الفصل السابع والعشرون

250 5 0
                                    

الفصل السابع و العشرون
شعر بقلبه يتوقف عن الخفقان عند وصل حروفها المتعثرة لوعيه ... سألها و هو يقول بقلق واضح :
_ قتلته !!...ما الأمر ياسمين ؟؟ ما الذي حدث معكِ
بأنفاس متقطعة و كلمات متناثرة قالت لاهثة :
_ قتلتهُ ...قتلتهُ ... أقسم بأنني أردت إخافتهُ فقط ليبتعد عني .. و لكنه ...
قاطعها زياد بحزم و هو يقول :
_ من الذي قتلتهِ ياسمين ؟؟
_ ناجي القاسم ...قتلته ..أطلقت النار عليهِ
_ياسمين أرجوكِ ان تهدأي قليلاً ... يجب ان أفهم كل شيء حتى اتمكن من التصرف
بصوت مرتجف و بتركيز أكثر قالت :
_ ناجي ..طلب مني الحضور إلى البنك بسبب خلل في برنامج الحماية ... قال أن كلمة السر الجديدة التي أدخلها لم تفعل بالشكل المطلوب ... توجهت إلى البنك حتى اعالج المشكلة ...و رغم أن اليوم هو السبت و البنوك مغلقة و الموظفين بإجازة ... فقد أدخلني رجل الأمن إلى البنك .. إلى مكتب ناجي .... لكن فور دخولي لمكتبه قام بإغلاق الباب .... و بدأ ... بــببـ
عادت تبكي بشدة و قد أسودت الدنيا في وجهه زياد و صور مرعبة ترتسم امامه ... أكملت ياسمين وهي تشهق باكية :
_ بدأ بمغازلتي بطريقة مقرفة ... حاول للل.... لمسي و تـقــ ....تقبيلي ...تمكنت من دفعه بعيداً ... و لكنه أخفى المفتاح في جيبه ... حاول التعدي علي مرة ثانية .. أخرجت المسدس من حقيبتي ... و هددته إن عاود الإقتراب مني فسوف أقتله ... لكنه سخر مني و هو يقترب .... عندما حاول سحب المسدس من يدي ضغطت الزناد و .. و قتتت ..قتلته
تنفس زياد الصعداء و قد اطمئن أن الوغد لم يمسها بسوء .... قال لها بهدوء و ثقة:
_ اسمعيني جيداً ... إبقي مكانك لا تتحركي ... سأكون معك بعد قليل
قال وهو و يبعد الهاتف عن فمه :
_ مهاب اتصل بحمزة و سامر أريدهما هنا بلمح البصر... أمجد ..اتصل بحازم .... أطلب منه أن يلاقينا في الشارع الفرعي بجانب البنك و اطلب منه ارتداء اللون الأسود
عاد يخاطب ياسمين و هو يتجه إلى الباب مشيراً لمهاب و أمجد حتى يلحقوا به سريعاً
_ثقي بي ياسمين سوف تحل الأمور ... و ذلك الحقير يستحق القتل
أجابته باكية و هي تشهق ببكاء صامت :
_ أثق بك زياد .. أرجوك أسرع أنا خائفة .. خائفة للغاية
_ لا تخافي حبيبتي .. اجلسي في مكان يحجب عنكِ رؤية جسده القذر
_ حسناً
قال زياد و هو يركب سيارته :
_ سوف أغلق الخط الآن تماسكي أرجوكِ
توجهت للمكتب جلست أسفله مختبئة من جسد ناجي و هي تهمس بخفوت :
_ أرجوك زياد ...أسرع ... أسرع
ضمت ساقيها لصدرها و هي تهز نفسها للأمام و الخلف و ذكرى الأسبوع الماضي تعود لترصف الصور أمامها
أربع أيام مرت على الحرب الإلكترونية الطاحنة تناوبت و حمزة على صدّ الهجمات المكثفة و تغطية أي ثغرات يحاول القراصنة التسلل من خلالها ... حازم و سامر قدما مساعدة كبيرة و دعم كبير لعمل ياسمين و حمزة ...
و فجأة توقف كل شيء .... حدق الأربعة بالشاشات أمامهم .. قال حمزة وهو يدقق بالأرقام المتدفقة أمامه :
_ ما الذي حدث !!! هل توقف جميع القراصنة عن العمل في وقت واحد
قالت ياسمين و هي تبحث بين الأرقام :
_ هذا ما يبدو ... لكن لماذا ؟؟ هل استسلموا !!!
قطبت ياسمين جبينها مفكرة و هي تقول :
_ حمزة أدخل إلى كاميرات المراقبة الآن أمام باب الخزنة ....
ظهرت الصورة أمامها وناجي يقف مع شخص آخر أمام الخزنة ... يبدو جسداً انثوياً ... لا يظهر من وجهه شيء وهي تلبس قبعة تخفي كل شعرها و نظارات ضخمة ... ترفع ياقة قميصها ... و من خلفها يقف رجلان ضخمان يلبسان بزة سوداء و نظارات تخفي نصف وجهيهما
دخل ناجي الخزنة و حيداً فتح أحد الأدراج التي تحتوي على لوحة الكترونية ...
انتقل حمزة للكاميرات المثبتة داخل الخزنة ... سأل زياد الذي يراقب ما يحدث منذ البداية :
_ ما الذي يفعله ؟؟
قالت ياسمين و هي تمسك هاتفها :
_ سوف يوقف نظام الحماية من خلال هذه اللوحة ..
_ لماذا ؟؟
قال حمزة و هو يحدق بالشاشة أمامه :
_ يريد أن يسمح للواقفة في الخارج بالدخول ..لا تنسى أن الأرضية مبرجمة لتحمل وزنه هو فقط.... إن كان شخص آخر سيدخل دون أن تنفجر الخزنة فيجب إيقاف النظام جزئياً و هذه هي وظيفة اللوحة الإلكترونية المثبتة داخل الدرج
أرسلت الساعة التي ترتديها ياسمين نبضاً كهربائياً ينبه بحدوث إيقاف للبرنامج .. اتصلت بناجي سريعاً كما تقتضي الإجراءات الأمنية المتفق عليها
_ مرحباً سيد ناجي ..أنت قمت بإيقاف نظام الحماية .. حسناً كما تشاء .... إلى اللقاء ....
قال حمزة و هو يضرب لوحة المفاتيح ..لقد أوقف ناجي الكاميرات الداخلية و لكن لازلت أتحكم بقدرتنا على التجسس
عاد الجميع يدقق بالشاشة و قد دخلت الغريبة إلى الخزنة ..أخرج ناجي من جيبة رمز أسود على شكل حرف أكس بحجم الكف ....أخرج أحد الأدراج بشكل كامل وضعه أرضاً .. أخذ الرمز و أقحمه بالفجوة ... تحرك الحائط بالكامل بشكل جانبي ... دخل ناجي و الغريبة من خلال الفجوة و بقي الضخمان في الخارج .. عاد الحائط لمكانه طبيعياً
خيم الصمت على الجميع ..محدقين بالشاشات أمامهم ..قال أمجد قاطعاً الصمت :
_ أشعر بأنني دخلت أحد روايات دان براون ...رمز أكس .. و غرفة مخفية خلف خزن حديدية ...
بقي الصمت مخيماً و العيون تترقب و هي مثبتة على الشاشة ... دلك حازم رأسه بقوة و قد تمكن منه الصداع ... نهض و ابتعد قليلاً و هو يخرج علبة المهدائات يبتلع منها بضع حبات .... دخل المطبخ يشرب الماء و هو يتكيء على الطاولة في المنتصف ...
_ ما قصة هذه الحبوب التي تبتلعها طوال الوقت؟؟
شتم نفسه في سرهِ ... نظر لياسمين التي تحدق به قلقة ..قال و هو يرسم إبتسامة مزيفة على شفتيه و هو يقول :
_ إنها مجرد مسكنات لوجع الرأس ..لا تقلقي
أراد أن يتجاوزها لكنها وقفت بطريقه و هي تعقد ساعديها :
_ لا تكذب يا حازم .. أعرف ماهية هذه الحبوب جيداً ... لقد عشت عليها لفترة بعد الــ ...الحادثة ... و أنت تتناولها بكثرة... يدك ترتعش طول الوقت .... و تبدو تائهاً و لست بوعيك و صفاء ذهنك الذي أعرفهُ جيداً
ضحك و هو يدس يده بجيبه قائلاً :
_ لم أعلم أنكِ تراقبين تحركاتي بدقة
هزت رأسها بغضب و هي تقول :
_ قد لا يكون من في الخارج قد انتبهوا بعد و لكن إدمانك لن يبقى سراً لفترة طويلة
قال مستنكراً :
_ إدمان ؟!!
_ حازم .. أرجوا أن تعالج الأمر ..
مرر حازم يده بشعره غاضباً و هو يقول :
_ و لما تهتمين ياسمين ؟؟ لا شيء يجمعنا ..لقد تخليت عني
قالت و قد اجتمعت الدموع بعينيها :
_ أنت والد طفلي ... و إن لم تعالج نفسك سريعاً فلن أسمح لك بالإقتراب منه
اشتعل الغضب بعينيه و هو يقترب منها سريعاً :
_ ياسمين .... لا تمتحني صبري بالكاد أتمالك نفسي و أنتِ أمامي زوجة رجل آخر يستبيح قربك و لمسك... لا تضغطي علي أكثر
قالت و هي تتراجع بضع خطوات للخالف و هي ترمقه بنظرت عطف و شفقة .. و قد تسللت الدموع لخدها :
_ حازم أرجوك ...أتوسل إليك لا تؤذي نفسك أكثر .. من أجل يزن ..
أرادت الخروج و هي تمسح دموعها لكنها اصطدمت بجوز عيون تشتعل غضباً .. تجاوزته سريعاً و هي تعود لمكانها أمام الحاسب دون أن تنظر إليه .... كان حازم لا يزال واقفاً محدقاً بالفراغ ... أراد أن يتقدم منه ليفهم ما حدث بينه و بين ياسمين .. وما سبب بكائها .... لكن صوت حمزة و هو ينبهه لخروج ناجي و الغريبة من الغرفة السرية جعلته يعود سريعاً محدقاً بالشاشة يحاول استشفاف دليلٍ ما ...أو خيط يساعده ..
كانت تلك الغريبة تحمل ظرفاً مغلق و هي تنسحب دون أن تلتفت لناجي الذي أعاد الدرج الموضوع على الأرض مكانه ..غادرت و غادر ناجي و هو يعيد تفعيل نظام الحماية و يغلق الخزنة ....
قالت ياسمين و هي تضرب المفاتيح من جديد :
_ قد يعود القراصنة الآن لمحاولتهم
عاد الجميع لعملهم و قف زياد مع مهاب و أمجد ....قال مهاب :
_ و الآن ماذا ؟؟ إن تمكنا من اقتحام الخزنة ...كيف سندخل إلى الغرفة السرية ؟؟كيف سنحصل على الرمز الذي يفتحها ؟؟
قال زياد و هو ينظر لحازم الجالس إلى جانب ياسمين يعمل معها بصورة طبيعية :
_ لنتأكد من أن ناجي قد اطمئن للبرنامج و من بعدها سوف ندرس خطوتنا التالية
تقدم ناحية ياسمين و هو يهمس لها :
_ أريد أن أتحدث معكِ
خفق قلبها بشدة وقد علمت أنه لن يترك موضوع حازم يمر بهدوء ..لحقت بهِ إلى غرفة النوم تحت أنظار حازم المحترق من الداخل و قلبه يخفق بقوة تكاد تقتله ....
دخلت ياسمين خلفه و هي تغلق الباب .... هدر قلبها عنيفاً و زياد يطوقها بين ذراعيه مستنداً على الحائط و هو يحرقها بعيونه ...قال بصوت أجش :
_ ما الذي يحدث معك و حازم ؟؟ لما كنت تبكين في المطبخ و لما لحقت به بداية الأمر ؟
نظرت لصدره المضطرب بأنفاسه و هي تقول متلعثمة :
_ أرجوك زياد أنت تخيفني للغاية
ضرب الحائط بجانبها و هو يقول بعصبية واضحة :
_ ياسمين ... تكلمي الآن قبل أن أفقد أعصابي
نظرت إليهِ بحزن و هي تقول :
_ هل تشك بإخلاصي لك ؟؟
صدم من ردها ..أطبق على كتفيها :
_ لا أيتها الحمقاء ...خفت أن يكون قد تسبب بإيذائك ... و قد شعرت بـبـ ...
ابتسمت من وسط دموعها و هي تقول :
_ بالغيرة؟؟ تغار علي زياد !!
ضربها بخفه على رأسها و هو يقول :
_ ثقي بنفسك قليلاً و بحبِ لكِ و توقفي عن التشكيك بنفسك
ضحكت بنعومة و هي تقول :
_ حازم لم يقم بإيذائي هو أمر يتعلق به هو ... لا يمكن أن أبوح بهِ دون إذنه .. لا تنسى أنه سيبقى أب ابني ... سيبقى جزءاً من حياتي
ظهر الضيق على وجهه و هي يعتق كتفيها .... أسرعت تطوق رقبته تضمه قائلة :
_ أنا أحبك زياد ... أنت حياتي كلها
ضمها لصدره بقوة و هو يقول لها هامساً :
_ متى سنعود لشهر عسلنا ..لقد تم إنهائه بسرعة
طبعت على شفتيهِ قبلة سريعة و هي تقول :
_ يجب أن نعود إلى العمل زياد ....
أسند جبيبنه على جبينها و هو يقول :
_ أنتِ قاسية ياسمينتي
بعد 24 ساعة و قد هدأت الأمور ..اتفق الجميع على العودة إلى حياتهم الطبيعية .. و خاصة ياسمين و حازم خوفاً من أن يكون ناجي قد وضع مراقبة ما عليهما ... بقي حمزة في المنزل الآمن يراقب الأوضاع من خلال اقتحامه الكاميرات و للسيطرة على أي محاولة اختراق جديدة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ
في الوقت الحالي ...
لحقت سعاد بأماني إلى المطبخ تساعدها بإعداد الطعام و هي تسترق النظر لسامر الغاضب و الصامت منذ أسبوع دون أن يعطيها سبباً .... و ليليان الجالسة قريباً منه لا تتوقف عن البكاء المكتوم .. قالت بحيرة :
_ ما خطب سامر و ليليان ؟؟
هزت أماني رأسها بأسى و هي تحرك ما في القدر بهدوء :
_ منذ قررت ليليان الرحيل و بعد ذلك الشجار انقلب حالهما ... لا اعلم ما الذي قالته لسامر لتجعله متشنجاً فاقد الصبر ... و تلك المجنونة لازالت تصر على السفر بعد عدة أيام و فوق كل هذا ... لا علم لحمزة بكل هذا بسبب سفره الغبي و المفاجيء
أمسكت سعاد الملعقة من يد اماني ... تكمل عنها الطهو :
_ عليكِ أن تهدأي عزيزتي .. .لو لم يكن الأمر مهماً للغاية لما غادر هكذا
قالت أماني و هي تضع يدهاعلى صدرها متألمة :
_ لم يمضى على خروجه من المشفى سوا بضع أيام عليهِ أن يرتاح ... أخشى عليه من انتكاسة تؤذيه
_ لا حبيبتي لا تقلقي سيكون بخير .. اهتمي بنفسك و بالملاك الصغير كم أشتاق لمقابلته و اللعب معه
ضحكت أماني و هي تلمس بطنها :
_ و أنا أكاد أموت شوقاً لرؤيته .... أتمنى أن نفرح بخبر حملك قريباً
ظلل الحزن نظرت سعاد و هي تقول :
_ لا أعلم إن كان ذلك سيحدث لم أعد صغيرة ..... أخشى أن الوقت قد فات
شهقت أماني و هي تشد سعاد من ذراعها :
_ من يسمعك يظنك قد بلغت الستين .. مازلت صغيرة و المجال أمامك مفتوح .... فقط ثقِ بالله
في الخارج وقف سامر غير قادر على تحمل وجوده مع ليليان وحيداً ... يرغب بصفعها حتى تستفيق من أوهامها ... جلس على أرجوحة الشرفة يتنفس بعض الهواء النقي مغلقاً عينيه يحاول الحصول على بعض الهدوء...
_ سامر ....
شعر بصوتها كصاعقة كهربائية اشعلت الغضب بصدره ... فتح عينيه ينظر إليها و هي واقفة على باب الشرفة تفرك كفيها بتوتر :
_ سامر أرجوك أن تسمعني و توقف عن تجاهلي
بسخرية لاذعة أجابها :
_ ما الأمر هل بقي لديك أمور مجنونة و حمقاء تريدين مشاركتي بها
تقدمت منه و قد تسارعت دموعها بالتساقط :
_ توقف عن السخرية مني و من مشاعري ...
أشاح سامر بنظره عنها و هو يقول :
_ أنتِ لا تفهمين شيئاً ... متخبطة بمشاعرك و قراراتك ... عمري ضعف عمرك أيتها الحمقاء ....
جلست إلى جانبه و هي تقول متوسلة :
_ و منذ متى كان العمر عائقاً يقف بين الرجل و المرأة إذا تحابا؟؟
وضع يده على جبينه و هو يهز رأسه :
_ حب ؟؟ ليليان .. انا رجل متزوج .. مغرم بزوجتي منذ سنوات طويلة ... و لا يمكن أن أفكر بالزواج من ثانية ... لقد اعتزلت النساء و قت رحيل سعاد عن حياتي ... و لن أدخل أخرى على قلبي و قد اجتمعت معها بالنهاية
أسندت ليليان و جهها بين كفيها و هي تشهق بالبكاء :
_ لهذا يجب أن أعود لحياتي القديمة .. لا أريد أن أتعلق بك أكثر ..الأمر يؤلمني للغاية
وقف سامر فجاة و هو يسحب ليليان من ذراعها يهزها و هو يصرخ :
_ أفيقي أيتها الغبية ... أخرجي هذه الأوهام من رأسك الصغير هذا ... أنت تبحثين عن روح حذيفة داخلي ... كلمة الحب بالمعنى الذي تعيدينه على مسامعي بعيدة عن الحقيقة التي تتصورينها .... أنا ربيت أخاك الأكبر كابن لي و أنتِ لا تختلفين عنه... و أنت ِ لن تغادري هذه البلاد شأتِ أم أبيتِ ... هل تفهمين ؟؟
دفعها على الأرجوحة و هو يخرج منادياً سعاد .... تفاجأ بوقوفها أمام باب الشرفة و الدموع قد أغرقت عينيها....اقترب منها يهمس باسمها ...قالت و هي تبتعد عنه :
_ الطعام جاهز
أسرعت إلى المطبخ و هي تمسح دموعها و سامر يضرب كفاً بكف :
_ هذا ما كان ينقصني الآن !!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـ
شاحنة صغيرة مغلقة نوع ( نيسان ) تقف في زقاق خلفي على بعد شارع واحد عن بنك الإستثمار ... تقدم حازم منها و هو يتأكد من رقم تسجيلها .... طرق الباب الخلفي بطريقة متفق عليها ... فتح الباب تقدم سريعاً مغلقاً الباب خلفه ... للحظة تسمر مكانه و هو يراقب زياد و مهاب يلبسون الأسود يضعون سمعات دقيقة في أذانهم ... و أسلحتهم مثبته خلف ظهورهم ..
تقدم مهاب منه و هو يثبت له السماعة في إذنه قائلاً :
_ هذا لتتمكن من التواصل معانا في حال افترقنا ... ستسمع كل شئ يدور بيننا و لكن إن أردت التحدث إضغط على السماعه بإصبعك
تقدم زياد منه و هو يناوله مسدساً من طراز Fn-571 و هو يقول :
_أذكر أنك تجيد استعمال الأسلحة
تناوله منه و هو يضعه خلف ظهره قائلاً :
_ ما الذي يحدث ....؟
قال مهاب و هو يعطيهِ قناعاً أسوداً :
_ سنقتحم خزنة البنك ... الآن ....
عقد حاجبيه و هو يقول مستنكراً :
_ الآن ...في وسط النهار!! ... و ناجي متواجد في مكتبه مع ياسمين تعمل على حلّ مشكلة في النظام !!!
نظر إليه زياد و هو يقول :
_ لقد قتلته
_ من قتل من ..؟؟
قال مهاب و هو يلبس قناعهالذي يظهر عينيه و فمه فقط :
_ ياسمين قتلت ناجي القاسم و هي في الداخل معه
تسارعت أنفاس حازم و هو يقول :
_ هذه مصيبة .. كارثة
قال زياد بثقة :
_ لا تقلق سنحل كل شيء
في هذه اللحظة تعالت صوت الطرقات المتفق عليها ... دخل أمجد مرتدياً قناعه ... قال سريعاً :
_ لقد قمت بتخدير رجال الأمن المناوبين على الكاميرات من خلال فتحات التهوية و قمت بتقيدهم خوفاً من استيقاظ أحدهم.. لكن بقي رجال الأمن الذين يتنقلون بممرات البنك و أمام الخزنة
قال زياد بإقتضاب و هو يضع يده على السماعة و هو يقول :
_ جيد أمجد ... المجند 5 هل تسمعني ؟؟
_ أسمعك جيداً مجند 1
_ سوف ندخل من الباب الخلفي ...سنحاول اقتحامه ... هل حددت مكان كاميرات المراقبة ؟؟
_ لقد فعلت ... هل تريد مني إيقافها ؟
_ لا ... دعها تعمل بصورة طبيعية ... أريد أن نظهر بكامل أناقتنا ...
همس حازم لأمجد و هو يقول متسائلاً :
_ مجند ؟؟ لما ؟؟ لماذا ؟؟
أجابه و هو يتفقد سلاحه :
_ لا يجب أن نستعمل أسمائنا الحقيقي أثناء المهمة قد تكون شبكة الإتصالات مخترقة .... زياد المجند واحد .. مهاب ... 2 ... أنا 3 ... أنت 4 .. حمزة 5 .... سامر 6 .. ألتزم بهذه الأسماء عند تكلمك من خلال السماعة
التفت زياد للرجال المنتظرين أوامره :
_ لننطلق ..... حازم ابقى بيني و بين مهاب .... أمجد ستحرسنا من الخلف ... على بركة الله
خرج الرجال من الشاحنة المغلقة بالترتيب الذي قرره زياد.. يحملون حقائب ظهر ... متوجهين مباشرة للباب الخلفي ... أخرج زياد من حقيبتهِ جهازاً بشاشة الكترونية ... قام بإيصاله مع لوحة المفاتيح المثبتة بجانب الباب الخلفي... وضع يده على السماعة و هو يقول لحمزة :
_ لقد قمت بإيصال الجهاز أيها المجند 5
_ دقيقة واحدة ...
حل الصمت على الجميع ...أصوات القلوب مسموعة و الأنفاس الحذرة تتناسق بدخولها و خروجها على إيقاع واحد ..كما لو أنهم أصبحوا رجلاً واحد
_المجند 1 .. لقد حصلت عليها ..... 4997429824
قام زياد بإدخال الأرقام و من ثم خلع قفازه بعناية ...طبع بصمة إصبعه المغطى بقفاز شفاف ملتصق بكفه متوحداً معه .... فتح الباب بسهولة ... قال حازم هامساً لأمجد "
_ بصمة من هذه ؟؟
أجابه بهدوء :
_ رجل الأمن الذي تم تعينه من قبل شركتك لمراقبة الخزنة
سار الأربعة بشكل متتابع و حذر جاء صوت حمزة محذراً :
_ تراجعوا رجل أمن يتقدم ناحيتكم .... تراجعوا الآن
تراجع الأربعة بحركة سريعة مختبئين بأحد الممرات .. بقوا في أماكنهم كما التماثيل يحبسون النفس ...تحركوا مع وصل إشارة من حمزة بأن الوضع أصبح آمناً
قال زياد و هو يضع يده على السماعة في إذنه :
_ المجند ستة ... قم بدورك الآن
أسرع سامر يتصل بياسمين المتكومة خلف مكتب ناجي و قد أصبح تنفسها بطيء للغاية .... و قلبها ينبض بخفوت تكاد تفقد الوعي ... أيقظها صوت الهاتف من ذهولها ... ردت بصوت مرتجف و قد جائها صوت سامر مهدئاً :
_ ياسمين ....لا تقلقي ستكون الأمور بخير .. أريدك أن تخرجي من المكتب باتجاه الخزنة و أنت هادئة ..تصرفي بطبيعية .. سيقطع زياد طريقك و يقوم بتخديرك .... لا تخافي .. قاوميه باعتدال ... هل تفهمين ؟؟
أخذت ياسمين نفساً عميقاً ملئت صدرها به و هي تمسح دموعها و تعدل من مظهرها:
_ حســ ..حسناً .. سأفعل
وقفت و هي تحاول تجنب النظر لجسد ناجي ...فتحت الباب سريعاً تهرب من روح ناجي التي تحوم حولها ..سارت تحاول إخفاء إرتجافها ... تفاجأت بيد تطبق على فمها و صوت هامس يقول :
_ لا تخافي ياسمين .. ستكونين بخير
غابت عن الوعي سريعاً بين يديه .. وضعها بهدوء على الأرض أشار لمهاب و أمجد بالتحرك لمكتب ناجي سريعاً ... وضع ياسمين على الأرض بلطف .. اصطدمت عيناه بأزرار قميصها المقطوعة و قد ظهر جزء كبير من صدرها .. شعر بالدماء تغلي بعروقه ... تمنى أن يكون ناجي حياً ليقوم بقتله .. أغلق أزرار سترتها سريعاً و هو ينهض متجهاً نحو الخزنة مع حازم الذاهل من كل ما يحدث ... وضع زياد يده على السماعه و هو يقول من بين أسنانه :
_ المجند2 .. في مكتب الوغد يوجد ثلاث أزرار بيضاء صغيره إحرص على إحضارها
جاءه الرد مقتضباً :
_ عُلم ..
دخل مهاب و أمجد مكتب ناجي القاسم و شرعا بالعمل سريعاً... التقط مهاب مسدس ياسمين الملقى على الأرض و دسه بجيبه ... و بدأ البحث عن الأزرار و هو يشتم ناجي في سره ....أسرع امجد للخزنة الحديدية يفحصها و يحدد نوعها قال و هو يخلع حقيبة ظهره ... نحتاج بصمة هذا الوغد و كلمة السر ...
قام مهاب بجر جسد ناجي ناحية الخزنة و قام أمجد بتوصيل اللوحة الألكترونية .. ببضع أسلاك و هو ينادي حمزة :
_ المجند خمسة ... أحتاج كلمة السر
بعد بضع ثواني جاءه الرد.. أدخل كلمة السر ... رفع جسد ناجي .. طابعاً بصمة إبهامه و انفتحت الخزنة و بدأ بالبحث
عاد مهاب يجر جسد ناجي بعيداً .. أخرج من حقيبته علبه معدنية تحتوي على مادة تشبهُ الصلصال ... أمسك كف ناجي و وضعها في اللعلبه و هو يضغط برفق و بعد دقيقة ..أخرج كفه ..تناول زجاجة تحتوي مادة شفافة من حقيبته ...صبها على طبعت كف ناجي و أغلق العلبة و هو يضعها بحرص شديد داخل حقيبته
توجه لأمجد و هو يسأل :
_ هل عثرت عليهِ ؟؟
قال أمجد بغضب و هياج :
_ لا .. لا .. ليس هنا ... كل عملنا يعتمد عليه .. و لكن ..
قاطعه مهاب و هو يقول بهدوء :
_ عليك أن تهدأ يارجل .. لقد أصبحت عصبياً للغاية مؤخراً
تأفأف أمجد وهو يمسك بمصباح صغير يفحص جدران الخزنة قائلاً :
_ عمل الشهور مهدد بالإنهيار و أنت تحافظ على برود اعصابك ..
رفع مهاب حاجباً و هو يقول متسائلاً :
_ما الأمر يا أمجد لطالما كنت هادئاً ... لكنك في الفترة الأخيرة ..تبدو...غريباً !!!
حدق أمجد به و هو يقول ساخراً :
_ لا تبالغ ... و توقف عن لعبة الطبيب النفسي .. لا تليق بك
بدأ مهاب بفحص الخزنة و هو يقول :
_ أكاد أقسم أن هناك فتاة خلف كل هذا
التزم أمجد الصمت و هو يشد على أسنانه
قال مهاب و هو يطلق ضحكة صغيرة :
_ يالله .. هناك فتاة حقاً !!! الوحش وقع صريع الهوى
قال أمجد و هو يعود لفحص الخزنة :
_ توقف عن العبث و التزم بعملك
ضحك مهاب و هو يقول:
_ سأصمت الآن ولكن أحتاج لتفاصيل بعد الانتهاء من كل هذا
همس أمجد بصوت سمعه مهاب جيداً :
_ وغد
قال مهاب بجدية و هو يشير لباطن الخزنة :
_ أنظر للمنتصف ... هناك لوحه إلكترونية صغيرة ....
دقق أمجد بها و هو يقول :
_ بصمة... بصمة ناجي ؟؟!!
قال مهاب و هو يحمل جسد ناجي من جديد
_ هذا الوغد مفيد و هو ميت أكثر من كونه حياً
أمسك امجد إبهامه و ضغط على اللوحة ... صدر صوت طرقعة خفيفة ... لينفصل عن الخزنة جزء على شكل حرف أكس ... أمسكه أمجد سريعاً و هو يقلبه ..لبجد الرمز الأسود أكس .. أخرجه من القالب المعدني و هو يقول :
_ نجحنا .... لنلحق بباقي الفريق
وقف مهاب و هو يفحص الغرفة بدقة .. اقترب من التمثال الصغير الموضوع على رف زجاجي و قد انتبه للمعان خفي في عينه ..أمسكه بين يديه و و انفصلت القاعدة بسهولة .. لتنزلق كميرا صغيرة بين يديه ... كانت على وضع التسجيل ... أوقف مهاب التصوير و هو يقول :
_ ذلك الوغد ... كان سيصور اعتداءه على ياسمين ..
قال أمجد و هو يدس الرمز أكس في جيبه :
_ حقير و سافل يستحق القتل حقاً
خرج الإثنان يتجهان للخزنة الكبيرة أسفل البنك ...
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقفت سلام أمام الموقد تطهو الطعام شاردة ... تفكر بحال قصي الغريب ... يبدو مشتتاً .. ضائعاً .. حزيناً بطريقة مؤلمة ... سألته مرة تلو المرة عن السبب ...لكنه كان يتهرب من الإجابة بشتى الطرق ...
_ حوريتي تطهو الطعام بنفسها .. و ما فائدة الطباخ الذي وضعته بخدمتك
أخرجها صوته من دوامة أفكارها .. قالت دون أن تلتقت إليه :
_ لقد شعرت بالملل ...
تقدم قصي ناحيتها و هو يقول :
_ ألن ترحبي بعودتي سلام
تركت الملعقة الخشبية .. تقدمت نحوه طبعت على خده قبلة باردة ... أرادت الإبتعاد عنه ..لكنه طوق خصرها و هو يقول :
_ ما الأمر سلام !!! لما هذه المعاملة الباردة حبيبتي ...
حاولت تحرير نفسها عبثاً و هي تقول غاضبة :
_ أرجوك أتركني ...
_ سلام!!!!
تركها لتعود إلى القدر ... تحرك الطعام عبثاً و دون داعي .. تساقطت دموعها بصمت ... احتار قصي بسبب كل هذا ... تقدم ناحيتها و وقف إلى جانبها و هو يقول بحنان :
_ أرجوكِ أن تتكلمي معي .. لن أحتمل صمتك و دموعك أكثر ...
هزت سلام رأسها و و هي ترد مختنقة :
_ انت لا تثق بي
قال مستنكراً :
_ ماذا ....؟؟ من أين جئت بهذه الفكرة الغبية
قالت و هي تلقي الملعقة من يدها بغضب .. تنظر إليه و لهيب عينيها الزرقاء يشتعل :
_ منذ أن عدنا من باريس و قد إنقلب حالك .. دائم الشرود و التفكير ..تبدو محتاراً و ضائعاً و حزيناً .. سألتك ألف مرة مما تشكو ؟؟ ما الذي حدث لك ؟؟ .. لكنك تلتزم الصمت .. لا تشاركني بشيء .. أنا زوجتك قصي .... يجب أن أكون معك في حزنك و همومك كما فرحك و سعادتك
شد على كفيه حتى كاد العظم أن يبرز من تحت جلده ... كم يتمنى أن يخبرها بكل شيء ...أن يلقى بهمومه و أسراره أمامها .. قد يتحرر من قيوده ... و لكن أسراره ليست بأسرار .. هي كوارث و مصائب .. و قيوده من نار تلجمه و تقيده دون أن يتمكن من الصراخ و هو يحترق بها ... هل يخبرها بأن والده الحقيقي مات و ترك في نفسه فراغاً و ضياع ... هل يخبرها بأنه قاتل دولي محترف ...اتخذ الإنتقام في حياته مسلكاً و درباً ... هو لا يستطيع ... من المستحيل .. لا بدّ أنه سيفقدها و يخسرها للأبد
قاطعه صوت سلام المحتج و المختنق و هي تقول :
_ ها أنت قد عدت لشرودك و ضياعك بعيداً عني
دلك جبينه بقوة و هو يقول لها :
_ رفقاً بي يا سلام .. لا تضغطي علي أكثر
قالت سلام و هي تضع يدها على صدرها :
_ أضغط عليك ؟؟ أنا يا قصي ...
خرجت من المطبخ سريعاً و قصي يخلع سترته و ربطة عنقة ... يلقى بهما على أرض المطبخ بغضب و هو يهمس لنفسه :
_ ما الذي تفعله أيها الأحمق ستخسرها بتصرفاتك .. لا ذنب لها بتعقيداتك و دهاليزك
أسرع يخرج من المطبخ و توجه لمكتبه و أخرج هدية اشتراها لها منذ زمن ... منذ أن خرجت معه أول مرة إلى ذلك المطعم
بحث عنها في أرجاء القصر ....وجدها تجلس في الحديقة على الأرجوحة المعلقة على الشجرة الضخمة ... وقف خلفها و هو يخرج الكمان من علبته الخشبية ... تقدم نحوها و هو يرى دموعها تتسلل من عينيها بحزن آلمه ... قال بحنان بالغ :
_ حوريتي و سلام قلبي .... لا تغضبي مني ... و لا تبكي .. أكره أن أكون سبباً بانسكاب هذه الدموع .... اسمعيني .. هناك بعض المشاكل في ..... في العمل .. لا أريد أن أدخلها معي إلى المنزل ....لا أريد أن تزعجك
قالت سلام و هي تحدق به :
_ لكنك تفعل ذلك فعلاً
رفعها قصي بيدٍ واحدة عن الأرجوحة و هو يحتل مكانها ... جعلها تجلس على فخذه و هو يتمسك بالكمان بيده الثانية
_ هيا يا سلام .. لم أعهدك قاسية علي هكذا ...
قطبت جبينها و قد تنبهت للكمان
_ عزفك الساحر على كمانك لن يصلح الأمر هذه المرة
قال قصي و هو يضع الكمان على قدميها :
_ هذا ليس كماني.. هذا لكِ اشتريته لك منذ زمن .. لقد وعدت بتعليمك ..
بدأت مقاومة سلام تضعف قليلاً وهي تقول :
_ لازلت تذكر ؟.؟
ضحك بخفة و هو يقول :
_ بالطبع .. أنا لا أنسى أي شيء يتعلق بك حوريتي
تمسكت برقبته و هي تقول :
_ أرجوك قصي .. لا تبعدني عنك هكذا .... لقد خفت أن تكون نادماً على زواجك بي
وضع قصي الكمان أرضاً و هو يثبت سلام
_نادماً !!! سلام ... أنتِ أمنيتي التي ظننتهُ بعيدة كما نجوم السماء .. و لكنك نزلتي و سكنتي قلبي ... آخر ما أريده أن تبتعدي عني ... أنتِ روحي و سلامي و نبض القلب
ابتسمت له سلام برقة و هي تمرر أصابعها في شعره و هي تقول :
_ وأنا أحبك أكثر من نفسي أريد أن أكون معك في كل حياتك ...
أراد أن يقترب منها يقبل شفتيها و لكنها ابتعدت و هي تقول :
_ ألن تعلمني العزف ؟؟
ضحك بقوة و هو يقول لها بصوت أجش :
_ لا .. الآن سأعلمك فنون جديدة بالعشق .. فمن الواجب علي مصالحتك بطريقتي الخاصة جداً
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقف زياد و حازم يراقبان رجلي الأمن أمام الخزنة ... أشار زياد لحازم بالبقاء مكانه دون حراك .. و في جزء من ثانية واحدة ... لم يعلم حازم متى تحرك زياد و نزل كالصاعقة على رأسي رجلي الأمن الذان لم يشعرا به يهبط على رأسيهما ... و فقدا الوعي فوراً .. نادى زياد حازم و طلب منه تقيدهما بالاصفاد الموجودة في حقيبة ظهره ...
بدأ زياد بفحص اللوحة الإلكترونية ... ثبت الجهاز الصغير و هو يخاطب حمزة قائلاً :
_ كلمة السر مجند خمسة
_ عُلم
ساد الصمت و لم يقطعه سوا وصول مهاب و أمجد .. خلع مهاب فور وصوله حقيبة ظهره و أخرج العلبة التي طبع فيها كف ناجي القاسم .... تناولها زياد ... و سكب في القالب سائلاً شفافاً ... و من ثم و بعد أن أزل الطبعه الأولى على كفه .. وضع كفه داخل القالب و ضغط برفق ... و بعد دقيقة أخرج كفه الذي تلون بالأزرق الفاتح و أنتظر قليلاً قبل أن يخرج علبة رذاذ رش منها على كفه ليتحول اللون شفافاً غير ظاهر
طبع زياد بصمة الكف على الشاشة و عاد يخاطب حمزة قائلاً :
_ لقد تأخرت ...
_ الأمر ليس سهلاً كما كلمات سر التي اقتحمناها في البداية
صمت زياد و هو يلبس قفازه حتى يحافظ على بصمة كف ناجي و بعد دقيقة وصل صوت سامر و هو يقول :
_ رجل أمن عثر على ياسمين و يحاول إيقاظها
قال زياد بحزم واضح :
_ الآن .. كلمة السر
قال حمزة و هو يسرع بضرب لوحة المفاتيح :
_ برنامج ياسمين ليس عادياً حتى مع الثغرات التي تم ـ....
قاطعه زياد و هو يقول مشدداً على كل حرف مانعاً حمزة من الخوض بالتفاصيل على الهواء :
_ كلمة السر ... الآن
بعد ثواني قليلة قال حمزة و هو يتنهد بأرتياح :
_ 2251985
أدخل زياد كلمة السر سريعاً و قد وصله شتم حازم و سبه لناجي ..
سأله أمجد و هو يمسك ذراعه :
_ ما الأمر ؟؟
قال حازم و هو يحاول أن بضبط أعصابه :
_ الحقير .. هذا الرقم... تاريخ ميلاد ياسمين ..يبدو أنه مهوس بها .. كان يترصدها تحت نظري دون أن أنتبه له
اشتعلت النار في صدر زياد و هو يفتح باب الحزنة ... لما لم تقل شيئاً ؟؟.. لما التزمت الصمت ؟؟.. و كيف لحازم أن يعرفها أكثر منه ؟؟... هو لايعلم عنها الكثير و لكنها تعلم عنه كل شيء ...
كبت مشاعره و هو يخرج من حقيبته ( قوس و نشاب مسدس ) مثبت بطرفه حبل غليظ .... و في منتصفه زند اطلاق كالذي تحتوية المسدسات ... نام على ظهره أمام باب الخزنة مدققاً بسقف الخزنة الترابي .... و بدقة أصاب النقطة التي يريدها .. قال و هو يتأكد من ثبات السهم .. أمجد .. أريدك أن تحرس الممر جيداً .. لا أريد أن أتفاجأ برجل أمن يطلق الإنذار قبل انتهائنا ..نسق مع حمزة و سامر .. أخرج أمجد رمز الأكس و ناوله لمهاب و هو ينطلق لتنفيذ الأوامر ...
أخذ زياد نفساً عميقاً و هو يتعلق بالحبل المثبت في سقط الخزنة و دفع نفسه بقوة و أخذ يتأرجح لثانية و لكن و بحركة واحده ثبت قدميه على حائط الخزنة ... لف الحبل حول ساعده ليثبت نفسه و بفمه خلع القفاز ... استخدم بصمة الإبهام لفتح درج معين .. و استجاب سريعاً .. لتظهر لوحة الكترونية على شكل كف .... طبع كفه الذي يلبس فيه بصمات ناجي ... بقي الصمت سيد الموقف ..قطعه صوت حمزة و هو يقول :
_ لقد تم إيقاف النظام جزئياً ..يمكنك النزول على الأرض بأمان
أفلت زياد الحبل و هو يشير لمهاب و حازم بالدخول ... تقدم من جارور آخر و طبع بصمة الإبهام الخاصة بناجي انفتح الجارور بسلاسة ..أخرجه بشكل كامل ... تناول الرمز أكس من مهاب و انحنى ليرى أن جزء من الحائط الحجري محفور في وسطه الرمز أكس .. أقحم الرمز الذي تناوله من مهاب ليتحرك الحائط بشكل جانبي ... دخل زياد سريعاً و تبعه حازم و بقي مهاب في الخارج يراقب الوضع ... ما إن دخلا حتى صدر صوت تشويش قوي دفعهما لإخراج السماعات سريعاً ...
قال زياد هو يتأمل الغرفة البدائية ذات الجدران الترابية باستثناء الحائط الأمامي .. يشبة جدران الخزنة من الخارج ... يحتوي على أدراج مرصوصة جنباً إلى جنب ... والشيء الوحيدالذي تحتويه الغرفة آلة تصوير إلكترونية ...
قال زياد و هو يدقق بالغرفة :
_ حازم أريدك أن تفحص خط المتفجرات الذي تم مده لداخل الغرفة يوجد في حقيبتك مصباح كهربائي
بدأ حازم العمل و هو يدقق بالخط المسحوب من الخارج قال و هو يتأكد من استنتاجته :
_ لقد تم سحب جزء بسيط من الخط الخارجي .. سيكون تأثير التفجير في الداخل محدود للغاية ... سوف تنهار الأجزاء الترابية فقط .... لن تتأثر الخزنة ذاتها لن تمس ....سوف تطمر فقط
ابتسم زياد ساخراً و هو يقول :
_ و بذلك وبعد أن تهدأ الأمور بعد أي محاولة اقتحام و حدوث التفجير يبقى ما يخفون سالماً و آمناً ... يزيلون الأنقاض و يستعيدون كل شيء
هز حازم رأسه موافقاً و هو يقول :
_ حتى هذه الخزن فهي مضاد للحريق من المستحيل أن تمس
دخل مهاب سريعاً و هو يقول :
_ لقد أسقط أمجد رجل أمن مرّ من هنا ... يجب أن نسرع
تقدم زياد من احد الخزن و قام بطبع بصمة ناجي ...انزلق الجارور ..قام زياد بتناول أول ملف ... عقد حاجبه و قد بدأ يدرك ماهية الأمر ..ألقى الملف أرضاً و تناول ثاني و ثالث .. نفس النتيجة ...فتح جارور ثاني ثالث و رابع .. نفس النتيجة ..
سأله حازم و قد لاحظ ردّ فعله العصبي :
_ زياد ما الأمر ؟؟
قال بغضب و هو يستمر بفحص الملفات التي تساقطت منها بعض الصور و السي دي و الفلاش ميمري :
_ هذه الأوراق تدين العالم بأكمله و لكن ليس المنظمة أكس
_ كيف ؟؟
_ هذه أوراق و وثائق و مستندات و صور أصلية تدين الكثيرين ... فضائح سياسية و اقتصادية و جنسية ... فساد و سرقات و أسرار مخزية تدين رجال سياسة و اقتصاد و إعلامين و رياضين و حتى فنانين و أناس عادين .... هؤلاء الأوغاد يحكمون سيطرتهم عل العالم بأكمله
قال حازم بتردد :
_ و الآن ماذا ؟؟ ما الذي حققناه بعد كل هذا ؟؟
نظر زياد حوله و هو يقول :
_ سنقوم بما كنا نحاول تجنبه ..... تفجير المكان ... المنظمة ستخسر رأس مالها .... هل يمكنك مدّ خط التفجير حتى يدمر هذا المكان
قال حازم سريعاً و واثقاً :
_ الآن ... لا... مستحيل .. أحتاج لمواد و أدوات لا تتواجد معي
قال زياد و هو يزفر :
_ توقعت هذا
دخل مهاب و هو يقول :
_ بعد عشر دقائق سوف يتم تبديل طاقم رجال الأمن .. لا وقت لدينا
بدأ زياد بسحب الأجرار و هو يناولها لحازم و هو يقول :
_ لنضعها على أرضية الخزنة الخارجية ..
وقف مهاب بالخارج يستلم الجوارير و يفرغها على ارض الخزنة و خلال دقائق قصيرة كانت كل الأوراق منتشرة في كل مكان ... أراد زياد الخروج و لكن حازم استوقفه و هو يتوجه لآلة التصوير و هو يقول :
_ تلك الغريبة التي دخلت الغرفة مع ناجي قبل أيام ... لا بد أنها أخذت صورة شيء ما ... يمكنني أن أستخرج من الذاكرة أخر ما تم تصويره
_ افعل هذا
سريعاً قام حازم بسحب مجموعة أوراق دسها بجيبه و هو يخرج من المكان ..قال زياد و هو يسحب الرمز من مكانه :
_ الجميع للخارج الآن .. انتظروني في المنزل الآمن ..
قال مهاب محتجاً :
_ و أنت ؟؟... تعلم ما أن يتم تفعل النظام سوف تنفجر الخزنة من ثقل وزن الأوراق و الأجرار ...
قال حازم مأكداً على كلام مهاب :
_ هذا صحيح خلال خمس ثواني من تفعيل النظام ..سينفجر المكان بسبب فرق الوزن الذي سوف تستشعره الحساسات على الأرضية
فتح زياد الجارور الذي يحتوي على اللوحة الألكترونية و تمسك بالحبل المتدلي من السقف وهو يثبت قدمه على الحائط أمامه :
_ الآن إلى الخارج ...سنلتقي بالمنزل الأمن
همّ حازم بالإعتراض لولا قيام مهاب بشده من ذراعه إلى الخارج و هو يقول :
_ لن ينفع الإعتراض معه
_ و لكنه قد يقتل نفسه ... الإنفجار الذي سوف يحدث سيقضي عليه
اطمئن زياد لابتعاد رفاقه من المكان ..ثبت أقدامه على الحائط باحكام و هو يضم جسده لساقيه بقوة .. طبع بصمة ناجي على لوحة المفاتيح مدخلاً الرقم السري و في اللحظة التي ضغط على كلمة موافق ... دفع جسده إلى الخارج كطلقة رصاص مع صدور صوت إنذار قوي ملأ أرجاء البنك بأكملهِ في اللحظة التي وصل جسده للبوابة ... إنفجر المكان دافعاً جسد زياد بعنف و قوة نحو الحائط .. اصطدم ظهره بقسوة ... انقطعت أنفاسه للحظات .. وقف متألماً و هو يراقب النيران التي اشتعلت تلتهم كل شيء ... و رغم الألم الذي عصف بكل خلايا جسده .... أسرع للخارج ... و توجه لسيارته التي تركها قريباً من البنك و هو يسلك طريقاً داخلياً بين المباني ... تخلص من القناع الذي يلبسه و عندما وصل لسيارته ... بدل ملابسه و هو يحاول جاهداً كبت آهات ألمه ..مقاوماً غيبوبة تلح عليه باصرار
أسرع بالعودة إلى البنك و قد تم اخلاؤه من المتواجدين و قد بدأت سيارات الشرطة بالوصول ... بحث بعينيه عن ياسمين .. و جدها تجلس على الرصيف المقابل للبنك ذاهلة و قد شحب وجهها للغاية ... أسرع إليها و ما إن وصل حتى جلس القرفصاء أمامها و هو يقول قلقاً :
_ ياسمين .... هل أنتِ بخير ؟؟
حدقت به و قد تجمعت الدموع في عينيها .. ألقت بنفسها على صدره و هي تقول بصوتاً مبحوح :
_ رباه ..رباه ... ظننتك بالداخل .. خفت أن تكون ..
_ شششش .. . أنا بخير .. الجميع بخير ... لنذهب الآن من هنا
وقفت و هي تتكيء على ذراعه و هي تقول :
_ ناجي
_ لا تتكلمي بالموضوع أنتِ خرجت من المكتب و هو حي ..هل فهمتي هزت رأسها موافقة .. استوقفهم شابٌ من رجال الشرطة و هو يقول :
_ عفواً سيدة ياسمين نحتاج منكِ التوجه لقسم الشرطة لأخذ أقوالك
قال زياد بحزم :
_ سأقوم بإيصالها
قال الشرطي الشاب ساخراً :
_ لا تتعب نفسك سنقوم بنقلها بسيارة الشرطة
رفع زياد حاجبه و هو يقاوم رغبة عارمة بلكمه و تحطيم وجهه ..
_ قلت لك سوف أقوم بإيصالها بنفسي
زفر الضابط بنفاذ صبر و هو يقول :
_ اسمع يا هذا لا تجبرني على إعتقالك و .....
جاء صوت أحد الضباط الكبار الذين وصل للتو هادراً و هو يصرخ :
_ أنت أيها الأحمق .. تعتقل من ..؟؟
أدى التحية العسكرية باحترام شديد هو يقول :
_ سيدي العقيد عماد
تقدم منه و هو يقول بغضب :
_ إن الذي يقف أمامك هو العقيد زياد طارق .... أعتذر منه الآن
قال الضابط مرتجفاً :
_ أعتذر سيدي العقيد ..لم أكن أعلم
قال زياد و قد أشفق على حاله :
_ لا .. لا بأس كنت تقوم بواجبك و لكن عليك أن تتحدث للناس بتواضع أكثر
تصافح رأفت وزياد و بعد تجاوز الكلام الرسمي قال رأفت :
_ خذ السيدة إلى مركز الشرطة و سوف أكون بانتظارك هناك لأخذ أقوالها بنفسي ..
_ أقدر مساعدتك كثيراً
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
دخل زياد و ياسمين المنزل الآمن و قف الجميع باستقبالهم و هم يسألون عن حالهم .. كان حازم يدقق بوجه ياسمين الشاحب للغاية و قلبه يكاد ينخلع من مكانه قلقاً و قهراً من عدم انتباهه لناجي و قذارته ... جلس الفريق بأكمله و هم يقيمون الموقف و ياسمين ترخي رأسها على كتف زياد منهكة ..متعبة و مرتجفة .. قال سامر متسائلاً :
_ لما لم تحتفظ بالأوراق ؟؟ .. كان من الممكن فضح الكثير و إدانتهم ..
_ لأنني لست واثقاً من كونها أدلة حقيقية أو أنها مجرد تلفيق و مكائد تم إيقاع أصحابها بها ... و من ثم إطلاق هكذا أمر دون حساب قد يدمر دول و منظمات ... و كوننا أتلفنا كل هذا فإن المنظمة أكس فقدت رأس مالها .. متأكد أن الأمر سيضعفهم و يفقدهم قوتهم
ناول حازم زياد الأوراق التي سحبها من آلة التصوير .. فتحها زياد ..ليجد مجموعة من معلومات عن اسم واحد " لوكاس أل هانسن "
قال حمزة :
_ لوكاس آل هسن !!! مبعوث الدول الأوربية للسلام في الشرق الأوسط ..نروجي الجنسية
قال حازم و هو يسترق النظر لياسمين الذاهلة على العالم :
_ هذا صحيح .. التركيز عليه هذه الايام كبير مع اقتراب موعد إجتماع مجلس الأمن بعد أسبوعين من الآن ... يريد طرح فكرة تدويل القدس من جديد
علق حمزة على كلامه :
_ هذا صحيح .. كل فترة يظهر شخص ما و يعيد طرح هذه الفكرة المخزية لينشغل العالم عن الفظائع التي ترتكب بالأقصى و محاولات الإقتحام و التدمير الممنهج في القدس القديمة
وقف حازم و هي يقول :
_ لقد تلقى تهديدات بالإغتيال من منظمات جهادية إن أصر على طرح هذه الفكرة
قال حمزة بغضب و هو يقول :
_ منظمات تدعي أنها جهادية و تتخفى بعباءة الإسلام
وقف زياد وهو يقول منهنياً هذه النقاش العقيم و الذي قد يستمر لساعات :
_ ما قصة هذه الصورة المرفقة
قال حمزة و هو يدقق بالصورة المخزية لفتاة يافعة تمارس الرذيلة بحضن رجل يكبرها بأعوام كثيرة :
_ هذه ابنة لوكاس آل هسن .. و هذا الرجل معها رجل سياسية نروجي من الحزب المعارض هو من أشد أعداء الحزب الحاكم و يحمل الكثير من العداء للوكاس شخصياً
قال زياد و هو يراجع المعلومات في الأوراق أمامه :
_ يبدو أن اجتماع مجلس الأمن القادم لن يكون عادياً .... سيحدث شيء ... قد تقوم المنظمة باغتياله تنفيذاً لطلب جهة ما
قال حمزة واثقاً :
_ هذا صحيح و لكنهم سوف يقومون بإلصاق الأمر بأحد الجهات الفلسطينية ... يريدون قلب العالم عليهم .. لا بد أنهم ينون القيام بعملية عسكرية واسعة في فلسطين أو يخططون لإغتيال شخصية مهمة و محاربة لهم ... شخصية تحظى بحماية دولية ... يريدون إغتيال لوكاس حتى يقوموا بتبرير أي عملية مستقبلية .. قد يقومون بهدم المسجد الأقصى ....
حبس الجميع أنفاسهم و خفقت القلوب بشدة ... قال زياد و هو يقف من مكانه:
_ يبدو أن الفريق سينتقل بعمله إلى نيويورك / حيث مبنى مجلس الأمم المتحدة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
_ حمقى و أغبياء ...... لا يحيط بي سوى الحمقى و الأغبياء
تقدمت جودي من والدها ترجوه أن يهدأ
_ أرجوك أبي .. لا يجب أن تنفعل هكذا .. لتوك تجاوزت أزمة قلبية خطيرة
نظر إليها بوجه محتقن يقطر غضباً و قسوة :
_ الخطأ خطأك .... طلبت منك أن تتاكدي من أمر ياسمين ... و لكنك مجرد فتاة بلهاء لا فائدة منها ..... تلك الملعونة تحالفت مع زوجها الذي أوقعنا في الفخ كالأغبياء ... و دمر ما جمعته على مر سنوات طويلة
نظرت جودي إلى الأرض و هي تقول هامسة :
_ و ما دخل ياسمين بكل هذا ...لقد تم تخد ......
قاطعها و هو يصرخ :
_ حمقاء و غبية ... لو أنك تملكين ذرة من ذكاء لعلمت أنها تعمل معهم .. راقبي شريط التسجيل ... لقد خدرها زوجها حتى يبعد عنها الشبهات
_ كيف علمت ؟؟
_ لأنه ستر ما انكشف من جسدها ... لا بد أن ناجي تعدى عليها زير النساء الخسيس .. و لا أستبعد أن ياسمين هي من قامت بقتله ... أنظري ... بعد أن وضعها زياد برفق على الأرض .. أغلق سترتها ليسترها
حدقت به غير مصدقة ... و الدها محق بكل كلمة ... كيف لم تنتبه ... متى حدث كل هذا ... أكمل و الدها و هو يضع يده على صدره :
_ كل شيء ينهار ببطء بسببكم .. يبدو أني لم أعد قادراً على السيطرة على الأمور ..لقد خسرنا كثيراً في فترة قصيرة ... قُتل اثنين من المدراء الخمسة ... و قد أصبح أكبر مخازن الأسلحة في يد الشرطة الإيطالية .. و الأن أُحرق مجهود 40 عاماً بضرب واحدة ... على قصي أن يستلم الأمور بسرعة قبل أن ينهار كل شيء ...عليه أن ينجح في مهمة إغتيال لوكاس آل هسن ... أسبوعين د و مصير المنظمة و شبحها سوف يحسم الأمور
قالت جودي بحنق و هي تحاول كتم أمتعاضها :
_ أبي .. عليك أن ترتاح الآن .. لا يجب أن تنهك نفسك أكثر
تابع كلامه كما لو أنه لم يسمع ما قالته جودي
_ و هناك امر آخر عليه القيام به ... يجب أن يقوم بتصفية العقيد زياد .. عليهِ أن يقتل أخاه
حدقت جودي بوالدها و هي تقول :
_ لا أظنه سيفعل ذلك
ضحك ساخراً رغم الألم في صدره :
_ عندها سأقتلهُ و أخاهُ بيدي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــ
وضعت رأسها على الوسادة تنشد النوم ... لكن صورة ناجي و هو ينهار أمامها ميتاً تنهك تفكيرها ... لقد قتلته ... هي السبب بخسارة إنسان لروحه ... كيف يمكن أن تعيش مع ذنبٍ كهذا ... هي أرادت فقط أن تهدده ليبتعد و يتركها و شأنها .. لكنه مات
لم تدرك ان دموعها غسلت وجهها إلا بعد أن مسحت يده الدافئة وجهها ... نظرت إليهِ و هي ترتجف قليلاً ..تحاول التماسك و عدم الإنهيار ... قال و هو يبعد خصل شعرها الملتصقة بوجهها بسبب الدموع :
_ هو يستحق الموت ... لقد كان عليكِ أن تدافعي عن نفسكِ .. لهذا دربتك على استعمال السلاح ... هو وغد و حقير .. و إن لم تكوني قتلته لكنت فعلت بنفسي صدقيني ...
قالت و دوموعها تنهمر أكثر و أكثر :
_ لقد قتلته ... قتلته زياد ... هذا ذنب ثقيل على صدري
ضمها لصدره و هو يقول لها :
_ ذلك ليس بذنب حبيبتي ... لقد دافعت عن نفسك ... تجاوزي الأمر ..لقد قتلت شخصاً قاتل و مجرم و معتدي ...
كلماته لم تزدها سوا ألماً و حزناً بكت على صدره طويلاً حتى تعبت و نامت .. و لكن ناجي لاحقها في أحلامها لتستحيل لكوابيس تعذبها
في صباح اليوم التالي استيقظت .. لم تجد زياد إلى جانبها .. توجهت لغرفة يزن .. وجدته نائماً بعمق يحسد عليهِ ...قبلت خده و هي تعبث بشعره الناعم ... سمعت صوت الباب يفتح ... خرجت بهدوء لتقف أمام زياد بصدمة حقيقة .. لم تتصور أن ترى العقيد يدخل المنزل و بيده باقة من زهور الياسمين البيضاء و بيده الثانية يحمل علبه من محل مجوهرات ...
تحولت صدمتها لضحكة تجاهد لكبتها و زياد يتقدم منها قائلاً :
_ كل عام و أنتِ بخير ياسمينتي
عندها انفجرت ضاحكة امام زياد الذي رفع حاجبه ينظر إليها باستغراب .. اقتربت ياسمين منه و هي تقول :
_ انا آسفة ..آسفة ...لكن لم أتصور أن السيد العقيد زياد .... من الرجال الذين يشترون الورود لزوجاتهم
ابتسم لها و هو يقول :
_ ستتعلمين الكثير عني ...
مدت يدها لتأخذ ورود الياسمين منه و لكنه أبعدها و هو يقول :
_ عليكِ أن تدفعي ثمنها في البداية
_ ماذا ؟؟
سحبها من خصرها و هو يغرقها بقبلة طويلة مليئة بالشغف و الشوق و الحب ... ابتعد عنها قليلاً و قد احمر خديها و اضطربت أنفاسها و هي تنظر لصدره هرباً من عينيه
_ لم أكن أعلم أن عيد ميلادك كان في الأسبوع الماضي .. لما لم تخبريني؟
ابتسمت بقليل من الحزن وهي تقول :
_ صدقني كنت قد نسيت ... لولا حضور سعاد المفاجيء لمكان عملي تحمل هديتها و كعك عيد الميلاد لما تذكرت
رفع زياد وجهها لتلتقي عيونهما و لتهدر القلوب بنغم جديد يزداد ارتفاعاً :
_ أعدك في العام القادم لن أنسى .. اتفقنا.؟! و الآن أسمحي لي بأن أقدم هديتي
فتح كيس المجوهرات ليخرج علبة مخملية حمراء .. فتحها و أخرج منها سلسلة ذهبية تحمل قلادة على شكل زهرة الياسمين ..قالت ياسمين و هي تتأمل جمال القلادة :
_ رائعة ... رائعة ... إنها جميلة للغاية .. أشكرك من أعماق قلبي زياد
ابتسم لها بحنان و هو يقترب منها .. يضع القلادة في عنقها و أنفاسه الساخنة تلفحها ... نظرت لعينيه ممتنة و سعيدة ... لم تشعر بأنها مميزة و مهمة منذ زمن قد طال .. هل يعقل أنها ستجد راحة قلبها و روحها أخيراً ؟؟
اقتربت من زياد و هي تطبع قبلة ناعمة على خد زياد و هي تهمس له :
_ أحبك ...أعشقك سيدي العقيد ... شكراً لك .. هذا أجمل عيد ميلاد قد عشته
ضمها لصدره بقوة و هو يقول :
_ ستكون كل أعيادنا جميلة بإذن الله و الآن أريد مكافئتي
قطبت جبينها و هي تقول له :
_ اطلب ما تشاء ..أنا طوع أمرك
_ لا تنسي أنك وافقتي قبل أن أقول شيئاً
اقترب منها و هو يهمس لها بكلمات جعلت خديها يشتعلان ناراً .... ابتعدت عنه خطوة واحدة و هي تعض على شفتها توتراً .. قال زياد بمشاكسة :
_ ماذا ؟؟ لقد وافقت
قالت و هي تهرب منه لغرفتها :
_ انت وقح .... ابتعد عني
لحق بها و هو يأسرها بين ذراعيه :
_ لن أفعل ما حييت ياسمين .. لن أبتعد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــ
أسرع أمجد يستقبلُ أمهُ التي دخلت المحل الرئيسي حيث الأدارة التي يتولى أمجد أمرها ..
_ أمي ..سعيداً بحضورك إلى العاصمة ... أخيراً قررت إدارة الفرع الرئيسي
ضحكت و هي تقبلهُ قائلة :
_ أنا سأكون في صالة العرض ... أجيد التعامل مع الزبائن اما الأمور الأدارية فهي كلها لك
_ أنا سأنفذ كل ما تأمريني به يا غالية
قالت أمهُ و هي تنظر إليهِ بمكر :
_ هناك أمر واحد .. لقد وظفت فتاة لتكون مساعدتي
أبتسم أمجد بتوتر و قد علم ان والدتهُ تخطط لأمر ما :
_ كما تشائين .. هل هي هنا ؟؟
_ أجل .. طلبت منها أن تنتظر في مكتبك .. أذهب إليها و كن لطيفاً معها الفتاة في حمايتي
أرادت الأنصراف لصالة العرض الرئيسية لكن أمجد أستوقفها :
_ أمي .. ما الذي يحدث ..من هي هذه الفتاة ؟؟
أبتسمت بحنان وهي تقول :
_يبدوا أن قلبك يهمس بإسمها في هذهِ اللحظة
أغلق عينيهِ و هو يبتلع ريقه قائلاً بصوت مختنق :
_ نورا !!
قالت والدته بجدية :
_ أسمعني يا أمجد ..الفتاة قدمت إلي و أخبرتني بكل شئ فعلته معها
نظر إليها أمجد غير مصدق و هو يقول :
_ كل شئ ..
_ بأستثناء سبب هروبها من منزلها .. لكنها أخبرتني بعلمك بالسبب ... رفضت إخباري كون الأمر يمس عائلتها أكثر منها
_ أمي .. أرجوك ..أسمعيني
_ أسمعني أنت .. نورا التي تعرفنا عليها قبل فترة كانت فتاة جيدة و لكن ضائعة .. لكن التي قابلتها بالأمس فهي فتاة رائعة تعرف طريقها جيداً ... تحبك و الأهم أنت تحبها ...
_ أرجوك أمي توقفي
قالت و قد تسللت الدموع من عينيها :
_ أمجد.. لقد تغيرت كثيراً منذ أن عادت نورا لبيت أهلها .... أختلف حالك و طبعك ... أنت تحبها و بجنون
صمت أمجد أمام المواجهة الصريحة مع مشاعره ..قالت أمه و هي تمسد خده
_ أذهب إليها الأن ... عاملها كموظفة عادية في البداية ..أعطها فرصة
دخل أمجد مكتبه و قد شعر بروحه تُرد إليهِ فور رؤيتها و لكن الأمر يبقى مؤلماً و قلبه مع كل خفقه يجرحهُ بشدة
وقفت نورا تنظر إليهِ بشوق و لهفه ..سيطرت عليها سريعاً ..تقدم أمجد منها و هو يقول :
_ نورا .. هل شرحت لي سبب ما تقومين به ؟
قالت ببساطة تخالف الأعاصير التي تجتاح قلبها :
_ أحبك
حدق أمجد بها و هو لم يعتد منها هذهِ الصراحة في مشاعرها .. عقد ساعديه و هو يقول :
_ نورا .. أنا لا أستطيع تجاوز ما قمت به في السابق
نظرت إلى الأرض و هي تفرك كفيها بتوتر :
_ أعلم .. و لكن أصبح بعدك صعباً للغاية .... لم اعد أحتمل ... سأعمل مع أمك و أسترق النظر إليك و أدعوا الله كل يوم أن تغفر لي خطأي و تعيدني للسكن في حصون قلبك
كم يشهر بالضعف أمامها ..يرغب بالإسراع إليها وضمها لصدره و رمي كل شئ خلفه .. لكن لازال الأمر صعباً للغاية ... عاد يلبس عباءة القسوة و هو يقول لها :
_ من الأفضل لك أن ترحلي نورا ... لا أضمن تصرفاتي بوجودك
أبتسمت بنعومة هزت قلبه ..قالت و هي تمسك حقيبتها و دمعه وحيدة حرقته :
_ أفعل ما تشاء ...عاقبني و أقسى علي حتى ترضى .. سأتحمل منك كل شئ ...
همت باإنصراف من المكتب و هي تقول :
_ سأذهب للخالة هالة .. سأبدأ العمل معها اليوم
أمسك ساعدها يوقفها مكانها ... قربه إليه يحاصر خصرها بين كفيه ... أقترب منها يريد أن يتناول شفتيها ..لكن كف نورا التي صفعته كانت الأسبق .. داست قدمه تبتعد عنه و هي ترتجف بقوة .. و أنفاسها تسابق قلبها في سرعتها
حدقت به غير مصدقة و هي تقول مرتعشة باكية :
_ أياك أن تقلل من إحترامي مرة أخرى ... أنا لست فتاة رخيصة لتتوقع مني تسليمي نفسي لك .... لقد أخطأت مره و هذا لا يعني بأني أصبحت ساقطة
صدمتها أبتسامته التي أمتزجت مع الحنان الدافق بعينه و هو يقول واضعاً يده على خده :
_ هذهِ الصفعة منحتني أملاً بحياة حقيقية معكِ .. لقد منحتني الكثير لأفكر فيه ... لو انك بادلتني القبلة لأشبعت رغبتي المجنونة بكِ و من بعدها طويت صفحتي معكِ للأبد...
قالت و هيب تلهث :
_ أنت مجنون
_ سأخرج الأن من المكتب .. تمالكي نفسكِ قليلاً ... أهلاً بكِ معنا ...

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــ
نظر للعاقدة حاجبيها بغضب طفولي و هو يقول لها :
_ كريستينا ...لايليق بك الغضب ...... سوف يتجعد وجهك و تصبحين عجوزاً
نظرت إليه تكاد تقتله بنظراتها متجاهلة كلماته قائلة :
_ و هذه صورة لابنة لوكاس آل هسن في وضع مخلّ ..يمكنك الأستفادة منها
قال قصي و هو ينظر للصورة :
_ يمكن أن نستخدمها كوسيلة لإخراجه من الإجتماع في الأسبوع القادم و بهذا نستطيع إبعاده عن رجال الأمن و الحراسة و جعله مكشوفاً لنقوم بإغتياله
هزت كريستيا رأسها موافقة و هي تقول :
_ لقد رتبت أمور سفري ..... سأدخل الولايات المتحدة بشخصية مختلفة و انت ؟
ضحك قصى بسخرية :
_ سأدخل بصفتي قصي جمال ... سأحضر الإجتماعات بصفة رسمية ..لست بحاجة للتخفي .... هل قمت بالحجز في المناطق التي حددتها
_ فعلت لا تقلق كل شيء جاهز و منظم كما طلبت
_ و بالنسبة للمتفجرات
_ جاهزة سيد قصي
قال قصي و هو يقف ينظر إليه بإشفاق :
_ لننتهي من هذا الأمر سريعاً ... و أتمنى منكِ بعد هذه المهمة أن تطلبي العمل مع شخص أخر كريستينا
وقفت و قد شعرت بالنار تحرق أحشائها تقول ياكية و قد أنهار قناع برودها :
_ لا ... أرجوك لا تفعل ... سوف تقتلني فوق الموت الذي أعيشه لا تحرمني قربك قصى
أقترب منها و هو يمسح دموعها :
_ كريستسنا .. من اجلك فقط ...أريدك ان تبتعدي ..أركِ تذبلين أمامي كل يوم .. يجب أن تبتعدي لتستعيدي نفسك... لا أمل بي .. أنا مخلص لزوجتي
خرج و تركها صامتة ... ترتجف كلهيب شمعة توشك على الإنطفاء
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

بعد أسبوع
وقف العالم ذاهلاً من الأنباء التي تبث من قلب نيورك ...
" اغتيال مبعوث دول الإتحاد الأوروبي للسلام في الشرق الأوسط لوكاس آل هسن و تفجير مبنى الأمم المتحدة في نيويورك مخلفاً مئات القتلى و الجرحى و قد تبنت حركة قدس الأقداس الجهادية هذه العملية الأرهابية "
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــ

انتهى

رواية الشبح لكاتبة زهرة نيسان حيث تعيش القصص. اكتشف الآن