الفصل الثانى عشر

203 5 0
                                    

الفصل الثاني عشر
نظرت الى كفه تتأكد من احكام الرباط عليه ... لكنه لم يلتفت الى الألم ... لم يهتم بجروحه ... أبحر في عينيها العسليتين و خافقه ينبض باضطراب ... بنظراته أخترق روحها ... لمس قلبها كما كان يفعل قبل سنيين ... تشققت قشور القسوه الرقيقه التي جاهدت لتكونها .... ليعاود خفقه المجنون بحضوره
قالت و هي تترك كفه هاربه من نظراته :
_ من الجيد انك لم تكسر يدك .. لم تفقد اعصابك بهذه الطريقه من قبل
قال و هو ينظر لكفه :
_ استحق أكثر من هذا ...
_ حمزة!!!
قال و هو يحتوي وجهها بكفيه :
_ لو افنيت عمري كله لاعوضك عما فعلت بتلك الليلة فلن استطيع أبداً
قالت و هي تحاول جاهدة كبح دموعها :
_ أرجوك حمزه .. لا أريد أن تتحدث عن تلك الليلة ... دعنا ندفن الأمر مكانه ... و سامر ...لا يجب أن يعلم
سارع بلملمت دموعها بباطن كفه قائلاً :
_ ارجوك لا تبكي ...دموعك تقتلني
القت بنفسها على صدره ... للمره الأخيره ... تريد أن تبكي ذكرى تلك الليله لتلقى بعدها بما حدث خلف ظهرها ... مزيج غريب من المشاعر اجتاح صدرها .... حزينة لما حدث تلك الليلة ...سعيدة لأنه لم يكن بوعيه و لم يقصد ايذائها ... خائفة من حب عاد لينبض في صدرها من جديد ...مترددة من الاقدام على اي خطوة جديده
ارتفع صوت هاتفها بنغمة مميزة تعرف صاحبتها .. قالت و هي تنهض مسرعه ماسحه دموعها المتناثره على وجهها :
_ انها سلام ...
اسرع حمزة ليقف بمواجهتها قائلاً :
_ أماني ... أعلم أنه من الصعب أن ينتقل قلبك من مرحلة الكره والنفور الى مرحلة ... الـــ .... الحب في ليلة واحدة ... صدقيني سأنتظرك لأخر ايام عمري على أمل أن أسمع بوحك بالحب
قالت وهي تشير الى صدرها :
_ لو أن هذا القلب كرهك حقاً لما تعذبت كل هذه السنوات ... لكنت مررت عنك مرور العابرين
_ اذا؟؟
_ أذاً ماذا ؟؟
_ اي مشاعر يحملها قلبك لهذا العاشق المتيم
عاد صوت الهاتف يعلو بذات النغمه المميزه
_ ارجوك حمزة سلام لا تعيد الاتصال الا اذا كان الأمر مهما
قال و هو يربت على خدها الأبيض :
_ اذهبي
همس لقلبه بصوت خافت :
_ اذهبي ... اعلم انك سوف تسلمي قلبك راضيه ..سعيده .... أرى الحب بعينيك منذ أن كنت طفله
اسرعت أماني بالدخول لغرفتها تشكر سلام بسرها لتخليصها من هذا الموقف الحلو المحرج ...
_ سلام ...كيف حالك ؟؟
_لست بخير ..لست بخير أبداً
_ ما الأمر ؟؟ يكاد الخوف يقتلني
_نورا ....عادت بالأمس
_ يالهي أين كانت طوال هذا الوقت ...؟؟
_ معتصم وجدها تعمل في احدى المحال ... أحضرها لمنزله وهو يحترق من الغضب... لك أن تتخيلي ما حدث!!
_ يالله .... هل هي بخير ؟؟
قالت سلام باكيه متألمه :
_ لا أعلم صدقاً لا أعلم .. لم يترك مكاناً بجسدها الا و انهال عليه بالضرب المجنون .. لن استطيع تركها دون حماية
_ رحمتك يالله .. لا تقلقي سأهتم بكل شيء
_ أشكرك أماني ..
_ سوف أمر عليك بأقرب فرصة حبيبتي
_ الى اللقاء أماني
_ الى اللقاء
سرحت أماني تفكر بحال سلام .. جفلت من صوت طرقات حمزة على باب الغرفة ,,, التفتت لتجد يقف مستنداً على الباب
_ هل كل شيء بخير ؟؟
_ سلام تعاني من بعض المشاكل سأضطر أن أغطي على غيابها في المشفى ... سأعمل لنوبتين متتاليتين ..
_ هل يمكن أن أقدم أي مساعدة
_ أن احتجتها سأخبرك
_ سأكون بالانتظار
وقفت أماني و هي تنظر اليه بتوتر ...
_ هل تسمح ؟ ..أريد أن أستعد للذهاب
قال و هو يشير الى خارج الغرفه :
_ آه تردين مني الخروج
قال ذلك و هو يدخل باتجاهها .. ينظر اليها بخبث جعل عينيها تطرفان بسرعة ... قالت بصوت مرتجف :
_ حمزة !!
_ يا قلب حمزة
تراجعت قليلاً مصطدمة بخزانة الثياب خلفها ... أحاطها بذراعيه مستنداً على الخزانة و هو يطلق سهاماً من عينيه تصبيها بمقتل
_ ما الذي تفعله أخبرتك أن ....
قاطع كلماتها و هو يقتنص منها قبلة طويلة جعلها تنسى المشفى و سلام و حتى ضرورة التنفس ...
توقف ليلتقط أنفاسه و هو يقول بالقرب من أذنها بصوتاً أجش :
_ لا يمكن أن ابتعد عنك بعد الأن .... أصبح ذلك من المستحيلات
قالت و هي تغطي شفتيها بتوتر أمتعه كثيراً :
_ أرجوك ..... العمل ....سأتأخر
قال و هو يبتعد متنهداً قائلاً بحركه مسرحية :
_ يا صبر أيوب
خرج من الغرفة مغلقاً الباب خلفه ..لا تعلم أماني لما ابتسمت بهذه الطريقة ...طريقة بلهاء تناسب العشاق
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــ
برفقاً أنزلها على اريكه المنزل البحري الذي يملكه بالقرب من المطار كما لو كان يخشى أن تتأذى أكثر .... راى ان من الافضل ان تستعيد وعيها و قوتها قبل عودتها الى منزلها ....جلس على الطاولة الخشبيه المقابلة للاريكه
غضبه يزداد اشتعالاً كلما نظر الى تلك الكدمة الزرقاء التي تغطي فكها ... كيف لشخصاً يسمى نفسه رجلاً القيام بفعلاً مخزي كهذا ... يرفع يده على امرأه باسم الحب متناسياً أن دمائها تجري بشرايين أبنه !!... تراود نفسه رغبة عارمة بالعوده اليه ليكسر يده حتى لا يتمكن من رفعها على ذبابة مكسورة الجناح
بدأت ياسمين تتحرك بضعف و هي تردد بصوتاً خافت اقرب الى البكاء :
_ يزن .... يزن ...... حازم ....لا
اشتعل قلب زياد على المها فهو يعلم معنى الفقدان ... انحنى قريباً منها قائلاً :
_ ياسمين ... استيقظي .. أنت بأمان الأن
ارتفع صوت بكائها اللاوعي :
_ يزن ...يزن .... حازم ..... لا ..... اتركني ... لا
أمسك زياد بكفها مربتاً عليها بقوة قائلاً :
_ ياسمين .... اطمئني لقد رحل لن يؤذيكِ بعد الان...
فتحت عينيها ببطءعلى وقع صوته .... و للحظات تعلقت نظراتهما بتفاهم غريب ......
طرفت باهدابها سريعا كما لو كانت تحاول استعادت سيطرتها على حواسها و قلبها الذي يقفز بجنون داخل صدرها ..... اسرعت بالنهوض من مرقدها و هي تسحب يدها من بين كفيه الكبيرتين ... قائلة
_ اين أنا ؟؟
قبل ان تتمكن من النهوض بشكلاً كامل ..... شعرت بالغرفه تدور من حولها .... أصبحت الأشياء امامها مشوشه غير واضحه ... اسرع زياد لمساندتها و اعادتها لوضعية النوم ..عائداً هو لوضع جلوسه الأولى
_ على مهل .... لازلت ضعيفة ...انت في منزلي قرب المطار .. أردت منحك بعض الوقت لتستعيدي قوتك قبل العوده و مواجهة والدك
وضعت يدها على راسها و هي تغمض عينيها بقوة
_ يالهي .... كيف سأبرر له غيابي طوال ليلة أمس
_ لا تقلقي ..أخبرته أنك بمهمة طارئة و لن تعودي الى المنزل
نظرت اليه بعدم فهم
_ أخبرته ؟؟؟
_ أجل لقد جاء الى الشعبة مع اختك يبحث عنك و منها عرفت بموضوع حــاــ..... ذلك الوغد
جلست سريعا و هي تقول :
_ هل علم أبي
_ لا ... لا..... توقفي عن النهوض بهذه الطريقة ....أخبرتك بانني غطيت غيابك ... اتصلت به الليلة الماضية اكثر من مرة لأطمئنه على وضعك و انك لازلت مستغرقة بالعمل
استوت ياسمين بجلستها و هي تفرك جبهتها بارهاق واضح :
_ سيدي العقيد .. أعتذر عن اقحامك بمشاكلي
_ لا .... لا بأس .. لا تشغلي بالك بهذا
ساد صمتٌ ثقيل بينهما ... قاطعه زياد بوقوفه و اخراجه علبة سجائره ... ليحرق واحدة محيطاً نفسه بسحب الدخان يوازن ما يقدم على قوله :
_ ما كان عليك الذهاب اليه وحيدة
هربت ياسمين بنظراتها منه .. لمحت غضباً مخيف يلمع من عينيه وسط غيمة الدخان الرمادية ...
_ كان من الممكن ان تسوء الامور اكثر.... كان من الممكن ان تكوني معه في مكان لا يمكنني الوصول اليه
قالت بصوت خافت :
_ كنت اريد أن أرى يزن ...
قاطعها بصوتاً أكتسحه الغضب
_ هذا ليس بعذر ياسمين ... ليس بعذر ... انت أدرى الناس به و بتعامله الوحشي ... عندما أخبرتني أختك بأنه قد ضربك سابقاً و كاد ان يقتلك ... تضاعف غضبي منك .. كيف لعبقرية مثلك ان تكون غبية بهذا الشكل
قالت ياسمين بصوت خافت و هي تحيط نفسها بيديها :
_ سيدي أرجوك توقف عن اهانتي
القى زياد باقي العقب المحترق و سحقه بقدمه و هو يقول بغضب :
_ اين كانت هذه القوة عندما طلب منك لقائه بشقة مقفلة
دفنت وجهها بكفيها تحاول السيطرة على دموعها الصامتة .... زفر زياد بضيق من نفسه و غضبه و من ضعفها ..... اقترب ليجلس أمامها
_ ياسمين انظري الي
لم تستجب له و بقيت تسكب دموعها لعلها تطفئ النار المستعره بصدرها ... وضع يده على كتفها و هو يقول بصوتاً حاني
_ انظري الي ...أرجوكِ
رفعت وجهها الغارق بالدمع ...و هي تتعلق بعينيه الغريبه ... :
_ لست نادماً على قسوتي معك ... أريدك أن تعملي عقلك قبل قلبك .... أعلم أنك تحترقين شوقاً للقاء يزن .. و لكن و عندما تتعاملين مع شخص همجي بلا أخلاق و لا قيم ..... عليك ان تنتبهي و تفتحي عيونك جيداً ..... لا يجب أن تثقي به أبداً ... عليك أفتراض الأسوء منه ... هل تفهمين ؟؟
هزت رأسها موافقة ... ابتسم لها بحنو و هو يمسح دموعها بتلقائية كما لو أنه أعتاد الأمر قائلاً:
_ و الان أدخلي لتلك الغرفة لقد أحضرت لك ملابس جديدة .. خذي حماماً واستعيدي نشاطك ... لحديثنا بقية ...
نهضت ياسمين دون التفوه باي كلمة ....و بخطوات ضعيفه و مرتجفه و قلب مضطرب توجهت الى حيث اشار ....
_ ياسمين ..
التفتت اليه بعيون متسائله
_ هناك ايضاً بعض مساحيق التجميل... لتغطي ما فعله الوغد بوجهك ..... حتى لا تثير ريبة والدك هل تحتاجين للمساعدة ؟؟
طلت من عينها نظرة متسائلة مرتابة
قال لها مستدركاً :
_ بتغطية الكدمات ... لدي خبرة في عالم التنكر لذا ..
ابتسمت قليلاً بطريقه تدمي القلب لتلحق بها دمعه :
_ شكرا لك .. و لكني معتادة على هذا الامر
تركته متخبطاً بمشاعر الغضب من جديد
_ معتادة ؟؟ ذلك الوغد ...... سوف يلقى جزاءه مني قريباً ....
تطلعت ياسمين لنفسها بالمرآة مرتعبه من مظهرها ... كدمة كبيرة تغطي فكها .... جرح جبهتها .... شعرها الطويل مشعث ..... ملابسها متسخة ...عيناها منتفختان ...محاطة بهالتين سوداء ..
لم تبالي ببرودة المياه التي انسابت على جسدها الذي شهد على العذاب الذي تحملته باسم الحب ... تمنت لو ان هذه البروده قادره على اطفاء نيران قلبها التي لا تهدأ... كيف وصلت لهذه الحال يا ياسمين ... متى أصبحت بهذا الضعف و الخنوع ... كان عليك الوقوف بوجهه منذ المره الأولى التي رفع فيها يده عليك و تجرأ على تلطيخ ثوب زفافك بدمائك ... كان عليك الخروج من منزله لحظتها دون أن تلتفتِ لإعتذارته و رجائه ... لقد قتل في نفسك معنى الكرامه و أحترام الذات ... و هو الان يمعن بتعذيبك و ترخيصك ... مانعاً عنك ابنك ..يزن .. يزن ...اه يا قلبي و روحي ... متى سوف أعاود احتضانك بين ضلوعي ... كل يوماً تكبر و تهرب مني مراتك الاول في هذه الحياه ... لم أعد أحتمل بعدك يا صغيري ... القلب قد اثقل بالهموم و الجروح
دفعت نفسها للخروج من الحمام سريعا حتى تسرع بالرحيل من هذا المكان ... تشعر بالحرج من اقحام زياد بكل هذا ... لقد اصبحت أمامه مكشوفه بضعفها و مخاوفها
وقفت أمام الثياب التي احضرها زياد
_ فستان!! انا لم ارتدي فستاناً واحداً امامه ...كيف سألبس هذا الأن !!..
كان فستاناً سماوي اللون ..غطى ركبتيها .. بأكمام ناعمة طويلة .... تنتهي بتخاريم على شكل ازهار صغيرة ....مع حزام كحلي اللون
بحثت عن مجفف للشعر لكنها لم تجده .. قامت بتضفيره بشكلٍ جانبي ...ليستقر في النهايه على كتفها الأيمن..غطت كل الكدمات التي على وجهها و جرحها ....
خرجت بعد تردد لتجد زياد يصف اطباق الطعام على الطاولة .. اقتربت ببطء .... قال دون ان ينظر اليها :
_ تعالي تناولي الطعام ..انت لم تتناولي شيئاً منذ فترة طويلة
وقفت مترددة و هي تشد على كفيها ... رفع عينيه اليها ليجد أمامه ... أميرة عربيه هربت من احدى كتب حكاية ألف ليله و ليله .. تشبه الأمير ياسمين البغداديه بضفيرتها السوداء و بشرتها السمراء وعيونها السوداء الواسعه ... ..ابتلع ريقه ليطرد افكاره الخائنه ... :
_ تعالي ياسمين

رواية الشبح لكاتبة زهرة نيسان حيث تعيش القصص. اكتشف الآن