سألني شابٌ .. عن الكبائر
استوقفني عند ضريح الحسين (ع).. ليلة الجمعة .. شابٌ متوسط القامة، املح الوجه، غائرُ العينين، حزين الوجه .. قال لي: هل لي من توبة؟
قلت مستغرباً: ولِمَ؟
قال: ارتكبت معصيةً كبيرة..
.. ما هي؟
.. تردد قليلا، التفت الى الاطراف ، ثم دنى مني خطوةً و قال بصوتٍ منخفض: شربتُ الخمر!
قلت: لا حول ولا قوة الا بالله العظيم.اخذتُ بيده ومشيتُ معه خطوات الى حيث لا يسمعنا احد. جلستُ واجلستُهُ جانبي.
قلت: لعلك اشتبهت؟ قال: لا .قلت له: تعلم بحرمتها؟ قال: نعم. قلت: تعلم انها امَّ الخبائث؟ قال: نعم. قلت: اما تعلم ان رسول الله لعنها و لعن شاربها؟ قال: بلى- اذن.. لم؟
- اصدقاء السوء. كان لنا نزهة وبدؤوا يشربون الخمر.. ثم ضغطوا عليّ، وضغطوا .. وقالوا: جرِّب! فجربت.
- والان؟
- نادمٌ اشد الندم على فعلي. فهل من توبة؟قلت له: اذا كنتَ نادما، وتبحث عن التوبة فاسمع مني ما أقول لك.
اخي العزيز، لا اشكال ان وقع الانسان في بعض الذنوب ما دام يملك ارادة الرجوع، فالبشر بطبعه خطّاء، والعِصمة لأهلها، فقد قال رسول الله (ص): (كلّ بني آدم خطّاء و خير الخطّائين التّوابين). ولكن شتّان بين من يراكم الذنب على الذنب، وبين من يجعل الذنب نفسه منطلقاً لتزكية النفس واصلاحها. فيكون الذنب طريقاً للجنة لا النار!قال: وهل يمكن ان يكون الذنب طريق الجنة؟
قلت: نعم.. اذا اعقبه توبة وإصلاح ولحصول ذلك لابد اضافة الى الندم القلبي ان اتبع خطواتٍ ثلاث:
اولاً: الاعتراف بالذنب، و عدم السماح للنفس بالتبرير.
فالتبرير للذنوب بمثابة هجمةٍ مرتدة يواجه بها النفس – ومن خلفها ابليس- حالة الندم القلبي. ففي كل تبرير فكرتان مضمرتان: الاولى: نفي صدور الخطأ، فاذا كان السبب هو (الأب، الأم، الظروف، الحكومة، الأحزاب و..) فلذا لا اتحمل انا شيئا، والثاني: أنَّه لم يكن هناك خطأ اصلا، بل لو تكررت الظروف لتكرر الفعل.
ارأيت لو ضرب رجلٌ زوجته ثم قال: (ضربتُها لأنها رفعت صوتها عليّ) فهو يظن صوابية فعله، فلو ارتفع مستوى صوتها مرة أخرى أعاد عليها بالضرب مرة اخرى!
فأولى الخطوات هو الاعتراف بالخطأ، وصاحب الخطأ هو (أنا)، كما نقرأ في الادعية (أنا الذي اخطأتُ، أنا الذي جهلتُ ..) وكما ذُكر في القران في حادثة اصحاب الجنة (سبحانَك إنّا كُنّا ظالمين)
ثانياً: بعد ذلك، لابد ان اوجِّه النظر الى نفسي واسأل: لماذا اخطأتُ؟فما هو الاشكال في داخلي، في شخصيتي، في معرفتي، في صفاتي، في سلوكي...حتى اوقعني في الذنب؟ فلكل ذنبٍ سبب، اذا لم يعالَج.. حتى لو تاب الانسان توبةً حقيقية .. سرعان ما يوقعه فيه مرة اخرى فيه.
فقد يكون الجذر (صديق سوء)، و قد يكون (مكان سوء)، وقد يكون (ثقافة خاطئة) او (شهوة مُثارة) او (عصبية جاهلية) او الف امرٍ وامر. فهنا لابد ان تعالج الجذر ولا تكتفي بالنتائج.
والقاعدة المعرفية المهمة: لا تقتل البعوض – فقط-، بل جفِّف المستنقعات!
فاذا كنتَ جاداً انت.. وسبب الذنب - كما ذكرتَ- أصدقاء السوء، فعليك بمحاولة نصحهم، وان لم يستجيبوا فاقطع علاقة الصحبة معهم، ولا تخرج معهم واستبدل بهم اصحاباً صالحين طيبين.
ثالثا: نكفِّر عن الذنب بالحسنات.. فلا تكتفي بأن تستغفر بلسانك، بل لابد ان تُصلح اذا افسدت، واجمع معها بعضَ الحسنات للتقرب الى الله تعالى.
فاذا ظلمت شخصاً فعليك 1. ان تدفع له حقَّه وتسترضيه 2. ان تستغفر الله 3. ان تُحسن الى الناس او تقدم عملاً صالحاً بين يدي الله.
وخيرُ وسيلة للتكفير عن الذنوب، قضاء حوائج الناس، وخصوصاً (اغاثة الملهوف) فقد ورد عن امير المؤمنين عليه السلام قوله: (مِنْ كَفَّارَاتِ الذُّنُوبِ الْعِظَامِ إِغَاثَةُ الْمَلْهُوفِ وَ التَّنْفِيسُ عَنِ الْمَكْرُوب)
فلو بحثت عن صاحب حاجة (مادية او معنوية) قد اوصلته حاجته الى الشدة والضيق، فلتساعده وتنفِّس كربه. يكون ذلك خير وسيلةٍ للتقرب الى الله تعالى به.
وبعد ذلك لا تنسَ.. ان باب التوبة والرجوع الى الله مفتوح .. ولا تيأس من روح الله، انَّه لا ييأس من روح الله الا القوم الكافرون.
وبعد ذلك .. وقبل ذلك .. ومعه.. اجعل شفيعك الى الله (الحسين بن علي (ع)).. و نُحِ الحسين .. و ابكِ الحسين .. واذرف الدمعة على الحسين .. ألا صلى الله على الباكين على الحسين.
فكلما وجدتَ في نفسك ضعفاً امام اغراءات الدنيا.. امام وساوس ابليس .. الجأ
الجأ الى ضريح الحسين .. الى حيث مهبط ملائكة الرحمن .. تقوى على مواجهة الذنوب.رأيتُ الدمعة في عينه، و سمعت منه (آهاً) خفية .. ابكاني بها، التفت الى حيث ضريح الحسين، وصار يهمهم مع نفسه: يا حسين!
ثم شكرني ومضى.