خاطرة " ٦٢ " حربُ خُبزِنا العَطوف ..

46 4 3
                                    



ولدتُ بالغاً ، لا أذكرُ أني كنتُ طفلاً من أول يومٍ لي خارج وطن أمي ، لا أذكر إن كان لي ذكريات طفولة مع اخوتي ، كنا نفترش خيمتنا تلكَ التي باللون الأزرق ، جميع من يفترش أرض الله كانت خيمته تحمل نفس اللون .. تَنسِجُ نفس الألم ..

‏‎مرت ليالي قاسية علينا .. أمرُّها ليالي الجوع .. كنتُ أنام  انا واخوتي جائعين وأمي أيضاً معنا .. الكاذبة الجميلة التي كانت تُنفي جوعها كما كانت تُنفي رحيل أبي إلى النعيم .. نتمدد جميعُنا وإن كنت تتسائل أين أضعُ رأسي وأين قدماي سأقول لكَ بأن تساؤلك ينخرُ عظمي البارد ألماً .. لأن خيمتنا كانت بِلا سقف .. نعُد النجوم المضيئة في السماء رداً على كَذب أمي الجميلة " قوموا بعدِّ النجوم كُلِها يا صِغاري .. وسيكون لدينا الكثير من الخبزِ الجاف صباح الغد  " ...

‏‎في كلِ مرةٍ كانت عيوننا البريئة تتعب وتَغطُ في نومٍ عميق أمل على رحمة من يُتجاوز نومنا ويُحضر لنا الخبز .. كُنت أضم يداي إلى قلبي قبل أن ترتاح عيوني وأهمس " أعدكَ يا صاحبَ الخبزِ أن لا أنام المرة القادمة وأن أعد جميع نجوم سمائك بدون أن أُخطئ ، فقط أحضر لأمي الكاذبة بعض الخبز الجاف فهي لم تأكل منذُ ليالي طويلة ...

‏‎هكذا بقينا .. حتى ماتت أمي وعيونها الجميلة ثابتة نحو السماء ، عرفتُ الفاجعة وحضنتُ اخوتي وعيوننا ما زالت ثابتة تنظرُ للسماء .. علمتُ أن أختي الصغيرة لاحظت غياب انفاس أمنا الدافئة .. وقبلَ تساؤلها قُلت لها : أمي أكملت العدّ ...

‏‎في نفس الليلة الأشدُ برودة على قلبنا .. أعطونا الخبز .. الكثير من الخبز .. هم نفسهُم أصحاب الخيمة الزرقاء .. أكلنا خبزنا المبلل بدموعنا حتى شبعنا .. ولكن أمي لم تَعد أبداً ..

‏‎أختي ما زلت تبكي على فُقدانها تتسائل : أكان طلبنا من صاحب السماء الخبز مقابل غياب أمي ؟ أخبريهم أن يُعيدوا لي أمي .. ليأخذوا خبزهم .. ليأخذوا خيمتهم .. سأقوم أنا بالعدّ مكانها .. ليأخذوني بدلاً منها ..
‏‎لكنهم رفضوا .. لم تَعد أمي .. وما زلنا نُخطئ بالعدّ حتى اليوم .. واحد .. أمي .. اثنان .. ثلاثة .. أربعة .. أمي .. نبكي وننام ..

" حروف سَتُنسى " حيث تعيش القصص. اكتشف الآن