الفصل السادس عشر

4.8K 110 1
                                    

الفصل السادس عشر

كما لو طافيا بين الأمواج في يوم عاصف كان... مغمضا عينيه مستسلما لقممها وقيعانها... متراخيا لا شئ يسليه إلّا أشعة الشمس الشتوية الكاذبة التي تتسلل عنوة عبر أهدابه المغلقة... ذلك كان حاله... متهالكا على جدار كان الأقرب إليه عندما دفعه يوسف عنها بعيدا خالعا إيّاه من روحه... يوسف الذي كان يصله صوته الآن غاضبا فيراه من بين زوغانه ولا يسمعه...

أحقا كانت هنا قريبة منه حدّ اشتراكهما النفس، أحقّا أنّ شفتيه المبتلاة بفقدها منذ سنوات قد لامستاها بصدق وأنّهما قد مسحتا على جبينها الذي أنهكته شدّة الخضوب... أصدقا كان ذاك لا حلما سيصحو منه ظمآنا مهما ارتشف فيه كما شارب من بحر... المنطق يقول مستحيل فيما جسده... الألم في جسده... الحمّى التي تنتشر عبر أوردته... تخبره أنّ ما حدث كان... ويالجنة ما تفعل... واقعا!!

فجأة شعر بيوسف يرتمي على الجدار بجانبه زافرا بآخر هوجاء عاصفته بكلمة "مجنون" ليصمت من بعدها كما لو أنّه قد يئس منه وما وجد من نفع بالحديث معه الآن وكم كان محقّا فتلك الحالة من التمزّق التي كان يعاني منها ما كان ينقصها كلمات يوسف المؤنبة لتزداد سوءا... جسده كان يئنّ محموما... روحه تحوم في مكان ما خلف الأبواب حولها... تبكي لمصابها... أمّا عقله فقد كان حالة أخرى مستعصية على الفهم...

تساؤلات وأفكار كثيرة تتراكض في دهاليز عقله فتتوه منه ضالّة الطريق ولكن هناك في زاوية مندثرة في دهاليزه كان يوجد طاقة صغيرة... يشعر بها خَجِلا فيسترها بستارة الحزن الداكنة التي كانت تظلّل قلبه... الحزن الذي كان يملأ قلبه وجعا على حالها... على فقد ستتجرع مراره للمرة الثانية... بل ربّما الثالثة... أم تراها رابعة!

وفجأة وكما ضربة من البرق قاسمة لظهر قلبه أدرك بأسى أنّ حبيبته الصغيرة أيضا مبتلاة بالفقد... مثله هو، ففقد طفلين وزوجين كافي لإحالة العاقل إلى مجنون... كافي لقطع حبل الصبر مهما كان غليظا بسكينه القاصم الطاغي بتكرار الحزّ فهل سيبقي اليوم فيه شعرة يقبض عليها هو بعقله والفؤاد مانعا إيّاه الانقطاع أم تراه قد انفلت فعلا وما عاد فيه شيئا كافيا للوصل!

ستصبر... لا بدّ أنّها ستفعل، مي قوية ولطالما كانت كذلك... يقولون أنّ المرأة أكثر جلدا من الرجل وها هو فاقدا للعالم كلّه منذ ألقى عليها تلك اليمين الثالثة ولا زال حيّا يتنفس... وأنفاسها حاليا... تكفيه

مناقضا تسلسل الثقة الذي كان يقنع نفسه فيه رفع كفّيه يفرك بهما وجهه ويهمس بخشونه: الله يستر!!

نظر له يوسف بطرف عينه يرشقه بنظراته فيما فورة الغضب لا زالت تسيطر عليه ، يكاد لا يصدّق حتّى الآن ذلك المجنون الذي كاد يتسبب لنفسه ولكلّ الموجودين بمصيبة وهم الذين تغاضوا عن وجوده بعضهم مفترضا أنّ مي تخصّه فيما الآخر أو بالأحرى... الأخريات ينظرن للأمر من زاوية رومانسية بحتة... لكنّهم بالنهاية كلّهم سيحاسبون لو رآه أحد أيّ أحد يعرفها.. وخاصّة هي... خطيبته "رغما عنها" ستكون أكثر المتضررين.. قال: من العملية راح يستر ان شاء الله لا تنسى في معهم دكتورة ملهاش حلّ... بس من عمايلك إنت... الله يستر

عندما يعشقون صغاراً(الجزء الثاني من سلسلة مغتربون في الحب)مكتملةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن