الفصل الثامن

4.7K 116 4
                                    

الفصل الثامن

ترجلت من سيّارة الأجرة وارتباك واضح يرتسم على ملامحها الملائكية النضارة والإشراق يزيد احمرار الحرج من مكاييل جمالها فيزيدها أنوثة، احساسها بأنّ كلّ من بالشارع ينظر إليها يزيد من تخبط خطواتها رغم كونها تعلم يقينا بأنّه مجرّد إحساس خاطئ فقط فكونها تشعر بغرابة مظهرها لا يعني أنّ الجميع كذلك ربما لو كانت هناك في المانيا لكان مظهرها ليكون ليس غريبا فقط وإنّما مستهجنا
كان عماد يضرب أخماسه بأسداسه غيظا منها، لم هي بذلك العناد لِم لُم تقبل أن يقلّها هو؟ ألا تعلم أنّ الدقائق اليوم بساعات... ساعات فقط هي ما تبقّى لهم قبل حلول موعد طائرتهم المغادرة إلى برلين وها هم جميعا بانتظارها الآن كي يتناولوا غداءهم معا قبل الذهاب إلى المطار... جميعهم مجتمعين هنا اليوم في بيت أهله لوداعه وعبدالله متمنين لابنه العودة السالمة...
رنين جرس الباب أثار تحفزهم جميعا ولكنّ من سبقهم لفتحه وبشكل عجيب كان والده ليقف هو له تأدبا مفسحا له الطريق
تهيّئه لاستقبال آنجلا جعل من خطواته تتلكأ متقهقرة للخلف عند دخول تلك الشابة البهيّة بحجابها الأسود بنقوشاته الحمراء الصغيرة والذي تناسب بشكل خلّاب مع قميص أحمر رغم فضفضته إلّا أنّه لم يخف ما تحته من تفاصيل جذابة... حجاب تناقض سواده وبشكل لافت جدا مع وجه مشعّ كما الشمس... وجه تشابه جدا مع وجه درسه في سنوات سابقه حتّى حفظ تفاصيله غيبا وعشقه حدّ الموت الآن.... فخرا
عبدالله والذي كان منذ لحظات فقط في حضن جدّته التي كانت تبثه افتقاد له بدأ منذ الآن كان أسرع منه في استيعاب صوره أمّه الجديدة، وخلال لحظات كان يركض لها مرتميا في حضنها فرحا يحمل في قلبه سعادة ما استطاع قلبه الصغير كقبضة يده استيعابها دفعة واحدة ففاضت منه دموعا لسعادة لم يستطع عقله تصديقها
أيّة مخاوف في قلب آنجلا كانت تبدّدت الآن بينما تجلس على ركبتيها تنظر في عيني صغيرها تشوّش دموعها عليها الرؤية... رؤيته ينظر لها فخورا يمسك وجهها بكلا كفّيه يحاول بعينه الواحدة استيعاب صورتها كاملة فتعطيه هي كلّ ما يريد من وقت وإن لزمه عمرها كلّه ستهرم لأجله هاهنا على ركبتيها فلا تتململ ولا تملّ أبدا
كفكفت آنجلا له بعضا من دموعه فاستنشق هو بعض الهواء وقال لها بصوت متحشرج بفخره وسعادته: كم أنا فخور بك أمّي... لو تعلمين فقط كم تبدين جميلة... جميلة لدرجة أنني... لا أستطيع ان أتوقف عن النظر إليك... لا أستطيع ولا... أريد....
ضحكت آنجلا وقالت له بصوت مرتجف باك تحاول به ادّعاء التماسك: سيكون لك عمرا بكامله لتنظر إليّ حتّى تملّ أو ربما حتّى تأتي جنيّة صغيرة أخرى تجعلك تدير وجهك أخيرا مدركا أنّ أمّك لم تعد سوى عجوزا بشعة... والآن دعني حتى لا يفقد حجابي هيأته فقد أخذ مني وقتا طويلا كي أستطيع تعديله على رأسي بشكل مقبول وإلّا سيكون علينا تفويت الطائرة...
ضحك عبدالله فرحا يكاد لا يصدّق أنّ هذه أمّه، أنّه أخيرا لن يخشَ عليها من عقاب الله ومن النار... أمسكت آنجلا بيده ووقفت بحياء وارتباك وقالت لعبدالله بصوت مسموع تغطّي احراجها: هيّا حبيبي لقد كنت قليلة ذوق بشكل كاف مع بيت جدّك حتّى الآن بعدم تحيّتي لهم... آسّلاااموو آلايكم
لا تنظري إليه... تجاهليه فقط... كانت هذه أوامرها التي تلقيها على نفسها بينما تناظر الوجوه المشدوهة التي تنظر إليها بتأثر وعدم تصديق تحاول بها تهدئة حاجة ملحّة بالنفس تنتظر رأيه هو بالذات... تودّ أن تعرف... كيف كان ليكون موقفه... كم تخيلته... كم تعبت لأجله... كم تلهفت لإرضاءه... كم تمنّت أن ترى بالضبط نظرة كهذه النظرة الممتزجة بذهول وإعجاب و وفخر وسعادة و... أسف...
أجل عماد كن آسفا... عليك أن تكون... سكّين غدرك ما زال في القلب مغروسا فكيف للقلب أن يلتئم... عباءات دفئك التي تلحفتها واحدة بعد واحدة بعد أخرى والتي سحبتها منها على حين غفلة تاركا إيّاها لليل المانيا البارد الموحش ترتجف بردا وشوقا وخوفا لم تجد لها بديلا فدفؤك ليس له كفئا...لا شئ يغفر لك ولا عوض تستطيع تقديمه ولا ديّة فيما مضى سينفع
نظرت له آنجلا ولم يستطع لسان قلبها الآثم إلّا ان يسأل بألم: كيف أبدو؟
نظر لها وقال هامسا بصوت مختنق أجش: كاملة... كما ملاك!
صوت أبو عماد والذي جاءها فاضّا لعراك منهك ما بين عقلها الزاجر لقلبها المنتشي رضا زاد من سعادتها فقد جاءت كلماته كما بلسم لروح متشققة بالجراح: ما شاء الله آنجلا ما شاء الله... لقد أصبحت حقّا اسما على مسمّى بهيئتك هذه... لقد بات علينا أن نعلّمك آيات التحصين كي نرقيك من أعيننا
تورّدت آنجلا خجلا وقالت: أتقصد المعوّذات؟ لقد تعلمتها فعلا كي تساعدني على أداء الصلاة
تبسّم أبو عماد راضيا وقال: ما شاء الله ما شاء الله... إنني فخور بك فعلا كأمّ لحفيدي... كم هو محظوط بك
كلماته هذه جعلت الدموع وبلا أدنى شعور تنحدر من عينيها فكأنّه بكلماته هاته نكأ جرحا قديما عافه الزمن ليمسح عليها ويشفيه من فوره فمنذ سنوات مضت وبينما كان عماد يخبرها عن عظم والده وكم يتمنى أن يجعله فخورا به تمنت أن تكون هي بالذات أحد مصادر فخره ...
لكنّ امتنانها له الآن أكبر فانتماءها لعبدالله بكونها أمّ عبدالله كان شعورا أروع بكثير
.................................................. .................................................. .................



عندما يعشقون صغاراً(الجزء الثاني من سلسلة مغتربون في الحب)مكتملةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن