17

62 6 0
                                    

                                *****
استيقظت باكراً, اغتسلت وبدلت ملابسي, ثم ذهبت إلى غرفة سلمى؛ لأستعجلها, فطريقنا واحد اليوم.
"هيا يا سلمى لقد تأخرنا"
-"سلمى: اوه أخي, ما زال الوقت باكراً لِمَ كل هذه العجلة"
-"وسيم: سأصطحب باتي إلى بيت جدتها اليوم "
-"سلمى: وماذا لو كانت منى في المنزل؟"
-"وسيم: لتفعل ما تشاء, سترى باتي جدتها اليوم ولو كلفني هذا الأمر أن أقتل منى وخطيبها"
-"سلمى: هي, ما بك اشتعلت غضباً؟ أذكر الله ودعنا نخرج "
-"وسيم: هيا أسرعي, لا أريد أن أُرى أمي, صحيح هل أخبرتها عن أمر المدرسة؟"
-"سلمى: لا, لم تسنح لي الفرصة, لم أشأ أن نختلف أمام خالتي و رزان, أُخبرها عندما أعود"
-"وسيم: كما تُريدين, لنخرج"

انتظرت قرابة الساعة أمام المدرسة, حتى بانت باتي, خشيت أن يذهب تخطيطنا هدراً.
-"بتونيا: السلام عليكم, آسفة تأخرت قليلاً "
-"وسيم: لا عليكِ, هل مشت الأمور على ما يُرام؟"
-"بتونيا" أجل, الحمد لله لقد تفهمت وضعي, هيا أسرع أرجوك, لا أُريد أن أتأخر, يجب أن أعود مع باص المركز"
إنطلقنا إلى منزل أُم زياد, كانت سيارة منى أمام الباب, مما زاد من إرتباك باتي
-"وسيم: لننزل هيا يا باتي"
-"بتونيا: لا أستطيع, عمتي هنا, لا أُريد أن نتجادل, ولا أود أن أُسبب المشاكل لجدتي, لننتظر قليلاً"
أمضينا ساعة ونصف دون أن يتغير الوضع, ثم قررت أن أخذها إلى الداخل ولو بالقوة.
أمسكت بمعصمها وقلت:
-" هيا لنذهب"
-"بتونيا: لكن يا وسيم"
-"بتونيا: طال إنتظارنا يا باتي, يجب أن تعودي إلى المدرسة, ويجب أن ندخل المنزل الآن, أرجوكِ لا أُريد أن نعود خاليين الوفاض"
استجابت أخيراً لطلبي, ورافقتني إلى باب المنزل بتوتر شديد, كانت تقبض على ذراعي الأيمن مختبئةً خلفي, طرقت الباب عدة طرقات حتى انبلج وبانت منه الجدة أُم زياد, عندما رأتني ضحكت, ثم انتبهت إلى بتونيا التي أطلت برأسها بخفة؛ لترى جدتها كقطة لطيفة.
-" أُم زياد: لا أُصدق عيناي, باتي يا ابنتي كيف فعلتها؟"
انطلقت عقلة الإصبع واستقرت بأحضان جدتها, واحتدت أصوات البكاء وكأنني عُدت لمشهد وفاة والديها, طال العناق وبللتهما الدموع.
-"بتونيا: أرجوكِ يا جدتي لا تذهبي, ابقي هنا, لا تجعلي عمتي تفعل ما تريد, أرجوكِ إبقي معي"
-"ام زياد: لا أستطيع يا صغيرتي, أصبح كل ما نملك لأحمد"
-"وسيم: ماذا؟ كيف حدث هذا؟"
-"أم زياد: لا أعلم يا ولدي, لقد باع كل شيء ويجب أن نذهب الآن معه "
-"بتونيا: ومنزل والداي؟"
-"أم زياد: نقلته منى إلى اسمي وكأنها كانت تعلم ما سيحصل, أخبرَت أحمد أن زياد وضعه ب إسم حياة قبل أن يموت؛ لهذا لم يسأل عنه"
-"بتونيا: إذن ابقيا بمنزل والداي, أرجوكِ يا جدتي أقنعي عمتي منى"
-"أم زياد: حاولت كثيراً, تحب أحمد بطريقة مُخيفة, لا أعلم إلى أين ستجرُنا؟ ولا أستطيع أن أتركها له وأبقى هنا, سنعود لا تقلقي, لن تطول زيارتنا "
عادت بتونيا واندثرت بأحضان جدتها:
" وإن لم تعودي؟ ماذا أفعل أنا؟"
-"أم زياد: أعدك يا طفلتي عندما أطمئن عليها سأعود وأعيش معك بمنزل زياد "
طال العناق مرةً أُخرى, إلى أن زعزعته منى بصوتها:
" ماذا يحصل هنا؟"
هلعت باتي من صوتها, ثم حوَّلت نظراتها إليها, وانطلقت نحوها تطوقها بذراعيها وهي تهتف:
"أرجوكِ ابقي هنا, أحمد لا يحبك, أنا أُحبك أكثر منه, ابقي هنا يا عمتي"
دفعتها منى إلى الخلف؛ فسقطت على عتبة الباب, ثم قالت:
"وأنا أُحب أحمد ولا احبكِ, من تظنين نفسك؟ مُجرد فتاة غريبة, مجهولة الأبوين, من أنتِ لتُحبيني أكثر من زوجي؟ هيا انصرفي من أمامي قبل أن أبلغ الأمن"
ثم سحبت أم زياد إلى الداخل, وضربت الباب.
أسرعت إلى باتي أرفعها عن الأرض, وأخذت أمسح على رأسها وأُحيطها بذراعي, ثم دعوت على منى من أعماق قلبي, ولو أنها لم تغلق الباب لشوهت وجهها, أتمتلك حجراً بين أضلاعها؟ ذنبت نفسي؛ لأنني دفعت باتي إلى هذا الموقف المحرج.
صعدنا إلى العربة لنعود إلى مدرستها, كانت تُخفي وجهها بيديها, وجسدها يرتجف, أمسكت إحدى يديها وقلت:
"سنتجاوز هذا أيضاً, أنتِ قوية, أنظري إلى عيناي سنتجاوزه معاً, هيا كفكفي دموعكِ, يكفي ما أهدرتِ من دموع من أجل شخصٍ لا يستحق"
وَضَعَت باطن كفها الأخرى على يدي وقالت:
"إن شاء الله "
عندما وصلنا كان الباص يصطف أمام المدرسة؛ فلحقت به سريعاً دون أن تودعني, بعد دقائق أتت سلمى فأدرت المقود لنعود إلى المنزل.
-"سلمى: ماذا حدث؟ هيا أخبرني بسرعة؟"
-"وسيم: رأينا منى"
-"سلمى: ماذا؟ بالتأكيد نغصت لقاء باتي بجدتها, لعنها الله, أصبحت أكرهها"
-"وسيم: وأنا يا سلمى, تمنيت أن أقتلها"
وصلنا إلى المنزل وأخيراً, كانت أمي بانتظارنا والشرر يتطاير من عينيها, رنوت إليها متسائلاً فهتفت:
" ماذا تفعلون؟ هل تريدون أن تُصيبونني بالجنون؟ أنتِ يا سلمى كيف تنتقلين من مدرستك دون إخباري؟ لِمَ فعلتِ هذا؟ وأنت يا وسيم ألا تزال ترافق بتونيا؟ هذه الفتاه كُتلةٌ من البلاء والشر, أينما حلت دمرت, لا أُريدها في حياتي, أرجوكما افهماني أنا أم, وأريد استعادة أبنائي "
أجابتها سلمى سريعاً:
"أمي اهدئي لو سمحتِ, نحن نُحبكِ أكثر من أي شيء في الدنيا, أنت أساس حياتنا, ولا ننكر فضلك, لكن لا تطلبي مني أن أترك صديقتي بمنتصف الطريق, أنتِ لم تربيني على هذا "
-"رنا: أتبيعينني من أجل صديقة تعرفتِ إليها منذ سنتين؟ أهكذا ربيتكِ؟ أن تفضلي الغرباء علي؟"
-"وسيم: أمي اجلسي أرجوكِ, ارتاحي قليلاً, ولا تتوتري, لِمَ تُضخمين الموضوع؟ هي في النهاية صديقة سلمى وخطيبتي, ليست غريبة, ستصبح زوجتي قريباً, لماذا تُريدين إبعادها عن حياتنا, وأنت تعلمين أن روحي مُعلقةً بها؟ لماذا؟ ألم تُخبريني أنتِ كيف حاربتِ للزواج من والدي؟ بالرغم من معارضة أهله."
-"رنا: أجل كافحت وكثيراً, لكنني لم أكن بلا نَسَب, ولا أصل لي ولا فصل, كيف تطلب مني أن أقبل بزواجك من هذه الفتاة؟ ماذا سيقول أقاربنا؟ ماذا سيقول الناس؟ "
-"وسيم: أخبريني من البداية أن همكِ هو كلام الناس, أتُفضلين كلام الناس على سعادة أبنائك, ومن ثم تُنصِّبين نفسكِ أُماً, لا يا عزيزتي الأم أقرب لأبنائها من أي شيء, تشتري راحة بالهم, وتجهد لزرع الفرح في دواخلهم, أتظُنين الأمومة: فقط بالمال, والملابس, ومستوى المعيشة المرموق؟ أين اختفت رقتك؟ أين ذهب حُبك لنا؟ لم أعد أعرفك, اكتشفت أنك ومنى وجهان لعملةٍ واحدة"
ثم انسحبت من النقاش العقيم, وهممت خارجاً إلى الفناء, ركبت سيارتي وذهبت إلى زيدٍ الحبيب.

بتونيا زهرة المجرة 🌸 حيث تعيش القصص. اكتشف الآن