي قليلاً سأفعل المستحيل من اجل انقاذ جهاد ، فقط كوني بخير يانور قلبي ارجوك .
.