خاطرة "٥٩" جُرِّدْتُ من الحب .

75 8 5
                                    

قال دوستويفسكي ذاك الفيلسوف الذي لا أعرف عنه سوى اسمه " فرحة الحب عظيمة , لكن المعاناة فظيعة , والأفضل للإنسان أن لا يحب أبداً "

داهمتني هذه العبارة لأول مرة قبل أن أقع في الحب , ولم أحبها قط بل قرأتها بأهداب عيني وتخطيتها بسرعة , ولم أدري أن هذا التخطي سيكلفني الكثير , كنت من ذلك النوع من الفتيات اللاتي يؤمن بالحب وقدسيته و أن الحب هو أعظم شيء قد يباغت الإنسان في حياته ويحتله ,كنت أؤمن أيضاً بتلك المشاكل التي ترافق الحب ولكن كنت تلك الفتاة التي تؤمن بأن الحب سينتهي بتلك السعادة الأبدية التي يحتضن بها البطل حبيبته في أول ليلة لهما سوياً ويسردا أحداث حبهما بسخرية على كل من كان يقف ضد هذا الرابط المقدس , ربما تجربتي هي السيئة وأن نظرتي بالحب صحيحة لكن ليس في وطني ..
نعم ذلك الحب الذي سينتهي بالسعادة الأبدية ليس في موطني , أو ربما مجتمعي , أو حتى عائلتي لا أدري , ولكن أنا مدركة  تماماً بأن أحلامي المقدسة عن الحب ستبقى مبتورة دائماً ..

البطل الذي رسمته مخيلتي والذي سيحارب لأجلي وأحارب لأجله لنحظى بتلك الليلة ليس سوى وهم أتقنت مخيلتي تجسيده , أما الحقيقة فالبطل ترك يدي عندما أخبرته بأن عائلتي تجبرني على الزواج من قريبي وبأني أرفض ذلك لأجله فقط , لم أنسى كلمته الأخيرة لي " ربما يكون أفضل مني لما لا توافقي عليه " هل كان ينتظر هذه اللحظة ليبتر أحلامنا , أو لأكون محقة أحلامي التي نسجتها عليه وبكلمة منه نسل خيوطها بلا أي مبالاة لي أو حتى لقلبي .. نعم بطلي كان ينتظر أن أقول له ذلك ليرحل ويخلص نفسه مني ..

لم أنم الليل ذلك اليوم , كأي فتاة تريد أن تعيش اللحظات الحزينة وتقدسها وتذوب بتفاصيلها , بكيت كأي فتاة قد يتركها بطلها الجبان في منتصف أحلامهم وكلامهم المليء بالحب و الوعود , بطلي بالأمس قال لي بأنه لن يتركني مهما حدث وبأني سأكون له فقط , قال لي بأنه يحبني كثيراً , أما اليوم قال لي ببرود لما لم توافقي على الزواج من قريبك ... ربما هذه اللحظة هي ما كان يقصده ذلك الفيلسوف " لكن المعاناة عظيمة " شعرت بأن قلبي يتمزق لأشلاء , أردت الموت وحاولت الإنتحار نعم كأي فتاة تركها بطلها الجبان ... أنا الآن اضحك على غبائي في ذلك الوقت , ولكن عندما أتذكر شعوري أبكي , أبكي بقوة كأني لم أبكي تلك الليلة , أبكي على مشاعري التي هدرتها , على نفسي وليس على بطلي الجبان , لقد مرت سنين على تلك المحادثة وفي كل مرة أتذكرها أبكي علي نفسي  ..

تتساءلون عن نهاية قصتي ؟ فأنا كأي فتاة تريد الانتقام من بطلها الجبان اتجهت لذلك الطريق الذي ظننت بأنه سيكون سعادتي التي أردت أن أراها هلى ملامح بطلي الحزينة والنادمة على ما كنت أعتقد , وافقت على الزواج من قريبي , وملئت حسابي بكلمات الحب والغزل له , كانت تلك الكلمات التي أكتبها له فقط وعندما كان يقرأها كان يقول لي " أنتظر بشوق تقبيل تلك الأنامل التي تكتب لي " , سراً كانت له فقط , كنت أنتظر بشوق أنا أيضاً لأنشرها له أمام الملئ , لكن علانية أصبحت لغيره , كنت أنشرها في كل مكان لتصل له , لم أحب قريبي ذاك , لم أكلف نفسي عناء أن أكتب حرفاً له أو حتى ألتفت له ولكلامه , كان يقول بأنه يحبني هو أيضاً وكنت أقابل تلك الكلمة بإبتسامة فقط , الحب ليس حقيقي في وطني ... نعم اصبحت أومن بأن الحب ليس موجود ابداً مع أني مقبلة على الزواج , مقبلة على حياة جديدة وكل ما بس ما زل متمسك بالماضي , وبذلك البطل الجبان الذي ينام على حروفي التي كنت أكتبها له وأنشرها لقريبي .... حمقاء ... غبية ....

أقترب موعد زفافي من قريبي , وعندها أدركت فداحة ما فعلت .. لامست ذلك الخاتم الذي يحضن بنصري الأيمن , شعرت بالاختناق , أردت البكاء , لا أريد الزواج منه , لا أريده ... أنا لا أحبه ... تلك ليست الحياة التي رسمتها في مخيلتي , فتحت بريدي الالكتروني وكتبت لقريبي " أنا لا أحبك , أنا لا أريدك , أنا أكرهك , بل وأمقتك , أنا لم ألتفت يوماً لكلاماتك المليئة بالغزل , إنها لا تعجبني ,  وتجعلني أشعر بالغثيان , أنت تخفيني , أنا لا أشعر بالراحة معك , انا أكرهك وأكره أسمك وكل شيء متعلق بك , كلماتي لم تكن لك , كلماتي لم تقصدك يوماً , كلماتي لشخص آخر , كلماتي لبطلي الجبان , أنا لم أحبك يوماً ولن أحبك ولن ترى مني حباً إن تزوجنا .. "

وقفت عاجزة أمام محادثته وأمام كلماتي وشعرت كم أنها قاسية على شخص لم يقل لي سوى كلمات الحب حتى وإن لم أكن أبادله مشاعره ولن أبادله ... لم أتمكن من إرسالها له , كنت ضعيفة لتلك الدرجة , فضلت الاختناق والموت بتلك الكلمات على أن تخنق غيري وتقتله وهو بريء من كل تلك التخبطات التي أنا بنفسي وبإرادتي توجهت إليها ... استسلمت لواقعي ..

قتلتني تلك الكلمات مئات الليالي , خنقتني تلك العبارات مع كل لمسة وهمسة كانت مليئة بالحب وكنت أقابلها بإبتسامتي تلك القبيحة , أنا أكرها ... أكره نفسي ... في كل ليلة كنت كالحمقاء أبحث عن كيف يمكن لشخص أن يحب شخص لا يحبه , أن تكون ابتسامته له حقيقية ونابعة من القلب , لكنني ضعيفة .. لم أتمكن من تخطي أي شيء ظننت نفسي قوية لتلك الدرجة ولكن عند أعتاب الحب رُميتُ قتيلة , كل من يقرأ هذه الحروف قد يقول لي لما لم تعطي قريبك فرصة , سأقابله بذلك الرد البسيط " لم أستطع " نعم لم أتمكن من حبه مهما حاولت , لم أستطع أن أبادله ولو القليل من تلك المشاعر التي يغرقني بها , كنت أشعر بالاختناق في كل مرة يقترب بها مني , كنت أشعر بالغثيان من حبه , هو بريء ... أنا لا أكرهه .. أنا أكره نفسي فقط , أكره حياتي التي مشيت لها بإرادتي المعمية ... وأكره بطلي الجبان الذي سرق مني حتى مشاعري , سرق حقي بالحب مرة ثانية ... و أكره ذلك الفيلسوف ذو الاسم المعقد وأكره عبارته ... لكني وصلت لتلك الجزئية وجعلت نفسي تعيش بها بغير وقتها  " والأفضل للإنسان أن لا يحب أبداً " ...

" حروف سَتُنسى " حيث تعيش القصص. اكتشف الآن