الفصل الثاني عشر

279 10 0
                                    

دلفت " عزة " بحرج وقالت وهي تنظر لها " صبا هناك رجلان بالخارج يقولان أنهما والدك وأخاكِ ......"

ارتدت للخلف بعض خطوات ، كأنها استقبلت صفعة مؤلمة لكنها كانت بروحها ، شعرت ببوادر حالة الإغماء التي تنتابها تلك ، تعبث بعقلها ببطء مرسلة لها عدة نداءات واجبة التنفيذ ، رفعت " صبا " يدها لا إرادياً أسفل عنقها ، كأنها تتحسس وجوده ، شعرت بيدها ترتعش بخوف ، رغماً عنها رفعت عينيها باتجاهه وهو يدلف للحجرة ، نفس الملامح ، نفس العيون وبذات النظرة الثاقبة ، وجه عبث به الزمن بضراوة ، تذكرته علي الفور ، أهات عقلها اشتعلت كالنيران السوداء بلحظة ، قلبها أهتز بألم لم تعهده من قبل ، رأسها ترجع للخلف ببطء مميت كعقارب الساعات المتوقفة بلا حراك ، أنتفض جسدها وعقلها يردد الكلمة بصوت عميق ومُحشرج " والدك ..." ..

حتي الأثر مؤلم ، حتي الكلمة موجعة بلا رحمة ، سنوات عمرها كله لم تشعر بها ولا بما تعني .. شعرت بيدها الأخري تتحرك بلا أمر منها وتضغط على قلبها المهتز ، ثم سقطت بوجع مكانها محدثة صوت لا يقل حدة عن صوت عقلها ، الألم لاذع بشدة ، الرعشة كأنها نفضة موت ، الشعور حارق ومخزي ، مرت أمام عينيها حياتها كلها بعدة ثوانٍ فقط ، لكنها تلونت الآن بلون أسود كاحل ، يشبه لحد كبير لون خصلات شعره ، تحركت عيناها قليلاً ، فرأت نسخته المصغرة ، صورته عندما رحل ، نفس لون العيون وخُصل الشعر ، حتي الطول يبدو أنه لم يبخل به عليه ، يا الله ... الألم فوق الاحتمال بألم أخر ، انحنت للخلف قليلاً وهي ممسكة بحافة المكتب ويدها كالمُحتضر بعذاب ، المُعلقة روحه بين السماء والأرض ، جزءاً منه بالدنيا والآخر بالآخرة  ، رأته واقفاً بعيد عند باب البيت ، ممسكاً في يده حقيبة صغيرة ، ووالدتها تقف بجوارها تنظر له نظرات يحترق لها المحيط ، جسدها المريض يهتز بألم غير ألم المرض ، ألم الوداع والرحيل بلا عودة ، موجات عينيها البندقية ، تتوسل له بلا حروف .." أرجوك لا تفعل ... " ... منفذ الإعدام يقف بلفافته السوداء ويسألها " هل لكِ من أمنية قبل أن أزهق روحك  ؟ " ... وهي تجيب بلا ... رأته وهو يحرك عينه وينظر لبراءة دموعها ، تقف غير مدركة لما يحدث ، لكن المشهد يتطلب دموعاً ، الأمر كان أشبه بأن تعطي أحدهم حياة ثم تسلبها منه دفعة واحدة  ، للحق وقتها لم تكن تعي دموع والدتها تلك ، لكن مرارة الأيام علمتها معني كل حرف لم تسمعه ، تفنن الزمن بتعليمها كيف يكون الألم بحق .. علمت بعدها أنها وقتها كانت يجب أن تفعل شيئاً بسيطاً ، فقط تمسح عَبرات والدتها التي تعلم أنها تنزف من قلبها المريض ، ثم تسحب واحداً من الخناجر التي قذفت بها من نظراته وتريحه بصدره ... وتقف بعيداً تنظر لدمائه وهي تسيل برفقة دموعها ، هذا إن كان يمتلك من الأساس  ! ..

تقدم " مالك " خطوة واحدة فقط ، كانت كفيلة بتدمير ما تبقي منها ، رفعت كفها أمامه وهي تنظر للواقفين عند باب مكتبه ، ثم هدرت بصوت ليس به حياة قائلة " خذني من هنا ... "

رواية قشر البندق كاملة الجزئين _ إسراء رضا حيث تعيش القصص. اكتشف الآن