الفصل السابع

4.6K 124 12
                                    

الفصل السابع

تقف على باب غرفة ابنتها القديمة تناظرها والألم والقهر يملآن قلبها فيفيضان في عينيها مرارة وحسرة، لقد ظنت أنّ سوء الحظّ الذي لازم ابنتها قبل أعوام قد غادرها بعد أن انتهت من زوجها الأوّل وتزوجت فادي، كم بدت لها حياة ابنتها مستقرّه معه وهادئة بعد أن كانت شائكة محتدمة مليئة بالمشاكل والمنغصات طوال فترة زواجها من معتز، من كان ليعتقد أنّ فادي ابن العائلة المحترمة والسمعة الطيبة كان متعاطيا حشّاش
كم كان اتصال مي مفزعا منذ يومين عندما أتاهم قبل منتصف الليل بقليل وقد كانت مرتجفة تبكي ترجو أخاها أن يأتي إليها وما ان ذهب وعاد بها أفزعتهم بشحوب مظهرها وسوء أخبارها فالشرطة قد أتت لمنزلهم وبعد أن فتشته بالكامل وعاثت فيه الفساد وجدت بضع قطع من الحشيش مخبأة في غرفة المكتب فأمسكت بفادي واقتادته معها... يالحظ ابنتها هذه صدقوا حين قالوا همّ البنات للممات
نظرت مي بطرف عينها لترى نظرات مبطنة باللوم تلوّن سواد الحزن في عيني والدتها فقالت لأمّها بصوت جريح ينضح بالسخرية: ليش بتتطلعي علي هيك؟ مش هاد اختياركم؟ مش هاد هو اللي غصبتوني عليه وحكيتولي عنه عريس ما بيتعوض؟
احتدّت نظرات أمها وقالت: واحنا يعني شو عرّفنا إنّه حشّاش؟ بتلومينا بدل ما تلومي حالك عايشة معه خمس سنين ما عرفتي؟
ابتسمت مي بسخرية وقالت: مين حكى ما بعرف؟
الصدمة شلّت لسان والدتها قبل أن تستطيع القول: بتعرفي وما بتحكيلنا؟ انتي متى راح تصيري تشركينا بحياتك وتشاورينا؟
التفت مي بجسدها نحو والدتها وقالت هازئة: يعني لو كنت حكيتلكم شو كنتو راح تعملوا؟ راح تطلقوني؟ ولا راح تقوليلي نصيبك اتحملي واصبري والوحدة ما الها إلّا دار جوزها؟ لأنّي بصراحة ما عمري سمعت منّك غير هالكلمتين؟
نظرت الأم لابنتها مبهوتة وقالت: وهاد هو الصحيح ولو كنتي تردّي علي كان ما صار اسمك مطلقة تلات مرات والله أعلم هلأ شو كمان راح يصير مع فادي!
احتدّت نظرات مي وقالت: مش كان مفروض عليكي وانتي بتحكيلي اصبري تعلميني كيف أصبر... كنتي دايما تحكيلي احتويه وما بعمرك فهمتيني شو يعني أحتويه!!
فتحت امّها عينيها على اتساعهما فها هي ابنتها تعود لموضوع معتز من جديد ألن ينتهي جنونها به أبدا وها هي تلقي كلّ اللوم على ظهرها الآن: كنتي صغيرة وما بتسمعي الكلام أبوكي ضل يدللك ويطبطب عليكي لمّا كسرتي ضهره!
احتراقة ألهبت جوفها واختنقت بها فقالت بضعف وأمنية خاسرة بعودة الأيّام تلهب قلبها: ومع ذلك رجعتو جوزتوني صغيرة... المهم تخلصوا منّي وما أضل مطلقة وقاعدة بوجهكم!
ابتلعت الأم ريقها وقالت بانفعال شديد: انتي هلأ بشو بتناقشي؟ تجربتك مع معتز علمتك وهيّك خمس سنين الك مع فادي عايشة عمرك ما اشتكيتي
أغمضت مي عينيها وانقلبت على الجانب بعد أن قالت في مراراة: عايشة هه!!
ضربت الأمّ يديها في بعض وهزّت رأسها في عجب فابنتها لابدّ قد جنّت بداية من رفضها القطعي أن يعرف أهل فادي بأمر حبسه ولولا أن أصرّ أشقاؤها على ضرورة إعلامهم لما كانوا قد عرفوا حتّى الآن ونهاية بهذا الحوار المجنون واللوم المبطن على ما فات منذ سنوات
