الفصل التاسع والعشرون

4.5K 106 6
                                    


الفصل التاسع والعشرون

استيقظ يوسف من النّوم عندما شعر بالفراغ الذي يملأ ذراعيه فخرج من الغرفة ليبحث عنها متوجّسا وكما توقّع وجدها تجلس على طاولة صغيرة تتوسّط مطبخهم تضع عليها كتبها وتفتحها أمامها عبثا فيما عيناها ترتكزان على نقطة محدّدة في صفحة كتابٍ مفتوح يجزم أنّها لا ترى فيها إلّا السواد

اقترب منها رويدا رويدا فهاله منظر الدموع التي كانت عالقة بين أجفانها تأبى النزول فعلم حينها أنّها تتألّم وبجزع أدخل أصابع يده بين خصلات شعرها ليوقفها على قدميها ويقرّبها منه مقبّلا صدغها هامسا بقلق: شو في حبيبتي مالك؟

عاجزة عن الرد هزّت زاكية رأسها بأن لا شيء ليحتضنها بحنان قائلا: كيف ولا شي؟

نظرت له زاكية قليلا وهمست بتحشرج: حاسّة حالي مخنوقة شوي

مداعبا قال لها يوسف: معناها لازمك أكيد تنفّس صناعي

ضحكت زاكية وضربت كتفه قبل أن تعاود دفن رأسها بصدره بقوّة كما طفلة صغيرة تبحث عن الحنان فابتسم بشجن عالما ما بها فحالها منذ سمعت بوفاة والد رحيق لم يكن خافيا عليه فابتدأ بتمسيد فروة رأسها لكي تسترخي كما يعلم أنّها تحبّ أن يفعل ليهمس من بعدها قائلا برويّة محاولا اختراق حصونها التي لا تزال موصدة حول روحها بحرص مغيظ: احكيلي عن أهلك

صمتت زاكية قليلا قبل أن تقول بجمود: عادي

صمت يوسف قليلا وقال بشجن: بتعرفي إنّه بابا مات وهو لوحده؟

رفعت زوزو رأسها ونظرت إليه باهتمام لتبتعد عنه وتجلس على حفّة الطاولة وتهمس متسائلة: كيف يعني لوحده؟

عاد يوسف بذاكرته بحزن لتلك الليلة قبل حوالي ثماني سنوات ونظر لها قائلا: بتعرفي بابا كان يكره كتير يفضى البيت يعني لو صدف إنّه أنا وأخواني كلنا طلعنا من البيت كان يتدايق كتير وكان يحكي بدّي أسكّنكم كلكم عندي لحتّى ما ييجي اليوم اللي يخلا في البيت إلّا منّي ومن إمكم وفعلا بنى لأحمد وكرم شقتين هون من دون حتّى ما يخبرهم كل ما يبعتوله فلوس عأساس مصروف ياخده ويشتغل بشققهم لحتّى جهزهم بالكامل

ابتسمت زوزو بحنان منتظرة بشوق لسماع بقيّة كلماته فهذه كانت المرة الأولى التي يتحدّث فيها يوسف عن والده أمامها بتلك الطريقة

متأمّلا تعابيرها المهتمة وغارقا بفكره في تفاصيل الماضي أكمل يوسف مبتسما بحنين: كان يوم عرس أحمد... لو شفتيه كيف كان فرحان... تحمّم وحلق ولبس بدلته كان هيك مصحصح ووجهه منوّر صار يتمشّى قدّامنا ويقولنا أنا عريس الليلة وصرنا نغنّيله أنا وإخواني وقعدنا نزفّه

ابتسمت زاكية وقلبها يلتهم كلماته بنهم وراقبت الحزن يكسو ملامحه بينما يكمل: تعب قبل ما نطلع بشوي وقال اسبقوني ما راح أقدر عالفاردة "موكب العرس" والزفّة أنا راح أرتاح شوي وأطلع عالقاعة عطول وهاي خالكم بيضلّ معي

عندما يعشقون صغاراً(الجزء الثاني من سلسلة مغتربون في الحب)مكتملةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن