الفصل الرابع
تحرّكت زوزو لتعطيه ظهرها وتقول بلامبالاة... ظاهرية: أنا ولا مرة قلتلك إنّه إسمي لميس... إنت اللي افترضت هالإشي
أجابها يوسف: لأنّه سراب بوقتها حكتلي راح أنزلّك لميس
نظرت له زوزو بطرف عينها وقالت ببساطة أرادت بها إشعاره بعدم أهميّة الموضوع: ولميس نزّلت زوزو!
التفت زوزو إليه تراقب حاجبيه المقطبين لتقول بتشديد: أما بالنسبة لسؤالك التاني... فالجواب بسيط... يمكن لانّك إنت ما بتعرف تشوف شو في تفاصيل مخبية من ورا الواجهات المزخرفة... بهمك غلاف الكتاب أكتر من مضمونه
أخذ يوسف مجّة أخرى من سيجارته قبل أن ينظر إليها بمقلتيه اللتان ما ارتاحتا دقيقة عن التجوّل في كلّ تفاصيل نظراتها والتهام حتّى كلماتها: سبع سنين ما في يوم ما خطرتي على بالي فيه... ما نسيت دموعك ولا الكسرة اللي بقلبك ما نسيت الوجع والجرح بعيونك... سبع سنين وأنا... وأنا ندمان ونفسي أشوفك بس عشان أحكيلك انه أنا آسف... أنا فعلا آسف...... لميس... زوزو... أنا...
قاطعته زوزو بحدّة قاطعة: وهلأ مش تأسفت وضميرك ارتاح... خلص بتقدر تتركني بحالي؟
قالتها وتحرّكت بسرعة لتغادر... خوفا من أتسبقها دموعها فيعرف كم لازال الجرح مفتوحا... فالجروح لا تندمل أبدا في القلوب الميتة!!
قبل أن تصل لباب الدخول فاجأها صوته من جديد: لميس!! هيك كان اسمك عالواتس آب... تبسّمت بمرارة... ذلك الهاتف... لكم كانت حياتها ستكون مختلفة... لو أنّ ما حدث لم يحدث.. لو أنّ لميس لم تعطها جهازها النقال بعد أن وجدت من... يشتري لها آخر...كما كان آخر قد اشترى لها الأول!
ابتلعت ريقها وأجابته فيما أفكارها تحوم من جديد حول شقيقتها التي أوقعت نفسها بشرّ أعمالها: الموبايل والخط ... كانوا للميس بعد ما... اشترت غيرهم ولمّا أعطتني إيّاهم ما انتبهت أبدا إنّي أغير بياناتها الخاصة المسجلة عليه!
قالتها وغادرت فيما رمى هو عقب السيجارة على الأرض يدوسها بقدمه ويسخر من سوء حظه فلو تعلم كيف أنّ عدم انتباهها ذاك الذي أعلنته بقليل من الاهتمام كم تسبّب له من سهد بالليل... سهد لم يكن يعرف كيف يحدّد أسبابه أوجع بالضمير أم فجوة بالقلب... خاصة بعد أن اعتقد ولسنوات أنّها متزوحة
كثير ما تساءل أأحبّها حقّا على غفلة منه أم صدّق بغباء ما أراد جعلها تصديقه.. وتساءل أأحب تلك الوقحة التي تحدّته على باب منزل عمّته أم تلك البريئة الصغيرة والتي جاءته وكلّها أمل بعريس يطابق بمواصفاته فارس أحلامها فيقوم بكسر أمانيها على أعتاب قسوته... أم تراها كما حاولت افهمامه... غلاف مبهرج لمضمون أعمق وأكثر بساطة... ليكن صادقا فالغلاف جذاب... وإن كان المضمون حقا أكثر جاذبية كما يأمل... فهذا الكتاب إذا أكثر قيمة من أن يراه أو يقرأه كلّ عابر طريق وعليه... لابدّ من أن لا يخرج من بين رفوف كتبه... الخاصة!!
.................................................. .................................................. .................كان عماد يجلس في غرفة الضيوف الخاصة بنسائبه الجدد ينتظر خطيبته رولا بهدوء وبعض الترقب، تكّات الساعة الرتيبة بطريقة مخدرة هدهدت أفكاره وحملتها بتؤدة لما قبل يومين عندما ضمّ جزأه المفقود الناقص لصدره لتصيبه فولتات عالية صعقته وأعادت له حياتا لم يكن يعلم أساسا أنّه فقدها... ذلك اليوم عندما وجد والده بطريقة عجيبة في شقّة آنجلا ليعلم بعدها أنّ والده قد سبقه بالتعرف على عبدالله بثلاثة أيّام، فآنجلا على ما يبدو لم تكن تملك وقتا للمماطلات الفارغة، لقد جاءت للاردن لتعرّف عبدالله على أهله وستفعل ذلك مهما بدت لها العوائق صعبة...
ذهبت لوالده بالجامعة حيث يعمل لتعرّفه على نفسها آملة أنّه ربما سيعني له اسمها شيئا ولكنّ خيبة إضافية على خيباتها معه لم تمنعها من تحقيق هدفها، فأخبرته بوجود حفيد له اسمه عبدالله لا يعرف عنه والده شيئا وأنه قد آن الأوان لابنها أن يتعرف على والده وعائلته الحقيقية...
ذهل عماد بوقتها من جسارة تصرفها وثقة خطوتها وسأل والده عن مزيد من تفاصيل ما قالته بفضول شديد إلّا أنّ والده راوغه بمهارة دون إعطاءه مزيدا من التفاصيل....
الحقيقة أنّه ممتن جدا أنّ الموقف قد مرّ على خير بينه وبين أبيه أو على الأقل أفضل مما كان يتوقع وخاصة بعد حوارهم الطويل الذي أجرياه بعد خروجه من شقة آنجلا
*
*
بخطوات هادئة ثقيلة بثقل ما يحمله أصحابها على أكتافهم من هموم وأفكار وحيرة مشى عماد على يسار أبيه متأخرا عنه قليلا بأحد شوارع العقبة القريبة من الساحل حيث أحد مقاهي عماد الذي كان في هذه اللحظات يحاول من بين زخم مشاعره المنفلتة أن يجد شيئا أي شئ يبدأ به الحديث مع والده والذي أوشك أن يخفض رأسه أمامه بخجل لما يعرف أنّه سببه له من خيبة لولا تذكره لكلمة قالها له عبد الله سابقا حين كان يودّعه
"كم أنا فخور بك أبي... دوما كنت كذلك"
يذكر كيف بمفاجأة التفّ برأسه حيث تقف آنجلا قريبة تنتظر خروجه... تأمّلها بتساؤل.. بصدمة بحيرة.. لتستدير هي بوجهها عنه تخفي ملامحها عنه إذ ربّما تذكرت ما أخبرها به يوما عندما تضايقت من شدّة تحديقه في وجهها بذلك التدقيق الفاحص الذي قد يكشف له كما تعتقد بعضا من عيوب بشرتها والتي لم يلحظها قبلا
"لا أستطيع التوقف آنجلا فوجهك ليس مجرّد وجها جميلا عاديا... وجهك كتاب متعدّد الفصول... أفكارك... مشاعرك... رغباتك... اشتهاءاتك... كلّها مدوّنة فيه... وأنا بطبيعتي قارئ متمعن أهتم بالتفاصيل وما راءها"!
صوت والده أنقذه من رحلة مع الذكريات أوشك أن يغوص في تفاصيلها حين قال بصوته هادئ النبرات: عبدالله يا عماد؟!!
رفع عماد رأسه وقال بينما يحاول كبح ابتسامة فخر تكاد تشقّ فمه... فخر لا حقّ له فيه: ما كنت أعرف عنّه
نظر له والده ليكمل بصوت يثقله العتب: وأم عبدالله كمان ما كنت تعرف عنها؟
نظر له عماد وقال بصوت قوي واضح النبرات: آنجلا كانت زوجة الي بالحلال انت عارف يا حج عبدالله إنّه بعمري ما كان الي بطريق الحرام ولا ممكن يكون!
نظر له والده بتفحص وقال: أنا ما سألتك اذا اتزوجتها أو لأ... البنت أساسا حكتلي إنها طليقتك.. أنا بدي أعرف وأفهم ليش ما بعمرك جبت سيرتها قدامنا؟
صمت عماد قليلا... عاجزا مربوط اللسان والمشاعر وقال: آنجلا كانت... كانت ماضي... تزوجتها هناك... وطلقتها كمان هناك...
قاطعه والده بحزم مسيطر: وهناك يعني إنت ما كنت ابنّا؟ يمكن إنت نسيت هناك إنّه في عندك أم وأب بس احنا بعمرنا ما نسينا إنّه في عنّا ابن... ابن تاه ما عرفنا ليش ورجع كمان ما فهمنا ليش!!
ارتباك طفيف ألجم لسان عماد: يابا أنا حكيتلكم...
