رفعت حقيبتها ورداءها الأسود ، وتحركت وسط الواقفين ، بعدما شكرتها السيدة بحرارة وبكاء سعيد ، بعدما تحررت من أسر هذا الحقير ...
خرجت " جيهان " تستنشق رائحة الهواء الممطر وهي تلف حول نفسها معطفها الكبير ، وصلت لسيارتها ، استقلتها بخفة وهي تشعر بلذة انتصار تخالجها كلما خرجت منتصرة من إحدى معاركها القانونية ....
دلفت إلي منزلها الصغير ، تحمل بقلبها هم العالم ، وضعت الحقيبة الجلدية الكبيرة ، وتهاوت بتعب علي أول مقعد قابلها ، أمسكت بالهاتف وملامحها ترتخي بابتسامة صفراء خبيثة ، والتي سرعان ما أتسعت في شماتة وهي تري محاولاته العديدة في الاتصال بها والتي ولا للعجب تخطت المائتي محاولة ! ...
افلتت رباط شعرها المموج ، وهي تلقي بالهاتف بجوارها ثم اخذت في فك ازرار سترتها السوداء ، وهي تحرك رأسها بتعب يميناً ويساراً ، هكذا كانت دوماً " جيهان " دؤوبة في عملها مهما كان صغره ، تمنح وقتها وجهدها كاملاً في انصاف الحق ولاسيما المرأة ، فكلما وقفت أمامها سيدة تستنجد بها ، رأت بها الجرح القديم ، فلا تنفك حتي تحررها ويكفيها هي لذة الانتصار التي تغمرها عقب سماعها بحكم العدالة لصالحها ، تشعر في كل مرة أنها فرصة جديدة ، فرصة جديدة لتنتقم ببراعة أكثر وكأن الأيام تتفنن في تلقينها أصعب وأمهر الدروس حتي تجتاز أول قضية تقابلها بعدها فلا تخرج منها إلا منتصرة وهذه ليست أبداً بصدفة !
ألقت بالسترة الجلدية الثقيلة بعيداً وهي تتحرك باتجاه الشرفة التي تخرج منها أصوات ألحان جميلة كما تسميها هي ، حبات المطر وهي تُقذف علي الأسطح الزجاجية لمبنى شقتها ، وقفت تنظر لجمال المشهد الساحر ، فحركت قدميها بخطوات راقصة وهي تدندن إحدي أغانيها الفيروزية المفضلة ، وأخذت تتحرك ببطء وتناغم مُتقن ، وصوتها يتداخل مع أصوات الامطار العالية التي اخذت تتزايد بغزارة مُحدثة ضجيج مخيف إلي حد ما ...
تناست ما حولها ، وكأنها هاجرت إلي كوكب أخر ، أكثر بهجة وعفوية تناسب حاجة قلبها الشبه مُحطم ، ضحكت بسعادة وهي تدور علي وقع صوتها مع صوت المطر الحميم ، لكنها توقفت فجأة .........
***
توقفت فجأة عن التقاط أنفاسها ، وهي تهبط لأسفل ، وكلما نظرت حولها تريد الصراخ ، تهاوت قدمها لأسفل أكثر ، البر بعيد جداً ، لا تبصر سوي ظلام دامس يلقي بها لما هو أظلم بكثير ، قواعد حجرية ثقيلة أُلقيت فوق رأسها أغلقت المخرج الوحيد ، تتنفس بأصوات خشنة مجنونة ، وعقلها يصوّر لها كل سيء ، فلا تجد نفسها سوي بالأسوأ ..
نظرت " صبا " حولها والفزع يأكل بها بضراوة كالنار بالهشيم ، عقلها توقف تماماً عن الاستيعاب ، وهناك دقات تتعالي بالداخل صداها يميزه الأصم ....
شهقت بصوت حاد وهي تحاول الصراخ بلا صوت ، تعالي صراخها بشدة ، مبدد معه ذاك الظلام الأخرس ......
أنت تقرأ
رواية قشر البندق كاملة الجزئين _ إسراء رضا
Romanceوأخيراً .. أرتوي .. رحلة شاقة .. وليالٍ عديدة من الوحدة الضارية .. شتات عقل أوشك أن يودي بحياته .. كم تنماها وهي بين يديه تماماً كما هي الآن ... هذه المرة هي المبادرة ... هي من تريده ... شوقه أضني قلبه العاشق .. وقوته نفذت وصلابته انهارت ... والمت...