دلفت " عزة " بحرج وقالت وهي تنظر لها " صبا هناك رجلان بالخارج يقولان أنهما والدك وأخاكِ ......"
ارتدت للخلف بعض خطوات ، كأنها استقبلت صفعة مؤلمة لكنها كانت بروحها ، شعرت ببوادر حالة الإغماء التي تنتابها تلك ، تعبث بعقلها ببطء مرسلة لها عدة نداءات واجبة التنفيذ ، رفعت " صبا " يدها لا إرادياً أسفل عنقها ، كأنها تتحسس وجوده ، شعرت بيدها ترتعش بخوف ، رغماً عنها رفعت عينيها باتجاهه وهو يدلف للحجرة ، نفس الملامح ، نفس العيون وبذات النظرة الثاقبة ، وجه عبث به الزمن بضراوة ، تذكرته علي الفور ، أهات عقلها اشتعلت كالنيران السوداء بلحظة ، قلبها أهتز بألم لم تعهده من قبل ، رأسها ترجع للخلف ببطء مميت كعقارب الساعات المتوقفة بلا حراك ، أنتفض جسدها وعقلها يردد الكلمة بصوت عميق ومُحشرج " والدك ..." ..
حتي الأثر مؤلم ، حتي الكلمة موجعة بلا رحمة ، سنوات عمرها كله لم تشعر بها ولا بما تعني .. شعرت بيدها الأخري تتحرك بلا أمر منها وتضغط على قلبها المهتز ، ثم سقطت بوجع مكانها محدثة صوت لا يقل حدة عن صوت عقلها ، الألم لاذع بشدة ، الرعشة كأنها نفضة موت ، الشعور حارق ومخزي ، مرت أمام عينيها حياتها كلها بعدة ثوانٍ فقط ، لكنها تلونت الآن بلون أسود كاحل ، يشبه لحد كبير لون خصلات شعره ، تحركت عيناها قليلاً ، فرأت نسخته المصغرة ، صورته عندما رحل ، نفس لون العيون وخُصل الشعر ، حتي الطول يبدو أنه لم يبخل به عليه ، يا الله ... الألم فوق الاحتمال بألم أخر ، انحنت للخلف قليلاً وهي ممسكة بحافة المكتب ويدها كالمُحتضر بعذاب ، المُعلقة روحه بين السماء والأرض ، جزءاً منه بالدنيا والآخر بالآخرة ، رأته واقفاً بعيد عند باب البيت ، ممسكاً في يده حقيبة صغيرة ، ووالدتها تقف بجوارها تنظر له نظرات يحترق لها المحيط ، جسدها المريض يهتز بألم غير ألم المرض ، ألم الوداع والرحيل بلا عودة ، موجات عينيها البندقية ، تتوسل له بلا حروف .." أرجوك لا تفعل ... " ... منفذ الإعدام يقف بلفافته السوداء ويسألها " هل لكِ من أمنية قبل أن أزهق روحك ؟ " ... وهي تجيب بلا ... رأته وهو يحرك عينه وينظر لبراءة دموعها ، تقف غير مدركة لما يحدث ، لكن المشهد يتطلب دموعاً ، الأمر كان أشبه بأن تعطي أحدهم حياة ثم تسلبها منه دفعة واحدة ، للحق وقتها لم تكن تعي دموع والدتها تلك ، لكن مرارة الأيام علمتها معني كل حرف لم تسمعه ، تفنن الزمن بتعليمها كيف يكون الألم بحق .. علمت بعدها أنها وقتها كانت يجب أن تفعل شيئاً بسيطاً ، فقط تمسح عَبرات والدتها التي تعلم أنها تنزف من قلبها المريض ، ثم تسحب واحداً من الخناجر التي قذفت بها من نظراته وتريحه بصدره ... وتقف بعيداً تنظر لدمائه وهي تسيل برفقة دموعها ، هذا إن كان يمتلك من الأساس ! ..
تقدم " مالك " خطوة واحدة فقط ، كانت كفيلة بتدمير ما تبقي منها ، رفعت كفها أمامه وهي تنظر للواقفين عند باب مكتبه ، ثم هدرت بصوت ليس به حياة قائلة " خذني من هنا ... "
أنت تقرأ
رواية قشر البندق كاملة الجزئين _ إسراء رضا
Romanceوأخيراً .. أرتوي .. رحلة شاقة .. وليالٍ عديدة من الوحدة الضارية .. شتات عقل أوشك أن يودي بحياته .. كم تنماها وهي بين يديه تماماً كما هي الآن ... هذه المرة هي المبادرة ... هي من تريده ... شوقه أضني قلبه العاشق .. وقوته نفذت وصلابته انهارت ... والمت...