الفصل الثالث عشر

4.7K 115 2
                                    

الفصل الثالث عشر

بعد شهر

يراقب زوجته منذ بعض الوقت والتي كانت تجلس أمامه في الشرفة على كرسيّ هزّاز مريح من القشّ مغطّى بفرشٍ أزرق باهت، تداعبها بعض النسمات المنعشة المطعّمة بنسيم البحر العليل القادم من بعيد والتي لطّفها تراجع نسبيّ بدرجات الحرارة وقد قاربت شهور الصيف على الأفول

كان ينظر إليها بينما تشرب من فنجان للقهوة مذهّب، ترفعه لشفتيها وتخفضه من جديد ببطء رتيب وتلقائية غير مدروسة... يقرأ على وجهها حزنا غائرا يحاكي حزنا توأما معشّشا في قلبه يخنقه بقوّة إيمانٍ ورضى بالنصيب

فجأة وعلى حين غفلة وبينما تضع فنجان القهوة على الطاولة الدائرية الصغيرة أمامها سمعها تقول بصوت مختنقٍ حانق: ليش بس يا ربي ليييش!!

نهرها أبو عماد مؤنّبا رغم اشفاقه عليها: استغفري ربّك يا بنت الحلال... لا إعتراض على حكمه

قالت أم عماد بصوت مهتزّ متحشرج: أستغفرك يا رب... بس.. بس لييش... شو شاف من الدنيا هالولد لحتّى يصير فيه هيك... ليش... ليش هو دوناً عن بقية البشر؟!

تنهّد أبو عماد بأسى عاجزا حتّى عن مواساتاتها وهو الذي يحتاج لمن يواسيه لكنّه ورغم ذلك لم يستطع إلّا أن يشفق عليها وهي التي لطالما كان أكبر عيوبها حبّها الأعمى وحمائيها المبالغ بها نحو أولادها عامّة وعماد خاصّة... عدم تقبّلها لأيّ سوء يمسّهم بل وحتّى رفضها لمن قد يتسبّب له بأذى حتّى وإن لم يكن مقصود بل ومعاداته أيضا

يذكر جيّدا قبل سنوات كيف عادت أخاها أبو كرم وقاطعته فقط لأنّه اختار أن يزوّج ابنة أخيه غزل لابنه كرم بدلا من عماد... لم تغفر له قط... على الأقل ليس وهو حيّ!

نشيجها الناعم قاطع أفكاره من جديد بينما تقول بصوت متألم: بتعرف... بتتذكّر يوم ما قولتلي عنّه... عن عماد وآنجلا... يومها... من جواي رفضته.. كنت بدّي حفيد أفرح فيه من وهو ببطن أمّه.. أكون أوّل حد بيحمله.. أغنيله وأدلعه يقوللي يا تيتا وأحكيله يا عمري.. يا غالي يا ابن الغالي.. بس بوقتها قلت هو ابنّا لحمنا ودمنا واحنا أولى فيه.. وقبلت أستقبله وأتعرف عليه وأنا من جواي "داخلي" مقرّرة إنّه ما بدّي أحبّه... بدّي يرجع مع إمّه بأسرع وقت لحتّى فرحتي بالحفيد الجديد ما تتأخّر... بس... بس لمّا شفته...

ازداد نشيج أم عماد وأكملت بينما تقاوم دموعها بقطع طريقها ومسحها مباشرة من تحت جفنيها المترهلين فيما هو مصغٍ لها بانتباه: عماد... شفت عماد... نسخة طبق الأصل عنّه... ابني... قطعة من قلبي... كيف... كييف ما بدّي أحبّه... ابني رجعلي... رجع لحضني من بعد ما رفرف وطار... من بعد ما كبر وطلع من تحت جناحي... بوقتها سبّيت "شتمت" على عماد ولوهلة حسّيت إنّه غضبانة عليه وما بدّي أسامحه... وأوّل ما عبدالله قرّب منّي وحضني قلبي من جوّا انفتحله وفهمت... عرفت شو يعني ما أعزّ من الولد إلّا ولد الولد

عندما يعشقون صغاراً(الجزء الثاني من سلسلة مغتربون في الحب)مكتملةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن