*****
أفقت على خيبةٍ جديدة, خيبةٍ مُميتة, أخذت مني والداي, وجدتي, بيتي وحياتي, الشوارع, والأحلام, قتلت داخلي الفرحة, كيف سأحتمل؟ كيف سأحيى هذه الحياة بعد الآن؟ أتشعرون بحالي؟ هل حقاً سأذهب لدار رعاية الأيتام؟ لا أريد, لم أعتد بعد على منزل جدتي, أين أنت يا أبي؟ تعال أرجوك, إسحقني تحت قدميك, لكن أَعدني إلى غرفتي.
لملمت حقيبتي أنا ووسيم؛ ليصطحبني معه إلى منزله, كيف سيكون رد الخالة رنا؟ أخاف كثيراً, يا رب ساعدني.
انتبهت إلى جدتي التي تقف سادَةً باب الغرفة وتبكيني بحرقة, وكأنني فقدت الحياة, وهذا صحيح: فقدت حياتي, وزيادي, جدتي, منزلي وغرفتي, وأحلامي, فقدت الآمل.
رحت أمشي نحوها مكسورة الخاطر, أجرُّ قدماي بصعوبة, أرحت رأسي على صدرها, وقلت:
" أرجوكِ لا تحزني, لن أتركك والله, سأزورك بعد خروج عمتي من المنزل, لن أقاطعك"
-" أم زياد: كيف سأتركك للمجهول يا طفلتي؟ وصية أبنائي أنتِ, كيف سأخبرهم عن أمانتهم؟"
-"بتونيا: ليس خطأكِ, أنت تخليت عن كل شيء من أجل أن أحتفظ باسم والدي, وعائلتي على الأوراق, أنت قدَّمتِ لي الكثير يا جدتي, و والله أني أُحبك, ولا أعلم كيف سأرد لك هذا المعروف؟"
أخرجت من جيبها رُزمةً من الدنانير, وقالت:
"هذا ما تركه والداكِ لك يا ابنتي, خذي وخبئيها جيداً"
-"بتونيا: لا يا جدتي لن أقبل بها, أرجوك لا أُريد لعمتي أن تُحزنك, لن أخُذ قِرشاً واحداً"
-"أم زياد: يا ابنتي أرجوك, هذه أمانة والداك, الأمانة صعبة, لا أعلم متى سأفارق الحياة؟"
-"بتونيا: بعد عمرٍ طويل, لا تقولي هذا, يكفيني ما أشعر به, سآخذ قِسماً منه وأُخفي البقية معك, سأعود إليكِ كلما احتجت"
-"أم زياد: كما تشائين, لا تُطيلي غيابك عني, أرجوك"
أخذت تبكيني وأنا أبكي ما خسرته برفة عين, ودعتها وخرجت برفقة وسيم, الذي كان هادئاً جداً ومرعوب.
عندما دخلنا المنزل ركضت سلمى نحوي تسألني عما حصل؟ وأقبلت الخالة رنا مستغربة, أشار وسيم لسلمى لتأخذني إلى غرفتها, سرت وأنا أتكئ عليها, إلى متى سأبقى هنا؟ هل ستقبل بي والدة وسيم بعد أن تعلم بحقيقتي؟ و قبل أن ألج من باب الغرفة, بدأت أسئلة سلمى, لم أستطع أن أُجيبها, ولم أدري بما سأخبرها؟
"سلمى أرجوك أُريد أن أنام الآن, عندما أستيقظ سأخبرك "
-"سلمى: ماذا فعلت لك منى؟ هذه المرة تبدين منكسرة, وكأننا عُدنا إلى يوم وفاة والديكِ"
آهٍ يا سلمى لو تعلمين بما أشعر, آخ يا صديقتي, والداي ليسا والداي.
-"بتونيا: عندما أستيقظ سأخبرك "
اندثرت بغطائها وكتمت نَفَسي حتى خَرَجَت من الغرفة, وأغلقت الباب, حينها رفعت الغطاء ودفنت رأسي تحت الوسادة, وأخذت أبكي دون أن أًصدر صوتاً.*****
أخذت والدتي تستجوبني وأنا لا أزال واقفاً أمام باب المنزل, لم أعلم بماذا سأجيبها؟ أخاف أن تكون ردة فعلها قاسية, لم تُطل سلمى, ونزلت إلينا؛ لتعاود طرح أسئلة أمي, فلم يكن مني إلا أن أختلق قصةً جديدة:
"تعلمون كيف تعاملها منى بعد وفاة والديها؟ هذه المرة كان عقابها عنيف, وطردتها من المنزل"
-"رنا: كيف تفعل هذا؟ ماذا فعلت لها بتونيا؟"
-"وسيم: لا شيء يا أمي, كما قلت لك, تختلق المشاكل؛ لتوبخها, وتؤذيها"
-"سلمى: والجدة أم زياد؟ ألم تفعل شيء؟"
-"وسيم: المرأة مُسنة, لم تستطع السيطرة على غضب منى, ففضلتُ أن أُبقيها في منزلنا, إلى أن نجد حلاً"
-"رنا: إذن سأذهب للحديث معها, أيُعقل أن ترمي بفتاةٍ مراهقةٍ إلى الشارع دون سبب؟"
-"وسيم: لا يا أمي أرجوكِ, مازال الأمر جديداً, لنهدأ الآن, ثم نفكر ماذا سنفعل؟"
-"سلمى: صديقتي, صاحبة الحظِ السيئ"
-"رنا: لا عليك يا ابنتي, لن يتركها الله لأحد, ثم ها نحن نقف إلى جانبها, سيتحسن الوضع إن شاء الله"
-"وسيم: إن شاء الله "
تركتهن بعد ما هممن بتحضير الطعام, وصعدت إلى غُرفتي, في طريقي ألقيت نظرة على باتي, كانت تنام وهي تدفن رأسها تحت الوسادة, رفعتها عنها بهدوء كان وجهها يتصببُ عرقاً مُختلِطاً بدموع السنين, جففت وجهها بالمناديل, وغطيتها. كان نومها عميق لدرجة أن شخير التعب بدأ, شغَّلتُ التكييف وخرجت.
تمددت على سريري أُفكِر بحل, كيف سأشرح الموضع لأمي؟ وباتي, ماذا سأفعل بها؟ أنا مُتأكد من أنها لن تبقى في بيتنا كثيراً, لا أعلم ماذا سأفعل؟ لا أخفي عنكم أمر معرفتها لحقيقتها؛ أراحني من عناءِ حمل السر, لكن إبنتُ روحي لا تحتمل كل هذا العبء, تركت أفكاري جانباً, ورحتُ أغُط بالنوم, فعلى الأقل باتي في منزلي, داخل منطقتي, في شرايين قلبي.
أنت تقرأ
بتونيا زهرة المجرة 🌸
Romanceرواية بتونيا "زهرة المجرة" pdf تأليف نعمه الزعبي.. رواية اجتماعية رومنسية، ستأخُذكَ بعيداً عن عالمِك حتى و إن كنت لا تُحِبُ القراءة؛ فستُعجِبُك روايتي هذه، ستذهبُ معها برحلةٍ طويلة نوعاً ما، لكنك ستُحِبها ستعيش تفاصيلها، ستُضحكُك و تُبكيك، وربما تك...