تلومهم لأنّهم زوّجوها وهل كانت لتجد فرصة بوقتها أفضل من فادي على الأقل هو صغير وعازب كما وأنّهم لم يضعوا مسدّسا برأسها كي تقبل به صحيح أنّهم قد ضعطوا عليها ولكنّها لم تتخلّ عن جنونها وعنادها بالرفض حتّى سمعت من إحدى الجارات أنّ معتز قد بدأ بالبحث لنفسه عن عروس
سمعت مي والدتها تغلق الباب وراءها فرفعت عن السرير وجها أحمر محتقن بدموع تكاد تختنق بشدّة انهمارها، كلّما تذكرت مي وجه فادي بينما الشرطة تنتشر في أرجاء منزلهم تبعثر محتوياته بإصرار مريب إصرار الواثق مما سيجد يقتلها قلبها كمدا... كم بدا ضعيفا خائفا وكأنّه عاد لذلك الفتى الضعيف الذي ألقي في السجن يوما ولكن الفرق الآن أنّه كان على دراية بما سيجد هناك!
يومان قد مضيا الآن مذ رأت ما رأت وعرفت ما عرفت وما ارتاح رأسها من التفكير لحظة ولا التقط أنفاسه لوهلة... كلّما فكّرت بذلك الصغير خائفا مرتعدا مبلّل السرير بكى قلبها عليه ألما وتلبستها الشفقة ولكنّها أيضا كلّما تذكّرت فظاعة ما رأت ينسلخ عنها كلّ شعور عدى القرف والاشمئزاز والرفض التام... تفكّر وتفكّر وتفكّر ولا تعلم لماذا فالقرار أوّلا وأخيرا قد سحب من بين يديها وقد خطّه فادي لها بحروف واضحة المعالم وأنهى الأمر
ولكن يبقى في غياهب جبّها سؤالا حائرا مرتجفا ترتعد له فرئصها خوفا... أمن الممكن أن يكون فادي يحمل مرضا ما... وبالتالي هي؟!!
ترتعد خوفا تخشى المجاهرة بالسؤال فمعرفة الإجابة... متى يخرج؟ متى؟ هي تعرفه... لو كان مريضا لما اقترب منها ولكن... ماذا ان لم يكن هو بنفسه يدري... عندما تفكّر جديّا في الأمر، لقد كان يبدو في الفترة الأخيرة مهموما واضح الشحوب فاقدا لشهيته على الدوام
صوات ضجّة خارج غرفتها أثارت انتباهها وأخرجتها من صومعة أفكارها وواقع ضياعها فولولة أمّها أيقظت فزعها... هل هو أباها؟!
ما ان فتحت الباب ووقفت أمامهم -بشعرها المنكوش وكآبة نظراتها الفزعة في تكدّر وجهها الذي تناقض شحوبه مع بضعة بقع حمراء نغصت جمال بشرتها حيث جرى الدمع عليها لأيّام مخلّفا آثاره الدامية-... توجهت جميع النظرات نحوها...
نظراتهم المفجوعة... أمّها وأبيها فنظرات شقيقها الحائر والذي مذ سمع الخبر يكلّم نفسه كما المجنون حتّى أنّه أثار فزع معتز الذي استوقفه يسأله عمّا به ليخبره ما فاض فيه صدره فيقف ذاك متجمدا مبهوتا ليتركه غير آبه بحاله ويأتي إلى حيث شقيقته كي يقف أمامها الآن عاجزا فكيف سيخبرها أنّ زوجها لم يستحمل بجسده الضعيف قسوة تعذيب شرطة مكافحة المخدرات ومات بين أيديهم هاربا من جور تعاملهم وفظاعة ألفاظهم وبطش سلطتهم!
.................................................. .................................................. .................

عندما يعشقون صغاراً(الجزء الثاني من سلسلة مغتربون في الحب)مكتملةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن