الفصل الرابع

349 6 0
                                    

الفصل الرابع
لا تعلم أماني كيف وصلت إلى المشفى الذي تعمل فيه ... كان قلبها يرتجف كما جسدها ... لا تعلم كم مر عليها من الوقت و هي واقفة بباب مكتب مؤيد ... مدت يدها أخيراً لتدخل ... صوت من خلفها أجفلها
_ أماني !!! أنت هنا ... كنت على وشك الإتصال بك ...لما تغيبتي عن العمل ؟...
_ آسفه أيتها الرئيسة ... لقد حصلت معي ظروف طارئة
_ طارئة!!! أماني أنت ممرضة بقسم العمليات ... يتم ترتيب مواعيد العمليات بناءً على تواجدك جنباً الى جنب مع الطبيب ... بسبب غيابك بدون انذار مسبق المسكينة هديل بقيت في غرفة العمليات لثلاث نوبات متتالية ... لقد أوشكت على الإنهيار
_ أعتذر منك سيدتي و لكن ... لقد ...لقد تزوجت بالأمس
_ ماذا ...؟؟؟
_ تزوجت من ابني عمي دون أي ترتيب مسبق أنا آسفة
_ حسناً ... كنت أظن أنك و الدكتور مؤيد .. أنكما .. أممممم على كل حال مبارك ابنتي.. تقدمي بطلب اجازة رسمية ... حتى نرتب أمورنا ... بغيابك انت و سلام ستكون الأمور معقدة قليلاً ... مبارك مرة ثانية
همت أماني بالدخول ... تفاجأت بمؤيد يفتح الباب قبلها ليحرقها بنيران غضبه المشتعلة ... لقد سمع حديثها مع رئيسة الممرضات ... أمسك بها من معصمها و جرها الى الداخل ... أغلق الباب بعنف ... عاد ليواجهها من جديد .. هربت بنظراتها الى الأرض ... قبض على كتفيها بقوة و هو يقول :
_ ما الهراء الذي سمعته منك قبل قليل ..؟؟؟
ابتلعت ريقها بصعوبة بالغة ... حاولت الحديث ...لكن الخوف ألجم لسانها ... قال و صوته ينفث النار و هو يهز جسدها الصغير بين يديه :
_ أماني !!! أنا على وشك ارتكاب جريمة بحقك ... تكلمي هل ما قلته لنجلاء صحيح ؟؟ هل تزوجت من ابن عمك؟؟
قالت بصوت مرتجف :
_ ننن .. نعم .. لقد أجبرني أخي
_ أجبرك ؟؟؟ أماني .. سأفقد عقلي .... .. ما الذي حدث بين الأمس و اليوم ؟؟
أخبرته بتفاصيل ما حدث و قد غلبها البكاء ... كان ينظر اليها غير مصدق ... بينما كانت يديه تزيد من الضغط على كتفيها
_ أماني !! ... لقد أصبحت زوجة رجلٍ آخر .. لا أفهم ... لا يمكن ... أنا أحبك ... كان يجب أن تتصلي بي فور حدوث هذا ... كنت جئت و تزوجتك إن كان هذا الحل يرضي أخاك الأحمق ...
_ أرجوك مؤيد لا تزد الأمر صعوبة
ترك كتفيها و أخذ يذرع الغرفة دون هدف ...مرر يديه بشعره حتى كاد أن يقتلعه بيده ... بدأ بضرب راسه بقبضته كما لو كان يطرد صورا من راسه ... توقف أخيراً عن الحركة و هو ينظر الى اماني الباكية بصمت
_ لنذهب ....
_ الى أين؟؟؟
_ سنذهب لأخيك و ابن عمك يجب أن يطلقك و سوف أتزوجك عندها بالحال
_ أنت مجنون ... !!! سيقتلك أخي فور رؤيتك
_ و ما الحل ؟؟؟ أتريدين مني الإستسلام .. ؟؟؟ أن أسلم بالأمر الواقع ؟؟؟ أن أعتبر وجودك في حياتي كان حلماً جميلاً و انتهى !!!
_ أنا آسفة ... آسفة
أرادت أماني الخروج ...لكنه سد الطريق بجسده ... قال بصوتٍ غاضبٍ لم تسمعه منه قبلاً :
_ الى أين يا أماني .... الى أين .؟؟ تردين العودة لزوجك المحروس ؟؟ لن أسمح لك بذلك
_ أرجوك؟؟؟ مؤيد ... أتوسل إليك ... لقد انتهى الأمر .. انتهينا
_ انتهينا ؟؟؟ أماني ... أشعر بأن رأسي على وشك الأنفجار ....
_ مؤيد أرجوك ... أتوسل إليك دعني لحالي و عش حياتك بدوني
_ و لكن خطط المستقبل رسمتها معك ... أنت معي بكل خطوة ... لا يمكن أن أمحيك بسهولة
_ مؤيد ... أنا متزوجة... متزوجة...انتهى
أسرعت بالخروج تاركة مؤيد يضرب أخماساً بأسداس ... لقد اختفت من حياته كما لو كانت بخار ماء....يظهر قليلاً .... ليختفي ....
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ
_ أهلا سيد قصى ... معالي الوزير بانتظارك
_ شكرا لك ...
دخل قصي الى المكتب الفخم و هو يرتدي بدلته الرسمية ... كان شديد الأناقة و الوسامة ...
_ أسعد الله مساءك معالي الوزير
_ أهلا قصى ... شكرا على حضورك بهذه السرعة
_ دائماً في خدمتك سيدي
_ تعلم أن ما حدث في المطار خلق أزمة بين دولتنا و الدولة الفرنسية ... كل طرف يحمل الآخر مسؤولية ما حدث رغم أن العقيد زياد هو من حسم الموقف بعد رفضهم التعاون معنا ... لكن أريد منك الذهاب الى هناك تمهيداً للقائنا مع نظيرنا الفرنسي لتلطيف الأجواء
_ أمرك سيدي ... و ما أفعل بالنسبة لرحلتي المقررة سابقاً الى روما ؟؟...
_ أجلها ليومين أو ثلاثة أصبحت زيارة فرنسا على قائمة الأولويات
_ ستكون الأمور كما طلبت معاليك
_ أنت تقوم بعمل رائع يا قصي ... تسير على خطى والدك رحمه الله بكل ثقة ... أتوقع لك مستقبلاً مشرق في العمل الدبلوماسي
_ أقدر رأيك بي و أعتز به معاليك
_ أمرٌ آخر ...أريد منك الذهاب الى المشفى الذي تتواجد به زوجة العقيد و تبلغه بدعمنا له و تمنياتنا لزوجته بالشفاء و تقديرنا ... و أن رئيس الدولة قرر منحه وسام الشجاعة من الدرجة الأولى باحتفال مهيب على مستوى الدولة
_ سأفعل سيدي ...
_ شكرا لك يمكنك الذهاب
_ أمرك اتمنى لك يوماً سعيداً
خرج قصى من الرئاسة متوجهاً الى المشفى ... في الوقت الذي كان زياد واقفاً بوضع واحد على قدميه منذ 12 ساعه ... لازالت كلمات الطبيب تطرق اذنيه و قلبه:
" السيدة دلال فقدت الكثير من الدماء ... يبدو أنها قضت وقتاً طويلاً دون رعاية طبية بعد الحادثة ... مما سبب لها مضاعفات كثيرة الى جانب الكسور و الرضوض .... يؤسفني أن أبلغك أن السيدة خسرت جنينها و قد قمنا بعملية لاستئصال الرحم بسبب التمزقات التي حدثت و النزيف الذي لم نتمكن من ايقافه بشتى الطرق ... و لكن الخطر الذي نعاني منه الآن هو النزيف الدماغي الذي تعانيه ... فريق كامل من الأطباء يعملون على ايقافه ... ستكون عملية طويلة للغاية و لا نعلم ان كان النزف قد اثر على وظائف الدماغ لديها ... الساعات القليلة القادمة ستكون حاسمه ... "
استمع اليه صامتاً ..جامداً ... كما لو أن الأمر لا يعنيه ... كما لو كان ليس طرفاً بالموضوع ... أن الطبيب يتحدث عن أخرى ... ليست دلال من تصارع الموت ... ليس هو من خسر ابنه قبل أن يعرفه ....
وقف فقط أمام غرفة العمليات ... تجاهل كل من حضر لدعمه ... لم يستمع إليهم و هم يطلبون منه الجلوس و الراحة ... فقط وقف صامتاً ... جامداً ...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـ
_ ما الذي تعنينه بأنها أختفت ..؟؟
_ أخذت جميع ملابسها و تركت هاتفها في المنزل و اختفت
_ هل يعقل أن تكون ذهبت اليه ؟؟
_ سلام ... لا ...مستحيل أن تفعل هذا
_ لا استبعد ذلك ... يمكنها أن تفعل أكثر من هذا... إن علم معتصم سيقتلها يا جمانة ... يجب أن تعود الى المنزل سريعاً
_ و الحل ؟؟
_ سأذهب لحاتم
_ ماذا ؟؟
_ إن كانت هناك سأقوم بقتلها
_سلام توقفي
خرجت سلام متجاهله رجاء زوجة أخيها ...قادها غضبها الى شقة حاتم ... الشقة التي حضرتها بنفسها ... حضرتها كم تحب ... كما تمنت دائماً ...
أخذت تطرق على الباب بغضب ...فتح حاتم الباب بعد دقائق شعرتها كأنها ساعات و علامات النوم باديه على وجهه ... دخلت الشقة و هي تنادي على نورا
_ نورا ... نورا ...أين نورا يا حاتم ؟؟
_ نورا لم تحضر الى هنا
_ كاذب إنها مختفية منذ صباح اليوم ... أخذت كل ملابسها و تركت هاتفها بالمنزل ... أين هي ؟؟؟
_ المنزل أمامك ابحثي عنها كما تشائين
دخلت لغرفة المعيشة... كانت زجاجات الخمر منتشرة في المكان ... وضعت يدهاعلى فمها و استدارت لتواجهه
_ خمر ؟؟؟ أتشرب الخمر يا حاتم ؟؟؟
_ لا يوجد لدي ما يسكن ألمي غير هذا المشروب الأحمر اللذيذ
_ حاتم!!! كم من كذبة كنت سأكتشفها عنك ... لقد خدعتني ... أصبحت متأكدة أن نورا ليست الوحيدة التي خنتني معها
أرادت أن تعود أدراجها خارجاً ... وقف أمامها ... قتلتها رائحة الخمر التي تفوح من فمه ...
_ الى أين يا صغيرة ؟؟؟ تردين ترك بيت زوجك
_ لن أكون زوجتك أبداً يا حاتم ... لقد دمرت كل شئ ..
أحاط خصرها بيديه و هو يقول :
_ الخروج ليس كالدخول يا حلوة ... أنت زوجتي و سوف أخذ حقي منك ..
صفعته على وجهه ... و من ثم حاولت الهروب من بين يديه ... لكنه زاد إطباقه عليها و هو يتكلم بجنون :
_ ستدفعين ثمن هذه الصفعة غالياً يا سلام ...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــ
كانت تفكر بعظيم الورطة التي أوقعت نفسها فيها ... ما الذي ستفعله الآن ؟؟ ... لقد تخلى عنها .... اعتبرها مجرد نزوة ... بسببه تركت المنزل ... خسرت أختها الوحيدة و عائلتها ... لا يمكن أن ترجع اليهم ... حتى تتمكن سلام من الاستمرار بحياتها كان يجب أن تبتعد ...
أجفلها صوات الصراخ خارج غرفتها بالفندق الرخيص الذي نزلت فيه ... كل ما يحيط بها قذر ... الحشرات تملأ الأرض ... الى أين ستذهب ... هي لا تملك المال ... لم تعمل يوماً واحداً في حياتها رغم حملها لشهادتها بالجامعية ... يجب أن ترحل عن هذه البلد وتجد عملاً لتعيش منه ... عادت الصرخات و الشتائم القذرة تصم أذنها ... ضمت قدميها لصدرها ... أغلقت عينيها ... حاولت الهروب من العالم المحيط بها ... لكن الواقع كان أقوى ... تركت دموع الحسرة و الندم تكوي وجهها و هي تقول :
_ أنت السبب يا نورا... أنت جنيتي على نفسك ... لقد أخطأتي و هذا هو عقابك ... تستحقين ما حدث ... أنت قذرة ... قذرة ...قذرة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
دخلت أماني المنزل و قلبها لازال يرتجف من المواجهة التي وقعت بينها و بين مؤيد .... اصطدمت بنظرات أخيها الغاضبة ... أشاحت بعينيها بعيداً و توجهت الى غرفتها ... لكن صوته الهادر أوقفها دون أن تلتفت اليه
_ أين كنت يا أماني ؟؟
أطرقت برأسها أرضاً ...تسارعت انفاسها و اختلطت حواسها
_ ذهبت لذلك العابث ...؟؟ هل كنت معه ؟؟ الم يردعك زواجك عنه ؟؟
تجاهلت كلماته الجارحة ... شعرت بخطواته تقترب سريعاً ... أمسك بشعرها ليشده بقوة و هو يصرخ :
_ تكلمي ... لا تصمتي
كتمت صرخات الألم لكن لم تمنع دموعها من الإنحدار ... قالت بصوت متألم مرتجف :
_ لقد ذهبت إليه لأنهي ما بيننا شرحت له ما حدث
زاد من قوة شده و هو يقول :
_ لا حق له بتفسير أو تبرير ....إنه مجرد شخص وغد سلب العقل و المنطق من رأسك ...
_ أرجوك سامر ... توقف أنت تألمني ... اتركني
دفعها بعيداً عنه ... جلس و هو يغطي وجهه محاولاً السيطرة على أعصابه ...أخذ نفساً عميقاً و أخرجه بعصبية و قال :
_ جهزي نفسك سوف تسافرين معي و حمزة ..لا يمكن أن أتركك هنا وحيدة
_ و عملي ؟؟ أرجوك تعلم أني ...
_ توقفي عن الكلام ... هذا نهائي
_ أرجوك لا تفعل هذا بي... لقد زوجتني من حمزة رغم رفضي له ... لا تحرمني من عملي أرجوك ... لا تدمرني
_ أماني !!! لقد خسرتي ثقتي ... لا يمكن أن أشعر بالأمان و أنت بعيدة عن عيني
انخرطت أماني بنوبة بكاء و صراخ ..مما أثار غضبه أكثر
وقف يحاول السيطره على أعصابه ... لم يتصور يوماً أن يكون بهذا الموقف أمام أميرته و مدللته الصغيرة ....لقد سخر حياته من أجلها و من أجل مستقبلها... قبل العمل بوظيفة لا يعرف فيها معنى الإستقرار بسبب الترحال الدائم ... ليوفر لها حياة مترفة ... حاول أن يكون لها الأب و الأم ... هو على استعداد ليقدم روحه خالصةً لها ... و لكن لم ينتبه أنها كبرت و أصبحت تفكر بالرجال و الارتباط ... إنها صغيرته ...
ضرب إناء الزهور الذي كان أمامه .... حاول إفراغ شحنات الغضب التي تملئه... صرخت أماني خوفاً ... لام نفسه على افزاعها
عندها دخل حمزة المنزل ليجد أماني ترتجف من البكاء ... وجه سامر مكفهر ينقط سماً و الإناء المحطم على الأرض
_ ما الذي يحدث هنا ... ؟؟
_ لا شئ يا حمزة لا شئ فقط أماني ستسافر معنا لن أتركها هنا وحيدة
عند كلماته هذه زاد صوت بكاء أماني ارتفاعاً و هي تجاهد لالتقاط أنفاسها ... ابتلع حمزة ريقه و هو يقلب نظراته بينهما ...
_ سامر أرجوك ... تعلم أن أماني متعلقة بعملها لقد تعبت لتصل لموضعها في المشفى ...
_ حمزة !!!
_ أرجوك ..أتوسل اليك ... لقد جهزت منزلاً لها في عمارة بالحي راقي .. يوجد حرس و رجال أمن على مدار الساعة على بابها كما أني عينت لها خادمة لتبقى معها و تراعيها ... و اشتريت لها سيارة جديدة و عينت سائقاً ليرافقها بذهابها و إيابها ...ستكون بخير ... سنغيب عنها عام واحد و من بعدها سوف أستقر هنا و أبدأ بتأسيس الشركة التي تحدثنا عنها هنا ...
_ حمزة !! أنت ... أنت
_ إنها زوجتي الآن ... حمايتها من مسؤولياتي ... لا تقلق
_ و ذلك الوغد أخشى ...
_ أثق بأن أماني ستصون منزلي و اسمي و نفسها .. لا تنسى أنك من قمت بتنشئتها
كانت أماني تستمع الى كلماته ...توقفت عن البكاء ... بدأ الأمل يحتل مكاناً بنفسها ... هل يعقل أنه يقوم بالدفاع عنها بعدما قامت بصده و ابعاده عنها ؟؟؟
_ حسناً يا حمزة ... هي زوجتك ... يجب أن أذهب هناك بعض الأمور التي يجب أن أهتم بها ... هل تممت أمور الحجز
_ طبعاً ... غدا مساءً ستقلع الطائرة
خرج سامر دون أن يوجه كلمة الى أماني التي تنفست الصعداء بخروجه ...
اقترب حمزة منها و هو يقول :
_ هل أنت بخير ؟؟؟
هزت راسها بنعم قال و هو يجلس الى جانبها و هو يقول :
_ أماني يجب أن تتصالحي مع سامر قبل سفرنا
_ لا أريد الحديث معه أبداً
_ أنا واثق من أنك لا تقصدين ما قلته الآن
_ لقد دمر حياتي
شد حمزة على قبضته و بلل شفتيه محاولاً السيطرة على نفسه
_ أفهم أنك تعتبرين زواجي منك مصيبة و لكن لا تنسي أن سامر أخوك الأكبر الذي رباك و قدم حياته لك رخيصة ... لقد اقترب عمره من الأربعين و لم يرتبط بأي فتاة من أجلك ... لم ينشيء عائلة ليضمن لك مستقبلاً أفضل ... ابتعد عن اي شي يأخذه منك... لا يحق لك لومه على أي شيء ...انت أخطأت
التزمت أماني الصمت ... كيف لها ان تعترض على هذا الكلام ... كل كلمة قالها هي الحق بذاته .... سامر هو فارسها و منقذها ... لقد فقدت ثقته ... إن هذا الامر أكثر ما يقتلها
_هل ذهبت اليه؟؟
اجفلها سؤاله ... اخذت تفرك كفيها بتوتر يفضحها
_ ذهبت اليه لاوضح له الامور
_ و هل فعلت ذلك؟؟؟
هزت راسها بنعم
ضرب بقبضته الطاولة التي كان يجلس امامها ..... شعرت بخلايا جسدها ترتجف
و قف ليبتعد عنها غاضبا و هو يذرع الغرفة ذهاباً و اياباً ... قال بصوت مختنق
_ أماني .... احاول كل جهدي ان تكون الأمور حسب هواك و رضاك ... منعت نفسي عنك رغم شوقي و حنيني لقربك .... أقف بجانبك بمواجهة سامر .... لكن أن تذهبي لذلك الوغد ...
قطع كلماته و هو يضرب الباب بقبضته .... عاد لينظر اليها بغضب
_ اياكِ يا أماني أياكِ و غضبي ... لم تري مني هذا الوجه بعد و لا تريدين رؤيته
عادت اماني تذرف الدموع و هي تشد على كفها حتى اخترق اضفرها اللحم و هي تحاول كتم عويلها و شعورها بالضعف و المهانه .
لمح حمزة خيط الدم الذي سال من يدها ... اسرع اليها يمسك كفها و هو يجفف دمها قائلاً
_ توقفي ...مازلتِ تميلين الى ايذاء نفسك عند شعورك بالحزن و الضعف
نظرت اماني له و عيونها تنطق بالدهشة .. و هو يقول بصوت غلب عليه الحزن :
_ يمكن ان اخمن سبب الخدوش على رقبتك
توقفت أماني عن التنفس للحظات .... كيف يمكن له أن يفهم كل تحركاتها و تصرفتها .... هو يحفظها أكثر من نفسه .... و هذا الأمر يزيد من غضبها
سحبت كفها من بين يديه و وقفت مبتعده عنه و هي تقول :
_ توقف عن التصرف بلطف معي ... انت تؤذيني أكثر
_ إيذاء ؟؟
_ لا تتوقع من تصرفاتك اللطيف أن أنسى حقيقة اجباري على الزواج منك .
وقف حمزة و هو يبتسم بحزن واضح
_ أماني ... جهزي أغراضك سنرحل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــ
اقترب قصى من زياد جامد الملامح و هو يفكر
_ إذا هذا هو البطل الذي يتحدث عنه الجميع .. الشخص الذي ألقى القبض على " ادوارد نكيلاس" الدموي ... هو من يعلق العالم آماله عليه لايقاف منظمة x و الشبح عند حدودهما ... لقد التقينا
_ عفواً .... العقيد زياد صادق ؟؟؟
نظر اليه بعينين باردتين لا تحملان ذرة من المشاعر :
_ نعم
_ أنا قصى جمال جئت من طرف الرئاسة
_ أهلا بك سيدي ... هل أستطيع مساعدتك بشئ ؟؟
_ لا أيها العقيد ... جئت فقط لأنقل لك تمنياتنا بالشفاء العاجل لزوجتك و تقديرنا و امتناننا على خدماتك العظيمة لبلدنا ... كما أن رئيس الدولة قرر منحك وسام الشجاعة من الدرجة الأولى امتناناً و عرفاناً على عظيم صنيعك
_ لقد قمت بواجبي اتجاه بلدنا العظيم
_ بالطبع ... لا أريد أن أزعجك أكثر ...أكرر أمنياتي بالشفاء العاجل لزوجتك عن إذنك .
غادر قصي المكان و بعد ثواني قليلة خرج الطبيب أخيراً من غرفة العمليات ... اقترب من زياد)
_ لقد تجاوت مرحلة الخطر ... إنها الآن في غرفة العناية المشددة ... الساعات القادمة سوف تكشف لنا إن وقع ضرر بوظائف الدماغ عند استياقظها ... أقترح عليك و من معك العودة الى المنزل و العودة غداً ... لا يمكن أن تفعل شئ لها من الممنوع لك ان تراها الان ...
لا يعلم زياد كيف وصل إلى مكتبه في المبنى الضخم تحت أنظار الموظفين ... الذين حاولوا الحديث اليه ... لكنه صم أذنيه عن أي صوت ... عدا صوت واحد ... صوت الإنتقام من الشبح ... يجب أن يقضي عليه ...
بدأ البحث بين الملفات ... افترس كل كلمة تتعلق بالشبح ... و مع كل ملف يغلقه ترتفع وتيرة غضبه ... لا شئ ... لا شئ .. لايملك معلومة واحدة تساعده على الوصول إليه ... دائماً يسبقه بخطوة ... عندما وصل الى الملف الأخير ... ضرب المكتب بقبضته غضباً ... لا يمكن أن يمر ما حدث بسلام ... سوف يقتله و يحطمه كما فعل معه ...
دخل حيدر المكتب سريعاً و هو يقول :
_ ما الذي تفعله يا زياد ؟؟
_ يجب أن أمسك بذلك الوغد يا حيدر
_ زياد!!! زوجتك تصارع الموت و أنت هنا تفكر بالشبح
عاد زياد يطالع الملفات التي أمامه ... كما لو أنه لم يسمع ما قاله حيدر و هو يقول
_ لا بد أن هناك شئ غفلنا عنه بهذه الملفات
_ زياد!!! أترك الملفات الآن و اذهب لزوجتك
_ لا يمكن أن يتمكن شخص واحد من الإختفاء إنه ليس بشبح إنه إنسان من لحم و دم
_ زياد !!!
_ ما هو الشئ الذي لا نراه ... أين هو طرف الخيط الذي يهرب من يدي باستمرار
تفاجأ بقبضة حيدر تهوي على فكه ليسقط أرضاً ... وضع يده على فكه المتألم .. نظر الى حيدر و الصدمة تملئه ... طرف بعينه كما لو كان يعود الى ارض الواقع بعد استيقاظه من كابوس
_ شكرا لك كنت بحاجة لهذا
قال حيدر و هو يمد يده له مساعداً اياه على الوقوف :
_ لهذا وجد الاصدقاء
تفاجأ بلكمة سددها زياد الى معدته
_ شكرا يا صديقي
قال حيدر و هو يمسك ببطنه متألماً
_ لا شكر على واجب .. أذهب الى زوجتك الآن انها تحتاجك
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لازالت كلمات سلمى تعصف براسها
" إن من يبلغك بالمعلومات و يزودك بالصور يمكنه أن ينقل المعلومات للطرف الثاني مقابل المال ... يقبض منهم كما يقبض منك ... الأمر لهم مجرد تجارة ... عليك أن تحذري"
و ما الحل يا ريتاج ... لا يمكن أن تحصلي على معلوماتك و الوثائق المطلوبة ... الا عن طريق هؤلاء الجشعيين ... لا يمكن أن أتوقف ...لا أستطيع
_ بما تفكرين حبيبتي ؟؟
_ لا تهتم ... تعال اجلس بقربي
_ ما الأمر يا ريتاج ؟؟
_ أريد أن .. أن
_ سفرك ...
_ أجل ... لقد عاود الطيران حركته الطبيعية
_ سأذهب معك
_ ماذا ؟؟
_ لا يمكن أن أتركك مع هذه الوثائق وحيدة
_ و ماذا بعد ؟؟ هل سترافقني بكل رحلاتي ؟؟ تترك عملك لتلحق بي
_ ريتاج ...لا يمكن أن أحتمل فكرة خسارتك ... سوف أذهب معك
_ فراس ... قال تعالى " " وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ " ... إن قدر الله أن عمري قد انتهى و أن وقت رحيل قد حان ,,, كنت موجوداً أم لم تكن ...سوف يقع قضاءه... قد أموت على الفراش بجانبك ..
احتضنها بقوة و هو يقول :
_ أعلم حبيبتي ... أعلم ...لكني أشعر بالخوف عليك
_ ادعُ الله أن يحفظني لك ... في كل صلاة ... اتفقنا ؟؟
_ اتفقنا حبيبتي . متى سترحلين ..؟؟
_ غداً إن كنت موافقاً
_ في أمان الله حبيبتي ... في أمان الله و رعايته و لكن سأذهب معك
_ فراس !!
_ فقط هذه المره أعتبريه شهر عسل ثاني لنا نقضيه بفرنسا .. أنا و أنت فقط
أبتسامة ريتاج كانت كفيله بالموافقة على عرضه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ
صفعه مؤلمة تلقتها ياسمين ... والدها لم يضربها طوال حياته ... و لكنه كما حازم صدق قصة الصورة ... لم يستمع لرجائها و توسلاتها ... غادر المنزل لتنهار باكية بحضن أختها سعاد و هي تردد :
_ الصورة مزورة .... إنها مزورة ... لا يمكن أن أفعل أمراً فضيعاً كهذا
_ أعلم حبيبتي ...أعطي لأبي بعض الوقت ليهدأ و سوف يفهم ... لقد جن من اتصال حازم ... لا يمكنك تصور الكلام الذي قاله له ...
_ لم أفعل شيئاً ... لم أفعل ...
_ من يمكن أن يفعل شيئاً كهذا ؟؟ لماذا ؟؟
توقفت ياسمين عن البكاء ... مسحت الدموع التي غطت وجهها بكفها... اسم واحد يتردد في عقلها ... قصى ... لابد أنه وراء ما حدث ... رجل السياسة المحنك و صاحب أكبر المشاريع في البلاد و خارجها ...لم يحتمل فكرة أن ترفض ترك خطيبها و عدوه اللدود من أجله... ... لقد قال لها أنه سوف ينتقم ... و منذ أن تزوجت و هو يراسلها و يتصل بها محاولاً إقناعها بترك زوجها ...أفعاله زرعت الشك بقلب حازم ... هو السبب ... و لكن كيف لها أن تواجه شخصاً بجبروته و شره ...
بسببه خسرت زوجها و ابنها ...
نهضت ياسمين ... يجب أن تواجهه ... لا يمكن أن يمر الأمر بسلام ...
_ الى أين ياسمين ...لقد منعك أبي من الخروج
تجاهلت ياسمين صوت اختها .... نزلت الى سيارتها ... طلبت رقمه ...جائها صوته ساخرا:
_ ياسمين ؟؟ لا أصدق أنك تتصلين بي
_ أريد رؤيتك
_ أعلم ..أنا بانتظارك ياسمينتي ... أنا في المكتب
أغلق الخط و ابتسامة النصر تزين شفتيه
_ لا أحد يرفض قصي ياسمينتي الجميلة  وبالاخص لاجل ذلك الوغد حازم

رواية الشبح لكاتبة زهرة نيسان حيث تعيش القصص. اكتشف الآن