هزّ أبو عماد برأسه قائلا بقلّة حيلة: حكيتلنا إنّه الموضوع في طرف تالت تعهدت إله إنّك ما تحكي في موضوعه بيوم... واحنا سكتنا وتقبلنا التبرير بتعرف ليش؟ مش لأنّا مصدقينك إنّما لأنّا مضطرين نعمل حالنا صدقنا ونطبطب عليك ونرضيك مشان ما نفقدك من جديد... بس إنّك تقصينا من حياتك للدرجة اللي تبعدنا فيها عن مواضيع حيوية مصيرية زي زواجك!!
قال عماد باصرار أبكم: آنجلا ماضي انولد بالمانيا وانتهى بالمانيا كمان ليش بدي أحكيلكم عنه؟!!
وقف والده قبالته يقاطع عليه خطواته وقال: عشان هيك سمّيت سلسلة كافيهاتك "الملاك الصغير" لأنها ماضي وانتهى؟!!
أجفل عماد بقوّة والتجم لسانه قليلا تحت نظرات والده المدققة ليقول من بعدها: كانت أختي ربا والدة بنتها ملاك بنفس الفترة وعجبني الاسم ووو...
اقترب منه والده أكثر مقاطعا إيّاه ينظر لعينيه ويقول: بنتها ملاك اللي إنت بنفسك اخترتلها اسمها؟
أخفض عماد رأسه أمام والده وصمت وحار في أمره لم يعرف ما الذي عليه أن يقوله... فمن عاداتهم هم الشيشان أن لا يقفوا أمام آباءهم يناقشونهم ندّا بندّ فكيف ولا شئ يستطيع قوله قد يبدو صحيحا في هذه اللحظات
تركه والده وتقدّمه ليسبقه بخطوات ولحقه هو مضطرا: طالما بتحبها ليش طلقتها؟
صمت عماد قليلا قبل أن يقول: هجراني الكم كان غلطة كبيرة أنا غفلان عنها... كانت غلطة بحقي وحقكم وأنا كان لازم أصلح غلطتي...
سأله والده بذات صوته الجهوري الذي يهزّ به مدرجات الجامعة: وهي كانت غلطة؟
صمت عماد عاجزا... تائها ضائع... كما دوما... ولأنّه نتاج ثقافات مختلفة لم يستطع يوما تحديد وجهاته الصحيحه فالمرسى بالنسبة له كان دوما مشوش الملامح... فأين يكمن الصحيح وأين الخطأ
هزّ رأسه بأسف وقال: هي كانت جزء بريء من وضع غلط انوجدت فيه بس لحتى الخطأ يتصلح كان لازم أمحيه منيح من سطور حياتي وما يضلّله اي أثر
تنهّد أبو عماد بهمّ فهذا هو ابنه لا حلول وسطى في حياته... دوما كان كذلك... يتحرّى الكمال في.. كلّ شئ!!
توقف من جديد ونظر لابنه مرة أخرى يتفحص ملامحه المجهدة وسأله: وعبدالله؟ مش هو كمان نتاج نفس الغلطة؟
تبسّم عماد وقال بدفء: عنّا بعالم الأرقام أحيانا السوالب لمّا بتجتمع المحصلة بتكون ايجابية... أنا فكّرت كتير الأسبوع الماضي... بعض الألوان المتناقضة لما بتندمج مع بعضها بلوحة... بتتناسق بشكل عجيب وبتطلع بنتيجة من جمالها ما بتصدق انها ممكن تكون حقيقة
صمت والده قليلا عاقدا حاجبيه يحاول فهم ما يقوله ابنه وقال: أتعبتني يا ابني... مش قادر أفهمك
تبسم عماد بهزء وقال: ولا يهمك يابا أساسا أنا مش فاهم حالي
تنهد والده من قلبه وقال: طيب وهلأ... شو بالنسبة لآنجلا ... ورولا... وامّك؟!
*
*
وها هو اليوم هنا في بيت رولا ليخبرها... ما تحتاج لمعرفته والقرار سيكون لها أوّلا وأخيرا، أمّا بالنسبة لأمّه... فلا أفضل من والده ليقوم بمهمة اطلاعها على آخر أخبار... فلذة كبدها !!
.................................................. .................................................. .................
أنت تقرأ
عندما يعشقون صغاراً(الجزء الثاني من سلسلة مغتربون في الحب)مكتملة
Romanceرواية بقلم الكاتبة المتألقة نيفين أبو غنيم.. الجزء الثاني من سلسلة مغتربون في الحب حقوق الملكية محفوظة للكاتبة نيفين ابو غنيم..